“حسب ما أرى فإن الانتفاضة الثالثة قد انطلقت، ما يجري للأقصى هو ما يجري لمقدساتنا ومسرى نبينا، وما يجري لنساء الأقصى هو ما يجري لأمهاتنا وأخواتنا، فلا أظن أنّا شعب يرضى بالذل، الشعب سينتفض، بل ينتفض”.
المنشور كان الأخير الذي كتبه الفتى الفلسطيني مهند حلبي البالغ عمره 19 عامًا على صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك قبل يوم واحد من تنفيذه عملية طعن لأربعة مستوطنين في البلدة القديمة بالقدس، مساء السبت الماضي، والتي خلفت اثنين منهم قتلى بينهم حاخام في الجيش الإسرائيلي فيما أصيب آخريّن، ليستشهد الفتى بعد قيام القوات الخاصة التابعة لحرس الحدود الإسرائيلي بإطلاق الرصاص عليه. الشاب مهند توقع قبل يوم من استشهاده انطلاق انتفاضة ثالثة في القدس لتكون ردًا على الانتهاكات الإسرائيلية المتزايدة.
توقع الشاب مهند ربما كان في محله فما يحدث الآن في القدس والضفة الغربية المحتلتين لا يمكن توصيفه على أنه مجرد هبة شعبية تثور وتهدأ بعد فترة من الزمن، خاصةً أنه وبعد يوم واحد من عملية الشاب مهند التي تبنتها حركة الجهاد الإسلامي وباركتها حركة حماس، اللتان دعيتا إلى حمل السلاح دفاعًا عن المسجد الأقصى من الاقتحامات المتكررة ضده، حيث بدأت موجة لعمليات يستهدف فيها مستوطنين في القدس والضفة الغربية، فصباح اليوم التالي على استشهاد مهند الحلبي، أصيب جندي إسرائيلي جراء إطلاق عبوة ناسفة يدوية الصنع على موقع عسكري قرب بيت لحم في الضفة الغربية.
#مهند_الحلبي مفجر #الانتفاضة_الثالثة✌
— غَدِير عَوَضَ الله? (@Ghadeer_ziad) October 9, 2015
وكذلك أمس وقعت عدة عمليات مماثلة، واحدة لجندية طعنت بمفك في وسط تل أبيب فيما قتل منفذ عملية الطعن برصاص جندي بعد مطاردته، وعملية أخرى لمستوطن في مستوطنة كريات أربع في الخليل والذي أصيب بجراح خطيرة، وثالثة أقدم عليها شاب فلسطيني في التاسعة عشر من عمر يدعى صبحي أبوخليفة طعن فيها مستوطن بالقرب من مقر القيادة القُطرية للشرطة الإسرائيلية في مدينة القدس واعتقل الشاب على إثرها، كما وقعت عمليتي طعن في العفولة مساء أمس، اعتقل منفذ إحداها بعد إصابته جندي، ولم تتوقف العمليات حتى هذه اللحظة.
بزيادة عمليات الطعن زادت عمليات الاعتقال والقتل المباشر من الجانب الإسرائيلي، إذ قامت الشرطة الإسرائيلية، أول أمس الأربعاء، بإطلاق النيران على فلسطيني في الثلاثينات من عمره قرب مستوطنة معاليه أوديم بزعم أنه حاول دهس حاجز عكسري بالمنطقة، حتى أصبحت سياسة إطلاق الرصاص للاشتباه أمر عادي، ومع ازدياد ذلك النوع من العمليات ضد المستوطنين أقدمت العناصر الأمنية الإسرائيلية على اعتقال كل من يشتبه في تنفيذه عمليات طعن ضد مستوطنين، هذا فضلًا عن إطلاق الرصاص على عدد آخر من المواطنين الفلسطينين والذي يتسبب في إصابات خطرة وقتل البعض، وذلك خلال تنفيذهم عمليات طعن أو لمجرد الاشتباه بهم.
10 عمليات طعن في أقل من 24 ساعة#الانتفاضه_انطلقت #الانتفاضه_الفلسطينيه_الثالثه pic.twitter.com/boi1JoSSVV
— Sarah (@Palestine_Sarah) October 9, 2015
وبالتزامن مع ازدياد عمليات الطعن، اندلعت أيضًا تظاهرات بمختلف أرجاء الضفة الغربية والقدس، والتي كانت تواجه بالعنف إما من أجهزة الأمن الفلسطينية أو الاحتلال، ورغم ذلك فإن دعوات التظاهر والحشد مستمرة. المواجهات أمس أسفرت عن إصابة نحو 264 شخصًا بينهم 23 إصابة بالرصاص الحي، و79 بالرصاص المطاط، و158 إصابة جراء الغاز، موزعة على مدن الضفة الغربية والقدس، وذلك وفقًا للهلال الأحمر الفلسطيني، كما أعلن عن استشهاد شاب آخر في المواجهات المستمرة بمخيم شعفاط بالقدس.
وعلى الصعيد الآخر فقد تمت عملية طعن أخرى صباح اليوم لكن أقدم عليها مستوطنين يهود كما تخللها عمليات اعتداءات جسدية وإلقاء للحجارة على أربعة مواطنين عرب داخل الخط الأخضر، كما تمت عدة عمليات أخرى صباح اليوم أطلق الرصاص على بعض منفذيها، ومن المتوقع أن يشهد اليوم زخمًا كبيرًا.
أما على الجانب الإسرائيلي، فقد بدأ في زيادة الخيارات الاحترازية من تعزيز انتشار قوات الأمن وإقامة الكمائن، وإصدار قرارات تسرع في هدم منازل منفذي العمليات وإقامة مستوطنات بدلًا منها، فيما خرج نتنياهو في تصريحات رسمية مؤكدًا على عمله على زيادة وتيرة الاعتقالات والعمليات الأمنية، وأكد أنهم سيأخذون خطوات رادعة منها إعدام منفذي العمليات ميدانيًا وهدم منازلهم، كما تحدث عن تقديمه طلبًا للمستشار القضائي في الحكومة لإغلاق المحال التجارية في القدس، حيث تمت العمليات ضد المستوطنين فيما لم يتحركوا لمنعها.
وكان نتنياهو قد أصدر قرارًا يمنع وزراء حكومته و أعضاء الكنيست الإسرائيلي اليهود والعرب من دخول الحرم القدسي وباحات المسجد الأقصى لمنع التصعيد والتوتر ولتهدئة الأوضاع الحالية، وهو القرار الذي رفضه عدد من الوزراء واحتجوا عليه، حتى أنه اتهم السلطة الفلسطينية وقبلها حركة حماس والجهاد الإسلامي ببث الأكاذيب والتحريض على العنف لإشعال الموقف، وذلك فيما يخص الحديث عن بدء التقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى، وبعد هذه الانتفاضة الشعبية الفلسطينية أجبر نتنياهو مؤخرًا على تعطيل بناء مبنى حكومي بجانب حائط البراق خشية اشتعال الموقف.
فيما تحدث وزير الأمن عن منحه صلاحيات كاملة لقادة الجيش والشرطة كونهم في حالة حرب ضد الإرهاب، وحرض هو الآخر ضد السلطة الفلسطينية والحركات الإسلامية مؤكدًا عدم نية إسرائيل في تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى، كما هددت بعض القيادات الإسرائيلية بتشديد الإجراءات ضد الفلسطينيين وفرض حظر تجول في الأحياء العربية في القدس، وحذروا كذلك من شن حملة السور الواقي للمرة الثانية، لتكون كمثيلتها التي شنت خلال الانتفاضة الثانية في العام 2002 والتي أدت حينها إلى تدمير البنى التحتية في الفضة واستشهد الآلاف من أبناء فلسطين، رغم أن التقديرات الأمنية الإسرائيلية تستبعد انطلاق انتفاضة ثالثة على اعتبار أن التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية مازال قائمًا، وأنه لم تشتعل التظاهرات الشعبية الفلسطينة التي تدعو لمواجهات علنية ضدهم، بحسب ما أوردته القناة العاشرة الإسرائيلية.
اتهم بعض المعارضون لسياسة نتنياهو إياه بالفشل، حيث خرجت تظاهرات من عناصر اليمين أمام منزل رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو تدعوه لإعادة الأمن إلى الضفة الغربية والقدس وباقي أنحاء “إسرائيل”، شارك في تلك التظاهرات وزراء بالحكومة الإسرائيلية الذين دعوا إلى تشديد الإجراءات والعقوبات التي تتخذ ضد قاذفي الحجارة والزجاجات الحارقة، واتهم آخرون من أعضاء الكنيست والمعارضة نتنياهو بفقد السيطرة والفشل في حماية أمن الإسرائيلين، فيما صدر قرار رسمي بتخصيص عطلة في المدارس الإسرائيلية في القدس بقرار من بلدة الاحتلال احتجاجًا على سياسة نتنياهو لمطالبته بتوفير الأمن.
بينما طالب مسؤولون إسرائيليون المستوطنين بحمل السلاح لدى خروجهم من منازلهم، وكانت المطالبات توحي بأن بإمكانهم إطلاق الرصاص على الفلسطينيين دون مسائلة، ومن بينهم رئيس بلدية القدس وعدد من القيادات الشرطية الإسرائيلية، حيث أصيب المستوطنون بحالة من الهلع، فمن جانبها ذكرت صحيفة إسرائيل اليوم أن الإسرائيليون أنفقوا نحو 300 ألف شيكل على شراء وسائل الدفاع عن النفس من بخاخات رش الغاز والعصي الكهربائية وذلك خلال الأسبوع المنصرم فقط، فيما نقلت صحيفة معاريف عن شرطة الاحتلال أنها وردتها نحو 25 ألف مكالمة في 24 ساعة فقط حول شبهات وجود مقاومين فلسطينيين، حتى إن بعض التعليقات من المستوطنين على هذه الانتفاضة في مدخالاتهم التلفزيونية وصلت إلى قول مستوطن إسرائيلي: “نحن لا نعرف من أين يخرجون لنا بالسكاكين، يجب على الحكومة أن تنتبه أننا لسنا أبقارًا في مزارع يدخلها الفلسطينيون للذبح”.
حالة الهلع الإسرائيلية وصلت حد مراقبة مواقع التواصل الاجتماعي خشية أن تكون من مسببات اشتعال الموقف، إذ قال وزير الأمن الصهيوني”أردان”: نراقب وسائل التواصل الاجتماعية من أجل معرفة من يحرض علينا، وقال نتنياهو في نفس الصدد: “معركتنا الأساسية يجب أن تتركز ضد مواقع #التواصل_الاجتماعي الفلسطينية”، وذلك الاهتمام جاء بعد ملاحظة مشاركة منفذي العمليات لمنشورات عبر فيسبوك تدل على نيّتهم تنفيذ عمليات ضد إسرائيليين.
ومع هذه التصريحات الإسرائيلية المحرضة، حمل بعض رؤوساء الأحزاب الإسرائيلية المعارضة الرئيس الفلسطيني محمود عباس وحكومته الفشل في تحقيق أمن إسرائيل وأنها في المقابل منشغلة بصراعات داخلية، فيما عقدت لقاءات بين ضباط إسرائيليين وضباط أجهزة الأمن الفلسطينية لتهدئة الأوضاع، وأشاد عدد من القادة الأمنيين الإسرائيليين بمحاولات السلطة الفلسطينية تهدئة النفوس في الضفة الغربية، يذكر أن أجهزة الأمن التابعة للسلطة تشارك في قمع التظاهرات الفلسطينية التي تخرج منددة بالانتهاكات الإسرائيلية.
كما أن أجهزة السلطة الفسلطينية تسهل على أجهزة الأمن الإسرائيلية اعتقال المشاركين في التظاهرات والنشطاء الشباب من بينهم فتيات، فأمس فقط اعتقل قرابة 30 شابًا وفتاة من مظاهرتي الناصرة ووطمرة، بعد إطلاق الغاز المسيل للدموع والقنابل الصوتية لفض تلك التظاهرات، هذا بالإضافة إلى حملات أمنية لمداهمة منازل المواطنين الفلسطينيين واعتقال قوات الاحتلال لعدد آخر منهم.
تشهد مدينة القدس المحتلة والضفة الغربية تصعيد أمني عنيف ينبئ بأن الأمور لن تهدأ حتى هذا الحد، حيث شهدت الآونة الأخيرة سلسلة اقتحامات إسرائيلية عنيفة للمسجد الأقصى، والتي سبقها حرق مستوطنيين لمنزل عائلة الرضيع علي دوابشة الذي تسبب في موت الرضيع ووالديه من بعده متأثرين بجراحهما، والتي قوبلت من الجانب الفلسطيني بتنفيذ عمليات طعن وإطلاق نار، والتي قتل خلالها عدد من المستوطنين، وهو الأمر الذي ترك التوقعات مفتوحة لانطلاق انتفاضة جديدة ضد جرائم الاحتلال الإسرائيلي.