جاء اللقاء بين السيسي والسبسي كتتويج للقاءات المتتالية بين البلدين بدايةً على مستوى وزيري الخارجية ثم رئيسي الوزراء وهو اللقاء الذى شهد انسحاب محلب الغريب عند تلقيه سؤال حول اتهامه فى قضية لعدد من رموز نظام مبارك، ثم جاء لقاء الرئيس التونسي مع الرئيس الانقلابي المصري وهي الزيارة الأولى له إلى مصر لكنها بالتأكيد ليست أول زيارة لرئيس تونسي إلى مصر منذ نصف قرن كما ادعى السبسي في عدم اعتراف منه بالرئيسين اللذان أتت بهما ثورات الربيع العربى (مرسي والمرزوقي)، ما يؤكد أن اللقاء كان قمة للثورات المضادة في كلا البلدين.
ليست فقط النقطة هي التي تفصل الرئيسين عن بعضهما فالفارق الجوهري في الحقيقة هو سلوك وطريقة وصول كلًا منها إلى السلطة فبينما وصل السيسي إلى السلطة عبر انقلاب عسكري دموي نجد السبسي وحزبه نجح في انتخابات رئاسية وبرلمانية أقر بنتيجتها منافسيه، والأهم هو شكل العلاقة بينه وبين منافسه الرئيس حزب النهضة حيث يتشارك الحزبان في السلطة ونجح كلا الطرفين في تجاوز حالة الشحن والاستقطاب التي ترافقت وتلت مرحلة الانتخابات، وكان لحكمة القادة السياسيين من كل الأطراف الدور الأبرز في هذه السياسة الفريدة بين السلطة والمعارضة خاصةً الإسلامية منها في دول الربيع العربي وهو الأمر الذي يختلف جذريًا عن الحالة المصرية.
هذه العلاقة بين السبسي وحزبه تجاه النهضة الذي يمثل تيار الإخوان المسلمين أغضبت دول الخليج الداعمة للقضاء على تيار الإسلام السياسي وخاصةً المملكة السعودية ودولة الإمارات المتحدة، ما يجعل هدف الزيارة الأول هو محاولة السبسي وحزبه استرضاء هذه الدول عبر حليفهم الأبرز السيسي خاصةً وأن الاقتصاد التونسي في حاجة ماسة للدعم الخليجي.
من المؤكد أن هذه الزيارة أسعدت كثيرًا التيار المتطرف بحزب نداء تونس الذي ربما مارس نوعًا من الضغط لاتمامها وعلى رأس هذا التيار الإقصائي وزير الخارجية الطيب البكوش الذي أجرى بنفسه مداخلة مع قناة مصرية ليتحدث ان هذه الزيارة ستكون “بشرة خير” على الشعبين المصري والتونسي، هذا التيار الإقصائي الذي رأى في السيسي بطل ومخلص من الإسلاميين ودعا في وقتٍ سابق لنحو المسار المصري في القضاء على الحركة الإسلامية وممارسة القمع الذي مارسه بن علي وبورقيبة ضدها سابقًا، إلا أن تعامل النهضة وقرارها التراجع خطوات إلى الوراء وفهم الواقع الإقليمي المفروض، وكذلك حكمة البعض في نداء تونس ومنهم السبسي نفسه ساهم في تحقيق حالة توافق وطني في معظم القضايا الداخلية ومنها ملف الأمن والإرهاب وسمح للنهضة بالمشاركة في السلطة بدلًا من اصطفافها مع المعارضة، وبالتالي تجنب حالة الشد والجذب وهو ما اعتبر مكسبًا لكلا الطرفين، ومع الدور الضعيف لتونس في القضايا الإقليمية والدولية وضعف قيمة الضغط الخارجي سارت الأمور كما أرادها الطرفان بشكل جيد ومستقر إلى حد بعيد.
الجدير بالذكر أن البكوش هو مهندس هذه السياسة المتشددة فى التعامل مع الاسلاميين وليس ادل من ذلك ضغط النهضة لاستبعاده عند ترشيحه لرئاسة الوزراء وتصريحاته الاستفزازية لتركيا والتى اعتذرت عنها تونس فيما بعد وقراره السريع بعد توليه الوزارة باعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السورى وهو ما تراجعت عنه تونس كذلك نتيجة الضغط الغربى ، لتكون آخر خطواته هى تعميق العلاقة مع النظام الانقلابى المصرى.
الجدير بالذكر أن البكوش هو مهندس هذه السياسة المتشددة في التعامل مع الإسلاميين وليس أدل من ذلك ضغط النهضة لاستبعاده عند ترشيحه لرئاسة الوزراء، وتصريحاته الاستفزازية لتركيا والتي اعتذرت عنها تونس فيما بعد، وقراره السريع بعد توليه الوزارة بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري وهو ما تراجعت عنه تونس كذلك نتيجة الضغط الغربي، لتكون آخر خطواته هي تعميق العلاقة مع النظام الانقلابي المصري.
على المستوى المصري ربما القمة الكروية بين الزمالك والنجم الساحلي تكون حظيت باهتمام أكبر من القمة الرئاسية المفترضة، ما يعني أن هذه الزيارة شكلت أهمية أكبر للجانب التونسي الذي سعى من خلالها بشكل رئيسي فى عودة علاقات الود مع الخليج إلا أن الأمر اللافت هو مرور الزيارة على القوى التونسية المعنية بالثورة مرور الكرام، فلم يعلق الرئيس المرزوقي أو حركة النهضة عن الزيارة بالإيجاب أو السلب رغم موقفهما المعلن من رفض الانقلاب العسكري في مصر وما تبعه من انتهاكات لحقوق الإنسان ومبادئ ثورات الربيع العربي، ومطالبهما بالإفراج عن الرئيس مرسي وتنفيذ مصالحة وطنية بين السلطة والإسلاميين في مصر.
ليبقى السؤال الأبرز الذى تطرحه تلك الزيارة هو هل يكتفي السبسي بتعميق علاقته بالانقلاب في مصر كي يعيد الدفئ لعلاقته بالخليج وينجح في جذب الدعم اللازم لإنعاش الاقتصاد أم تتبع ذلك خطوات أخرى استجابة لضغوط وأوامر الخليج وتحت تأثير الجانب المصري؟، خاصةً مع إعلان تونس دخولها في التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب وتنظيم الدولة فى المنطقة والإجراءات المتشددة التي تتخذها ضد جارتها ليبيا وهو ما يتقارب مع الموقف المصري، فهل يكون لذلك انعكاساته على السياسة الداخلية وما يتعلق بتغيير سياسة التوافق تجاه النهضة وانتهاج سياسة أمنية أكثر تجاه المتدينين والمساجد وتيار الإسلام السياسي بشكل عام أم تتوقف تلك الخطوات على السياسة الخارجية ويكون المقابل هو تغاضي وتفهم النهضة لتلك المواقف الإقليمية والدولية.