غريبٌ أمرُ هذه المرآة، التي ينظر فيها الشخص فيبدأ بكيل الشتائم على نفسه والجلد والغضب، أو يحاور بعض الناس أنفسهم بشكل سلبي غير راضيين عن أنفسهم.. أو حتّى يمكن للبعض أن يستيقظ من سكرته حين ينظر لنفسه في المرآة فيعود لأصله الذي كان عليه! ويتطوّر هذا الأمر يصل بعض الناس إلى درجة يتحاشون فيها النظر إلى أنفسهم بالمرآة لفترات طويلة! أو حتى يتحاشى الكثيرون رؤية أنفسهم في فيديو معيّن صوره لهم أحد أصدقاءهم، أو حتى سماع نفسه في تسجيل معيّن، لماذا يا تُرى؟
في بعض الدراسات التي يراقب بها الباحثون الناس في أوقات متغيّرة من اليوم استنتج الباحثون أنه كلّما سجّل الشخص أنه يفكّر بنفسه بشكل أكبر كلّما كان مزاجه أسوء! وهذا عكس ما كنت تفكّر به أثناء قراءتك للجملة تلك! فكيف لمن يفكّر بنفسه بشكل أكبر يكون مزاجه أسوء؟ هذا ينطبق على كثير من الناس، الذي لا يولون أي اهتمام لأنفسهم… فحين نضع أمامك فيديو تكون أنت حاضرًا فيه، تصبح أنت مركز اهتمامك، أي أنك الآن تراقب نفسك من عامل خارجيّ، بالنسبة لنظرية الوعي الذاتي “Self-awarness Theory” فإنك في هذه الحال تقارن فعلك الحاليّ الذي تراه أمامك بداخلك الذي تريد أن تكونه، بمادئك وقيمك. هُنا نرى أنفسنا كما يراها الآخرون وتحكم عليها من منظور خارجيّ.
فحين تنظر لنفسك في المرآة فإن ذلك أيضا سيجعلك واعيًا بسلوكك الظاهر وداخلك المختلف تمامًا الذي أهملته ولم تلقي له بالًا أو تحاوره وتسمع منه ما يريد وكيف يريد، فستهرب من هذه المواجهة التي تحصل مع نفسك فتطفئ الفيديو مسرعًا، أو تبتعد عن المرآة وتكره النظر فيها. بل ويذهب الكثير من الناس أبعد من ذلك، كأن يدخلوا في عوالم من العنف، حتّى يطفئوا فيها التركيز الذي حصل على دواخلهم المتناقضة مع ظواهرهم. وحتى لا يفكّروا للحظة بأنفسهم ويتحاوروا معها، تذكرت في هذا المقام ما نقوله بشكل دائم عن شخص سيء مثلًا “لكنّه في الداخل طيّب وحنون” هذا تحديدًا ما يحصل مع كثير منّا حين نهمل أنفسنا.
أن يكون عندنا وعيٌ ذاتي يساعدنا كثيرًا في الابتعاد عن المشاكل تلك، فمن خلال التركيز الإيجابي على أنفسنا نبقى مدركين تمامًا للخطأ والصواب، ونبقى نعدّل من سَيْرِنا لتتوافق دواخلنا مع سلوكنا الخارجي، وقد وَجَد الباحثون أنه كلما كان الشخص واعيًا لذاته كلما كان منسجمًا مع مبادئه وقيمه الداخليه وكلما ابتعد عن ما يضرّه ولًا يؤذيه ويجرّه إلى عوالم العنف والإكتئاب. فالإنسان الذي يتوافق خارجه مع داخله، ولا يناقض ذاته سيكون أسعد وأكثر وعيًا ونضجًا ومعرفة بنفسه من الآخرين. فلا يتغاضى عن ندائه الداخليّ الذي يمنعه من ارتكاب ما يضرّه أو يؤدي به إلى تراكمات سلبيّة كبيرة تظهر بأشكال عنيفة فيما بعد ومؤذية ولذلك يُعدّ الوعي الذاتي طريقنا نحو السعادة
وهذه دعوة جميلة لنا جميعًا.. بأن نعطي أنفسنا حقّها
“…ولنفسك عليك حقّا… فأعط كل ذي حقٍ حقّه”
من محاضرات علم النفس الاجتماعي