ربما لاختلافنا على تعريف الأغنية الجميلة تستمر الألحان فينا , تأخذ منا ترف الاتفاق الدائم وتجلس المتحابين على طرفي نقيض في ليلة مقمرة .
من جرب توتر الندماء وهم يستعدون لإدهاش بعضهم في سكتة بين أغنيتين , كيف لك أن تتخيل كمية الأنهار في دم صاحبك الليلة , هل نزل من جبل ذات يوم لتفاجئه بأغنية من كلمات طلال حيدر وصوت فيروز فكرتها الأساسية :
راحوا يرعوا غنمهن .. والعشب فوق .. ضلوعي
أم أن هوى رفيقكما الثالث حجازي , فتبحث عن دعج في العيون وغزل هارب على جال الطريق .. ذاك الذي .. يودي لبيتها ..
على مذهب لثغة في صوت طلال مداح رحمه الله .
تخاف من طعنة في قلب صديقك , تتجنب آهات الست , تفكر في فايزة , سيطول الليل , سنمشي على الحرير وحين تصل نجاة سيكون الليل كامل الزرقة , ستطوق الزمان وتوقف عقارب الساعه , ستظلم من يأتي دوره في الاختيار بعدك , نجاة تظلم الجميع حين يسقط الشال فتتناوله بضحكة صوتها الذي يأتي ولايصل حتى عندما يحاول عبدالوهاب تلقينها جيدا مخارج :
كل دا كان ليه ؟
تريد صنعاء , وكم في صنعاء من مغنى , يغمزك الحضرمي بدان في عز النشوة , تحاول أن تكون محايداً , تنزل من جبال الشمال فيطالعك السنيدار من بعيد : لاصاحب ترك صاحبه , وياحبوب لاتغضب لاتغضب , تفكر في الحارثي وجل من نفس الصباح , غناها كثيرون , شوهتها بلقيس وبقي بن عبده على الحياد , لكن محمد حمود – كما يناديه محبوه – بملامحه الساقطة من شاهق كان أصدق من حضن العود وهو يودع ب .. السلام .. السلام .. صفاح .
تطل على جميلة من جبال صنعاء تغمزك أن اركب باتجاه الكبسي , يكاتفه عود حمود السمه , يصرح الرفيق العدني أن لاعتب على من ادعى أنه من اليوم وكيل العاشقين , يخرج أيوب من بين الخلاف , يعدل كوفيته ليبدأ بعزف يطوع الجميع :
مطر مطر والضبا بينه تدور مكنة
يا ريت وأنا سقيف
يا ريت أنا خدر بدوي كلهن يدخلنه
لوما يروح الخريف
يا ريت أنا كوز بارد وحدهن يشربنه
على شوية صعيف
تذكر أصدقائك في تهامة , تنزل جازان , تتركون أبابكر لسهرة يكون فيها وحده لاشريك له , لايقاسم أبابكر في الليل ان ابتدأ به أحد , يقبل أن يبدأ الندماء بمقبلات من طينة صوت فضل وجورج ومياده , لكن ان جلس على عشاء اللحن وتربع , أسكر من حلب حتى آخر بيت في عدن .
تطالعنا المكلا من بعيد , لابأس ياحضرموت الفن , مادمت قد أنجبت عبدالرب فقد وصل صوتك حدود بغداد وتراقص عليه الساحل في خليج الكويت حتى أرخبيل في اندونيسيا وصله الاسلام بدانات أبناء حضرموت .
رحم الله كرامة أوغل في الوادي حتى كانت شهرته لاتتعدى مراكب الصيادين على ساحل البريقة , وغفر لأبي عادل المرشدي ناجي محمد حين بقي في آخر اللحن يعدل أوتاره بنحنات مع عود ابن قاسم ليست متاحة للجميع .
ينتصف الليل , يدور معمول بحريني وينزل بخور هندي , يمسك خالد الشيخ دفة الأشياء هنا , عيناك وينطرح عاشق كمن مسه جني أو لدغته عقرب ولا ورد أو حرزا بالجوار , لامكان آمن للحب في ألحان خالد , موسيقاه تشي به من اللحظة الأولى , يكفي من سكرة النبيذ ماجاور الشفتين .
يرخي الليل عباءته , يفكر محايد في تقاسيم نقتسم بها ساعة الليل الأخيرة , القانون سجادة فارسية , العود عماني على جمل باتجاه الحج , الناي مصري غرق في النيل , تبلل وأنقذه سوداني كان بالجوار , الطبلة زنجباري أنيق , الكمان بحريني يبكي على مأتم في تاروت .
رياض أحمد يرفع صوته لينوح عراقي في لندن , لاشام , كل الشام حزين يارفاق , لننزل نجداً ونرح ركابنا في الصحراء , لارمضاء في الليل تمنعنا الغناء قليلا , ماذا عن شعبيات محمد عبده , صوته حاد قليلا ولا سمار حوله يشبهوننا حين نخطيء في الغناء خلفه , عبادي , أرجوك لاتصلي العشاء دون وضوء , طلال , الليل هدهدة في لثغة من زجاج , عمر كدرس , دعه حين يقترب الآذان , يتململ الرفاق , يحرك رفيق يده لينزل الشاي , لقد نفد النعناع منذ عصر البارحه .
روعوه .. فتولى .. مغضبا
أعلمتم كيف ترتاع الظباء ؟
يرتجف القانون من صوت كسول , ثمل , ينسى أن يبدأ , يبدأ فننسى كل من مروا , ينزل بخفة الماهر من حافلة تحت مشربيات بيوت نصيف , يعطي الكمان فرصة تقطيع الهواء قطعة قطعة , يخطيء ثمل فيقول محمد عمر ترك عاداته وسافر لقطر, يصب الشاي سيد من سادات القوم يلبس سديرية بيضاء , يخضر المدى , يضحك شوقي من الظبي الجافل كيف سيوقفه لحن ؟
روعوه
فتولى
مغضبا
يمسك الموال من فورة رأسه , يمد كأن بصوته نسبا لحفص
لي حبيب كلما
قيل له
صدق القول
وزكى الريبا
..
تسقط عمامة مذهبة الأطراف , يدوس بآخر طبقات القرار على : لو رأونا والهوى ثالثنا ويصلي للصبح بألا يقربا .
ينتشي أول من مسك قدح الشاي , يزعم أن نعناعا طائفيا نبت في فمه , يبتسم جليسنا الثاني , يزعم أن الشاي عل طريقة العراقيين – هذه الليلة – مهيل , يقسم كريم من شمر أن هذه قهوة قدمت قبل شاي , يخرج بخاري سبحة من يده , صورة على الجدار تفتر عن أسنان بيضاء في سمرة هوساوي فخيم , عمر كدرس يتنازل عن دوره في الجلسة لابنه الشرعي , يشارك الندماء في الكورال , يضحك الليل , يدور الشاي , تخضر جنبات المجلس , يتأوه مفتون بحب طيبة , يزعم أنه في حضرة وقد ترائت له الروضة , من يحق له أن يمدح أحمد غيره , تطل ابنة الجيران , ترمي بباقة ورد قديمة , يمشي العود وحيدا مسافة دقيقتين , يدخل طبل سمين من بعيد ليزيد الكمان من نواحه , تموت نخلة في هجر , يلوي ذراع الهوى , يضم شفتيه بالميم , تتعثر حسناء من حجاج شنقيط .
يزهو آخر الليل على أوله , تنام صنعاء , مازالت غصة بحلق صاحب عدن , لكن عبدالرب يرضى كعادته أن يكون حاضرا كريما بلحن قريب لطيبة , يتأنق العقد الفريد سيخرج موال من بطن مكتبة حجازية , يمسك شاعر سوداني قلماً ليكتب قصيدة في طيبه , يخضر الزمان الآن , يرتفع الآذان , يتهادى الايقاع , النعناع يغازل البخور , وطلال سلامة كان في جلسة حبيه , عن نقاش قديم حول تعريف الأغنية الجميله .