وفقًا لوثائق حكومية داخلية مسربة، حظرت الحكومة السعودية المشتريات الرسمية للسيارات والأثاث المكتبي كما وخفضت ميزانيات السفر والإنفاق على البنية التحتية، وذلك في الوقت الذي تواجه فيه المملكة أزمتها المالية الأخطر منذ سنوات بسبب انخفاض أسعار النفط.
المذكرات السياسة السرية الصادرة عن الملك سلمان والموجهة لوزير المالية، توضح تدابير التقشف الاقتصادي الجديدة التي سيتم تنفيذها في جميع الوزارات الحكومية، حيث اسُتنزفت المالية العامة السعودية هذا العام بشدة جراء تراجع أسعار النفط، لدرجة أصبح معها من المتوقع أن تعاني المملكة من عجز لا يقل عن 20% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2015.
الرسالة السرية التي تم تسريبها والمصنفة تحت بند “سري للغاية وعاجل جداً”، والمؤرخة بتاريخ 14-12-1436 للهجرة، الموافق لـ28 سبتمبر 2015 للميلاد، تعطي تعليمات صارمة لوقف جميع المشاريع الجديدة، التوقف عن شراء المركبات الجديدة أو الأثاث الجديد أو غيرها من المعدات، تجميد جميع التعيينات والترقيات، التوقف عن دفع تعويضات الممتلكات، وتجميد أية اتفاقيات استئجارية جديدة.
بالإضافة إلى ما تقدم، تم حظر إنفاق ما يزيد عن 25% من قيمة المجاميع المتفق عليها ضمن الميزانيات والمشاريع القائمة وذلك خلال الربع الرابع من السنة المالية، كما وتم حظر تجاوز نفقات السفر ونفقات الأعمال التجارية الأخرى ذات الصلة لنسبة 15% من الميزانية الأصلية.
توضح الرسالة ضرورة زيادة السرعة التي يتم من خلالها رفد خزائن وزارة المالية بعائدات النفط، وتشدد على ضرورة تنفيذ أوامر الملك الصادرة ضمن الرسالة على الفور، شريطة عدم تأثر أي حقوق تعاقدية جارية، علماً أن الغارديان لم تكن قادرة على المصادقة على صحة هذه الوثائق، ولكن الخبراء يقولون بأن الوثائق تبدو حقيقية.
أزمة النفط، التي تجلت بانخفاض أسعار البرميل إلى النصف ليلامس عتبة الـ50 دولار للبرميل الواحد، تزامنت مع الحرب المكلفة التي شنتها السعودية في دولة اليمن المجاورة، وبعض الهبات السخية المفاجئة التي أصدرها سلمان عندما خلف الملك الراحل عبد الله على كرسي العرش في بداية العام الحالي.
“العجز المالي السعودي تضخم نتيحة لقرار الملك سلمان بمنح راتب شهر إضافي لجميع موظفي الدولة بعد تسلمه العرش”، قال ديفيد باتر، الخبير في الشأن المالي السعودي في مركز أبحاث تشاتام هاوس، وأضاف “حرب اليمن عملت أيضاً على إثقال كاهل الميزانية بتكاليف باهظة، ولكن رغم ذلك، ليس من الواضح بعد ما إذا كانت مصاريف الحرب ستظهر ضمن الحسابات المالية السعودية”.
شددت وثيقة أخرى تم تسريبها من وزارة المالية وحملت عنوان “تعليمات بشأن إقفال الحسابات وإعداد الحساب الختامي للسنة المالية 1436-1437″، على ضرورة قيام جميع الوزارات بإقفال المدفوعات النهائية لهذا العام قبل انتهاء يوم العمل في 15 نوفمبر القادم، وكون السنة المالية السعودية تنتهي في يوم 30 ديسمبر 2015، فإن إقفال الحسابات الختامية في 15 نوفمبر القادم قد يعني بأن العديد من موظفي الخدمة المدنية السعوديين لن يقبضوا معاشاتهم عن الستة أسابيع الأخيرة من العام الجاري.
ويوضح تقرير رسمي للحكومة السعودية في العام الماضي بأن أكثر من 1.3 مليون شخص، أي ما يشكل 12% من إجمالي العاملين في السعودية، يعملون ضمن القطاع العام في المملكة السعودية، وتشكل النساء نسبة 38.7% منهم.
صافي الاحتياطات الأجنبية السعودية
يصف ستيفن هيرتوغ، الأستاذ المشارك في قسم بورصة لندن التابع للحكومة، الوثائق التي تم الكشف عنها بأنها “دعوة للصحوة”، ويشير بأنها “التنبيه الأول لجميع الجهات الحكومية ذات الميزانيات العالية لكبح جماح إنفاقها”، ويتابع واصفاً الوثائق بقوله “إنها استجابة قاسية نموذجية، فأولاً يبدأ الأمر بحملة لكبح جماح أو تجميد جميع أنواع الإنفاق في جميع الجهات، ومن ثم يتم التفكير لاحقاً باتخاذ تدابير أكثر تحديداً”.
“السعودية لم تستنفد أموالها في الوقت الحالي، ولكن مستوى إنفاقها يتجاوز بدرجات الإيرادات التي تدخل إلى خزينة الدولة”، يقول هيرتوغ، ويتابع “المملكة بحاجة لممارسة إصلاحات مالية أكثر إيلاماً، تتطلب المزيد من التخطيط، والمزيد من التعديلات السياسية الحساسة، كتخفيض سعر دعم الكهرباء والبنزين، إصلاح القطاع العام، إصلاح نظام الأجور والمكافآت، ولكن نظراً لصعوبة وحساسية هذه الإصلاحات فإنها ربما ستصدر وتنفذ على نحو أبطأ”.
يشير هيرتوغ إلى أن السعودية تعرضت لصدفة مؤسفة تتمثل بتلازم خلافة الملك سلمان على عرش المملكة مع الانخفاض الشديد المفاجئ في عائدات النفط، مضيفاً إن تكلفة العلاوات في القطاع العام، وتكلفة الحرب على اليمن، بالإضافة إلى تكلفة مساعدة دول المنطقة كمصر، رفع سعر تعادل النفط ضمن الميزانية السعودية إلى 110 دولار للبرميل.
دردشة لرجلين سعوديين خارج منازلهما في منطقة الشميسي الفقيرة في الرياض
في غضون ساعات من كشف الوثائق السرية، سرت نقاشات واسعة النطاق بين السعوديين المذعورين من تدابير التقشف الجديدة، فاتحة الباب أمام التساؤلات عن الآثار التي ستنجم عن هذه التدابير المستحدثة.
“السعودية تراخت للغاية في انضباطها المالي” قال هيرتوغ، وأضاف موضحاً “خلال سنوات الازدهار النفطي كانت السعودية تتصرف وكأن المال لن ينتهي، لقد أسرفت بشكل كبير في إنفاقها على جميع الميزانيات الوطنية ابتداءاً من بداية هذا القرن، وبالمتوسط كان الانفاق السعودي يتجاوز الميزانية المقررة بحوالي 15%، والرسالة التي كُشفت الآن تنذر السعوديين بأن زمن الإسراف قد انتهى”.
وفي ذات السياق يقول باتر “السعودية لا تمتلك أي مصدر دخل رئيسي سوى النفط، فمستوى الضرائب منخفض للغاية، ولا يوجد في الدولة ضريبة على القيمة المضافة، كما أن مستويات الدعم الحكومي تنتشر في جميع أنحاء النظام، ومصاريف القطاع العام مرهقة للغاية، والأجور خارج نطاق السيطرة، وهذه المشاكل معروفة منذ فترة طويلة”.
المصدر: الغارديان