على أعتاب الأنتفاضة المشهد المصري الفلسطيني القائم أرتفع منذ أيام العلم الفلسطيني أمام مبني الأمم المتحدة للمرة الأولي بعد موافقة ١١٩ دولة، وكانت أهم تفاصيل المشهد غياب ممثل مصري في ذلك الحدث المهم وأكتفاء الرئيس السيسي بتوجيه التهنئة لأبو مازن أثناء اجتماعهما الثنائي علي هامش لقاءات الجمعية..
تصاعدت وتيرة أعمال العنف التي يرتكبها المتشددون اليهود تحت حماية جيش الأحتلال ضد المرابطين في المسجد الأقصي ويظل المشهد المعبر عن الصراع “الفلسطيني_الإسرائيلي” هو أحجار المرابطين في صحن المسجد وأمام أبوابه ضد قنابل الدخان والقنابل السامة والصوتية ووابل النيران الذي يحصد الفلسطينيين بلا هوادة..
فخطة تهويد القدس تسير علي قدم وساق منذ بداية الربيع العربي وأنغلاق كل دولة علي قضاياها ومشكلاتها الداخلية غير عابئة بالقضية الكبرى والأرض التي تئن تحت وطئة الأحتلال -ولذلك فهو صراع فلسطيني إسرائيلي وليس عربي إسرائيلي- ، فقد تركت كل الدولة العربية مسئولية القضية الكبرى ملقاة علي عاتق الفلسطينيين وحدهم، فإن جاءك طوفان الأزمات الداخلية ضع أخيك تحت قدميك!
وبهذا وجد المقدسيون أنفسهم أمام مدفع المحتل دون نصير ، فحتى مظاهرات فلسطينيو الضفة المؤازرة لهم كانت تُقمع بمنتهي العنف من قبل حكومة أبو مازن، وعلي المقدسيين أن يتدبروا أمرهم للتصدي لمخطط التهويد وحدهم!!
وأصبحت أعمال الحفر تحت أساسات المسجد تتم في وضح النهار أمام المجتمع الدولي دون أي بادرة أعتراض تاركةً ورائها المسجد مهدداً بالسقوط ، وأصبحت أقتحامات المتشددين المتكررة لباحة المسجد الأقصي في حماية جيش الأحتلال مشهد عبثي متكرر ماضي في تعميق جروح الأرض السليبة، والجديد في مخطط التهويد هو التقسيم الزماني والمكاني للمسجد حيث تخصص أوقات وأماكن معينة لليهود في المسجد لإقامة صلواتهم بجوار الهيكل المزعوم، وأماكن وأوقات أخري للمسلمين للصلاة في المسجد، الأمر الذي وضع المقدسيين في مأزق، فخلو المسجد منهم يعني أستيلاء قوات الأحتلال والمتشددون عليه والمضي قدماً في مخططهم ، فما كان منهم إلا أن رابطوا في المسجد عاريو الصدور أمام آلة الأحتلال التي تحصد منهم كل يوم الشهداء والجرحى، وحدهم دون أى مؤازرة من أي نوع اللهم إلا بيان تنديدي من الأزهر!
لقد فضحت الأيام العصيبة التي يمر بها الأقصي زيف إداعاءات حكام العرب جميعهم وتمسحهم في القضية ، وأكدت أن هؤلاء لا يتذكرون فلسطين سوى لأستثارة مشاعر شعوبهم المثقلة بما يعيشونه يومياً في بلادهم هم الآخرين،أو لحصد الأصوات في أنتخابات صورية لن يفز بها إلا المرضي عنهم من قوى كبرى تبنت الحلم الصهيوني منذ زمن بعيد إلى أن قوي وأشتد جيشه وأنتشرت مستوطناته كالسرطان في جسد الأرض المغتصبة، وسلطت الضوء الكاشف على روابط العروبة الممزقة وأنها محض شعارات لن تقف أبداً أمام رصاصات المحتل، وكان أنين المقدسيين المحاصرين يلقي بالذنب على أخوة زعموا يوماً أن القضية قضيتهم إلى أن يتم التحرير ملقين بالذنب الأكبر علي الأردن ومصر.
فالأردن هي الدولة المسئولة عن حماية مقدسات وأوقاف مدينة القدس ومع ذلك يسود موقفها الرسمي حالة من تجاهل ما يحدث بالمسجد الأقصى والذي كاد أن يشتعل بالنيران مرتين منذ بدأ الأزمة، وأكتفت بلفت النظر في كلمة ملك الأردن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة دون حتى أستدعاء للسفير وإخطاره بما يحدثه العنف المتولد داخل المسجد ونتائجه. أما مصر، فبينما هم محاصرون كان أفتتاح السفارة الإسرائيلية بالقاهرة مطلع الشهر المنصرم بعد إغلاقها لأربع سنوات منذ ثورة يناير، ويقول ناشطون بمركز القدس أن أعمال العنف زادت منذ أفتتاح السفارة لـ ٣٠٠٪ ، ووسط التصاعد الدموي للأحداث وسقوط الشهداء والجرحى كان الرئيس المصري يلقي بتصريح صادم لوكالة “الأسوشيتدبرس” عن أستكمال عملية السلام مع إسرائيل وتوسعتها لتشمل دولاً عربية أخري، ليهلل نتنياهو وأخوته ويشيد في بيان صادر عن مكتبه بتصريحات السيسي بحسب جريدة “جورزاليم بوست” الإسرائيلية.
والواقع أن تصريح السيسي هنا جاء مثيراً ردود فعل مختلفة، بين غضب عارم على دعوة السلام المفتوحة والفلسطينيين يقتلون في باحات الأقصى، وبين الأعتياد علي مثل هذه النبرة الصدوقة في تصريحات المسئولين منذ عهد الرئيس السادات مروراً بمحمد مرسي الذي خاطب نتنياهو داعياً إياه بـ “صديق العزيز” متمنياً لإسرائيل التقدم والأزدهار، وأنتهاءً بالرئيس السيسي ، بينما وضع التصريح خبراء أمام تساؤلات عدة منها أن الأتفاقيات التي دعى السيسي إلى “توسيعها” لا تتم بهذه الصورة وإنما تبرم بعد مفاوضات الدول المعنية. الأمر الذي حدا بالمتحدث الرئاسي المصري علاء يوسف بأن يصرح أن الترجمة الصحفية التي تم تداولها لكلمة الرئيس السيسي غير دقيقة فيما يتعلق بالجزء الخاص بعملية السلام مع إسرائيل، وقال أن الرئيس تحدث عن فكرة إحلال السلام الشامل بالمنطقة وانعكاساته الإيجابية علي جميع الشعوب وعلاقات الدول العربية مع إسرائيل ، مشدداً على أن ذلك لن يتحقق إلا بوجود حل للقضية الفلسطينية وإعلان دولة فلسطين على حدود الرابع من يونيو، وعاصمتها القدس الشرقية، وهو ما كرره السيسي في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة ويضعنا بصدد التساؤل عن دور مصر تجاه القضية خلال عام ويزيد من حكمه.. فالواقع أن النظام الحالى جرد الفلسطينيين من كل مكتسباتهم التي حصدوها ببطء علي مر سنوات حكم مبارك وبعد ثورة يناير، الأمر الذي دفع الإعلامي علاء الريماوي إلى التصريح بأن إسرائيل تجد في مصر بوابة لقهر المقاومة في قطاع غزة .
وباستعراض تعاطي الحكومة المصرية مع بعض القضايا التي تخص الشأن الفلسطيني مثل المقاومة الفلسطينية، ومعبر رفح والأنفاق نجد أن محكمة مصرية أصدرت حكماً يقضي باعتبار حركة حماس منظمة إرهابية لتورطها بأعمال عنف بمصر حسبما قال التلفزيون المصري، وورد في الشكوى المقدمة لمحكمة القاهرة للأمور المستعجلة أن حماس قامت بأقتحام سجن وادي النطرون وتهريب أعضاء جماعة الأخوان المسلمين وقتل المتظاهرين في ميدان التحرير. وقد أتى هذا القرار بعد إعلان القضاء المصري حظر كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس وإدراجها جماعة إرهابية. -معبر رفح: بعد ثورة يناير قررت الحكومة المصرية فتح معبر رفح بشكل دائم ولكن منذ عزل محمد مرسي ومصر تغلق المعبر بشكل دائم وتفتحه على فترات متباعدة لسفر الحالات الإنسانية من المرضى وحملة الجنسيات والإقامات الأجنبية. وبحسب وزارة الداخلية في غزة فإن السلطات المصرية فتحت المعبر ١٥ يوم فقط في العام الحالي وأغلقته ٢١٠ يوم ، ويقول الناطق باسم الداخلية في غزة: أستمرار غلق معبر رفح يهدد حياة مئات المرضي ، فضلاً عن تهديد مستقبل آلاف الطلبة وحملة الجوازات الأجنبية وضياع فرص عمل حملة الإقامات. -الأنفاق : يستمر الجيش المصري في عملياته بشمال سيناء بغرض تطهير الأرض من الإرهابيين والعمليات المسلحة، هادماً مئات الأنفاق العابرة للجانب الفلسطيني لأنها بحسب العسكريين منفذ لتسلل العناصر الإرهابية للجانب المصري.
وكانت آخر هذه العمليات المنتهية منذ أيام عملية “حق الشهيد” قامت وحدات الجيش المصري خلالها بضخ كميات كبيرة من مياه البحر أسفل الحدود المصرية الفلسطينية لإغراق الأنفاق وهدمها مما دفع الفصائل الفلسطينية ( الجهاد الاسلامي، حركة المجاهدين، الجبهتين الشعبية والديموقراطية، حركة الأحرار، لجان المقاومة الشعبية) لإصدار بيان مشترك نقلته وكالة الأناضول التركية تدين فيه هذا الإجراء “الصادم” علي حد قولهم ، وتابع البيان ” هذه الخطوة تدمر مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية وتلوث خزان المياه الجوفية وتهدد بتقويض المنازل علي الجانب الفلسطيني” ودعت أصحاب القرار في مصر لوقف هذه الجريمة المرتكبة في حق الشعب الفلسطيني،
يذكر أن مشروع إقامة مانع مائي علي الحدود المصرية الفلسطينية كان قد قدمه الإسرائيليين إلي مبارك لإحكام سيطرتهم علي القطاع إلا أن الأخير قد رفض، فالمعبر يعنبر المتنفس الرئيسي لسكان القطاع المحاصرون منذ سنوات. كل هذه الظروف التي يعيشها الفلسطينيون تؤكد أن الصراع أصبح “فلسطيني_إسرائيلي” وأن كل الدعم الذي قد يتلقونه من العرب وخاصةً الحليفة الأولى مصر لا يتعدى خطب وعبارات فارهة يتشدق بها السياسيون لكسب المؤيدين فقط، وأن جميعها لا تساوي حجراً قابعاً في صحن الأقصى بجوار مرابط مقدسي في أنتظار مواجهة رشاشات الصهاينة وقنابلهم.