تقييم عمل الحكومة التونسية، العلاقة مع حزبه السابق حركة النهضة، طموحه السياسي وقراءته لحركة الثورات العربية، كانت العنوانين الأبرز للحوار الذي أجراه نون بوست مع رئيس الحكومة التونسية الأسبق حمادي الجبالي.
فيما يلي نص الحوار كاملًا:
– كيف تقيمون الوضع العام بالبلاد؟
لو أخذنا بعين الاعتبار المسارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية يمكن القول إن تونس تمر بفترة حرجة وهي فترة أخطر من أي وقت مضى وهذا راجع لاختلال التوازن السياسي في البلاد بين سلطة مهيمنة ومعارضة ضعيفة.
– هل تعتقدون أن إعلان حالة الطوارئ كان ضرورة أمنية أم غطاء لكبح الاحتجاجات في الشارع؟
أنا أتساءل حقيقة لماذا فرضت حالة الطوارئ ولماذا رفعت، القول بأن فرض حالة الطوارئ سيجعل أداء الأجهزة الأمنية أكثر فعالية، هذا كلام يقال لمن ليس له دراية بأجهزة الدولة وبحقيقة إمكانياتها، حقيقة أرى أنه قرار ارتجالي وهي السمة البارزة التي تميز جل قرارات الحكومة الحالية بالإضافة إلى غياب مركز القرار وضبابية برنامج الحكم.
– عريضة لمساءلة وزير التعليم العالي من نواب حزب نداء تونس واستقالة الوزير المكلف بالعلاقة مع مجلس النواب وعضو المكتب السياسي للحزب الحاكم “نداء تونس” لزهر العكرمي من الحكومة كيف يمكن أن نفهم إشارات مماثلة؟
ما يلفت انتباهي أكثر من أي أمر آخر هو استقالة السيد الأزهر العكرمي واعتقد أن استقالته هي نوع من الاستباق لما سيحدث داخل حزب نداء تونس قبل المؤتمر القادم من حسابات وأيضًا استباق لاحتمال تغير حكومي قريب.
– لكن السيد الأزهر العكرمي يتحدث عن عجز الحكومة عن مقاومة الفساد كسبب مباشر لاستقالته؟
لا أصدقه في ذلك لأنه يعرف أنه لم يدخل الحكومة لمقاومة الفساد وليس أهلاً لمقاومة الفساد بل هو استباق أحداث ستأتي ولم يريد أن يخرج من الباب الصغير.
– كيف تفهمون الاستهداف الذي تتعرض له هيئة الحقيقة والكرامة من داخلها ومن خارجها.
أعتقد أن ضعف الثقافة الديمقراطية بما هي احترام للدستور واحترام للهيئات المضمنة به هي التي تفسر ما تتعرض له هيئة الحقيقة والكرامة من استهداف، كما أن هناك ضيق بدور هذه الهيئة لما لها من دور يتمحور حول فتح الملفات والإصلاح والمحاسبة وهو مهم ولا يراد له أن يقع.
– كيف تقييمون مبادرة الرئيس الباجي قايد السبسي حول قانون المصالحة الاقتصادية؟
لهذا القانون هدف مزدوج فهو من ناحية تحقيق لوعد انتخابي لفئة دعمت رئيس الجمهورية والحزب الحاكم قبل وأثناء الانتخابات وهو من ناحية أخرى ضرب لهيئة الحقيقة والكرامة ولمسار العدالة الانتقالية، يمكن أن يكون لهذا القانون إيجابيات لكن روح القانون تتلخص في هاتين النقطتين للأسف، تونس لا يمكن لها أن تعيش بدون مصالحة وهذه المصالحة يجب أن تكون حقيقية حتى لا نعود لمربع الاستبداد.
– ما رأيكم في التصريحات الأخيرة للصحفي معز بن غربية التي أقر فيها بامتلاكه حقائق ومعطيات خطيرة في علاقة بملف الاغتيالات السياسية في البلاد؟
ما قاله الصحفي معز بن غربية ينسف كل الحجج التي ارتكزت عليها المعارضة في مساعيها لإسقاط النهضة من الحكم و نا أوجه له رسالتين:
الأولى أنني لا أتمنى أن يلحقه أي أذى أو اعتداء، والثانية إن كان يملك بالفعل معطيات حول عمليات الاغتيال فبأي حق يحتفظ بها لنفسه دون إعلام السلطات المعنية بها، أنا أعتقد أنه لو قدر لكل المعطيات الحقيقية أن تظهر فستكون زلزالاً في منظومة قامت على تجريم النهضة.
– كيف تقرأون مستقبل المشهد السياسي في تونس في ظل هذه المتغيرات.
التجربة التونسية في مفترق طرق الآن ولا بد من تنميتها بالتوافق الصحيح والمشاركة الحقيقية واحترام الدستور وأساسًا من قبل رئيس الجمهورية وإنهاء حكم اللوبيات والمافيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وإنهاء عملية تفكيك الدولة التي تقوم بها هذه المافيات.
– كل شخصية وطنية لها طموح سياسي تتموقع داخل إطار سياسي ما أو تأسس إطارًا سياسيًا يكون بمثابة القاعدة لتحقيق هذا الطموح، فهل ينوي السيد حمادي الجبالي تأسيس حزب أو حركة أو يفكر في العودة إلى حركة النهضة في مؤتمرها القادم؟
أنا تموقعي في الخيار المدني الذي يعتمد الحوار والوفاق والمشاركة السياسية الحقيقية من أجل المشروع الوطني المرتكز على ثالوث الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية والسلم المجتمعي بما هو حفاظ على هوية البلاد.
بالنسبة لحركة النهضة لا أنوي العودة إلى صفوفها ولا أرى لي أي دور داخلها وأنا أليت على نفسي وعاهدت الله ألا أكون سببًا في تصدع النهضة أو انقسامها.
– كيف ترون التموقع السياسي الحالي لحركة النهضة؟
النهضة ليست طرفًا في الحكم لكنها محسوبة على الحكم وهناك أخطاء فادحة ترتكبها الحكومة في مسألة الحريات وفي الملفات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية مُحَمَلةُ على النهضة كما أن سياسة تجفيف المنابع تطبق من جديد لكن بشكل هادئ وناعم، يمكننا متابعة كيف تُأتى مسألة الحريات والهوية من أطرفها ويمكننا كذلك تبين عمليات التصفية الواقعة في الوزارات والإدارات ضد مديرين وإطارات تم تعيينهم في فترة حكم الترويكا، والجدير بالذكر هنا أنه قبل مجئ الحبيب الصيد على رأس الحكومة قام نداء تونس بتكوين لجنة تسمى ” لجنة التدقيق ” داخل الحزب هدفها حصر ومراجعة كل التعينات التي تمت في فترة الترويكا لإبعاد عدد من الإطارات والموظفين في مرحلة متقدمة ورئيس الحكومة الحالي لا يملك أن يفعل في هذا الاتجاه أي شيء.
– هل فرغ السيد حمادي الجبالي من تقييم فترة ترأسه للحكومة التونسية؟
نعم قمت بذلك، وسأضمن هذا التقييم في كتاب يصدر قريبًا – إن شاء الله -.
– هل ينوي السيد حمادي الجبالي أو يفكر في الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة؟
ذلك ليس مستبعدًا، فكل شخصية وطنية تستأنس في نفسها دورًا أو واجبًا وطنيًا تؤديه عليها أن تقوم بهذا الواجب.
– هل تستعدون لذلك عبر أي نوع من التدريب أو التكوين؟
نعم، وسأحرص أن يتم ذلك بطريقة ممنهجة.
– الشيخ راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة يتحدث عن أصل فكري ونضالي جامع بين الحركة الإسلامية والحركة الدستورية، فهل هناك بالفعل جذور فكرية واحدة لكلا الطرفين أم أن الشيخ راشد يحاول استمالة أو مغازلة طرف داخل نداء تونس على حساب طرف آخر؟
أنا لا أنبش الماضي كي أحصل على مشروعية أنا مشروعيتي استمدها من مشروعي الوطني القائم على ثالوث الديمقراطية السياسية والديمقراطية الاجتماعية والسلم المجتمعي بما هو حفاظ على هوية البلاد كما حددها المجتمع التونسي عبر تاريخه وحاضره وعبر الدستور.
– هل ينوي السيد حمادي الجبالي خوض تجربة العمل المشترك مع رموز وطنية أخرى كمصطفى بن جعفر (رئيس المجلس الوطني التأسيسي) أو المنصف المرزوقي (الرئيس التونسي السابق)؟
ليس لدي إشكال مع أي من هؤلاء وأقدر نضالهم وشراكتهم ما قبل الثورة وبعدها وخاصة على ما تعرضا له من تجريح واستهداف لقاء شراكتهم السياسية مع النهضة، النسبة للعمل المشترك نعم على قاعدة المشروع الوطني التواضع والابتعاد عن الزعامتية .
– كيف تقرأون التقارب المصري التونسي؟
هو تقارب ضد كل مبادئ الثورة وهو لا يمكن أن يصنف إلا في خانة النفاق السياسي، أنا لا أفهم كيف نتقارب مع نظام يقتل ويعذب وينتهك حقوق الإنسان وفي المقابل نطالب بإعلاء هذه القيم والانتصار لها.
– كيف تقرأون التدخل الروسي في سوريا؟
من الواضح أن روسيا دخلت لحماية مصالحها في سوريا وهنا بودي أن أسأل من يناصرون هذا التدخل ماذا يعني لهم اتفاق بوتين – نتنياهو؟ أليس هذا سقوط للمثقفين العرب والتونسيين الذين يساندون هذا التدخل، هؤلاء سوف يحكم عليهم التاريخ ولا يغرنك حال الثورة الآن فالثورات منتصرة لا محالة وحركة التاريخ لن تعود إلى الوراء.
– هل تعتبرون أن حكومتكم كانت ضحية الزيارة التي أداها بعض الوزارء إلى غزة خلال عدوان 2012؟
هذا أكيد ومنذ اليوم الأول لتوسع الثورة في تونس كان هناك قرارًا إقليميًا في الشرق بما فيها إسرائيل بإيقاف مد الثورات العربية قبل أن تلتحق بهذا الموقف المنظومة الدولية.
إسرائيل تخشى أن تكون في مواجهة أنظمة وزعامات ديمقراطية قوية بشعوبها وهي لا تتعامل إلا مع انقلابيين أو استبداديين كما أن بعض الأنظمة العربية تخشى على نفسها من قيمة الحرية.
الواضح الآن أن المجتمع الدولي خلص إلى قناعة مفادها أن دعم الأنظمة الاستبدادية لا يمكن أن يؤدي إلى الاستقرار ومرة أخرى يكتشف المجتمع الدولي أن الديكتاتورية و ما يعبر عنه بـ “داعش” هي في الحقيقة نفس الشيء بل إن إرهاب الدول أخطر.
– تذهب بعض القراءات إلى اعتبار نتائج حركة الربيع العربي كارثية على المنطقة ما رأيكم في هذه القراءات؟
هي قراءات تذهب في أغلبها إلى محاولة إقناع الشعوب العربية أن الديكتاتورية أفضل وأكثر ضمانًا للاستقرار بينما تتجاهل هذه القراءات أن حركة التاريخ لا تعود إلى الوراء وأن الشباب العربي لن يقبل مطلقًا بالاستبداد بل سيمضي قدمًا في ثورته السياسية والاجتماعية.