أشهر طويلة من الشدّ والجذب بين الفرقاء الليبيين، تخلّلتها عديد الخيبات والمواعيد النّهائية التي تم تجاوزها أكثر من مرّة. بين جنيف والصخيرات المغربية والجزائر، مرّ الحوار الليبي الذي تقوده الأمم المتحدة عبر مبعوثها ليوني بعديد الصّعوبات التي يبدو أنها باتت من الماضي مع النّجاح في إقناع طرفي النّزاع بالإمضاء على المُسودّة الأخيرة التي استمات المبعوث الأممي من أجل فرضها كخيار أخير غير قابل للتغيير أو التّحوير.
اتفاق ينظر له الجميع اليوم على أنه سيكون حجر تحقيق السّلام الدّاخلي في ليبيا، تم الإمضاء عليه مساء الخميس لينطلق تجاذب آخر يتعلّق بتنزيله خاصة في علاقة بالأسماء التي ستُمسك بدواليب السّلطة التنفيذية سواء تلك المُرشّحة لرئاسة حكومة الوفاق الوطني أو عضوية المجلس الأعلى للدولة أو مجلس النوّاب.
بنود الاتفاق الذي أمضاه الطرفان
وينُص اتفاق الخميس على أن تُقاد ليبيا خلال الفترة الانتقالية عبر ثلاثة أجهزة رئيسية وهي حكومة الوفاق الوطني، ومجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة.
- حكومة الوفاق الوطني:
فيما يخص حكومة الاتفاق الوطني، تم التنصيص على مهامها وهي أساسًا ممارسة مهام السلطة التنفيذية ويكون مقرها الرئيسي العاصمة طرابلس أو أي مدينة أخرى، ولايته سنة قابلة للتّمديد تلقائيًا لسنة أخرى في حال عدم الانتهاء من إصدار الدّستور، وسيكون من بين مهام مجلس رئاسة الوزراء أيضًا القيادة العليا للجيش الليبي، إضافةً إلى تعيين وإقالة رئيس جهاز المخابرات العامة بعد موافقة مجلس النواب وإعلان حالة الطوارئ والحرب والسلم والتدابير الاستثنائية بعد موافقة مجلس الدّفاع والأمن القومي.
كما تنص المسودة على التزام حكومة الوفاق الوطني بتشكيل لجنة مشتركة من مجلس النواب ومجلس الدولة وحكومة الوفاق الوطني ومجلس الدفاع والأمن القومي للتوافق على مشروع قانون يحدد صلاحيات منصب القائد الأعلى للجيش الليبي.
-
مجلس النواب:
أما فيما يتعلّق بمجلس النّوّاب، فقد نص الاتفاق على أن يتولى السلطة التشريعية خلال المرحلة الانتقالية وسيكون من بين مهامه اعتماد الميزانية العامة والرقابة على السلطة التنفيذية، وإقرار السياسة العامة المقدمة من الحكومة.
وقد نص الانفاق على ألا ينظر مجلس النواب في طلب الاقتراح بسحب الثقة من حكومة الوفاق الوطني إلا بطلب موقع من 50 عضوًا، ويقوم المجلس بالتشاور مع مجلس الأعلى الدولة بهدف الوصول لتوافق قبل المضي في إجراءات سحب الثقة.
- المجلس الأعلى للدولة:
وبخصوص المجلس الأعلى للدّولة، فقد عرّفته الوثيقة على أنه أعلى مجلس استشاري للدولة مقره الرئيس يكون في طرابلس، ويجوز عقد اجتماعه في مدن أخرى، يعمل بشكل مستقل، ويتولى إبداء الرأي في مشاريع القوانين المقدمة من الحكومة خلال 21 يومًا فقط، كما يتولى إبداء الرأي الاستشاري والاقتراحات اللازمة لحكومة الوفاق الوطني في القضايا المتعلقة بالاتفاقيات الدولية.
كما كفل الاتفاق للمجلس تشكيل لجنة مشتركة لاقتراح مشروعي قانوني الاستفتاء والانتخابات العامة الضروريان لاستكمال المرحلة الانتقالية دون الإخلال بالصلاحيات التشريعية الموكولة لمجلس النواب.
رهان الاتفاق حول حكومة الوفاق الوطني
رغم أن الوصول إلى اتفاق إطار بين طرفي النّزاع في ليبيا يعدّ في حد ذاته إنجاز، إلا أن تنزيله على أرض الواقع خاصّة فيما يتعلّق بتحديد أسماء الشّخصيات التي يمكن أن تقود المرحلة الانتقاليّة لن يكون أيسر مما مضى بالنّظر إلى انخفاض منسوب الثّقة بين مختلف الأطراف.
وفيما يبدو أنه محاولة لاختزال الوقت الضائع ووضع الجميع أمام الأمر الواقع، أعلن مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا بيرناردينو ليون عن الأسماء المقترحة لإدارة الفترة الانتقالية في ليبيا، خلال مؤتمر صحافي بمدينة الصخيرات المغربية صبيحة اليوم، حيث قال بأن الأطراف المشاركة في الحوار ومن بينها المؤتمر الوطني العام اتفقوا على ترأس عبد الرحمن السويحلي عضو المؤتمر الوطني للمجلس الأعلى للدولة، وفايز السراج، عضو مجلس نواب طبرق لحكومة الوحدة وطنية إضافة إلى ثلاثة نواب له وهم أحمد معيتيق وفتحي المجبري وموسى الكوني.
وقد حظي هذا الإعلان بترحيب الاتحاد الأوروبي حيث اعتبرته الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغريني، خطوة الهامة نحو استكمال مفاوضات صعبة في الأشهر الأخيرة، ودعت المسؤولة الأوروبية حكومة الوفاق الوطني لعدم إضاعة الوقت بالنظر إلى التحديات التي تواجه ليبيا، قائلةً بأنه ليس هناك مجال لتضييع الوقت في تشكيل حكومة الوفاق الوطني، بحيث يمكن – مع الاعتراف والدعم الكامل من المجتمع الدولي – بدء العمل لصالح كل الشعب الليبي.
من جانبه رحب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بالاقتراح، مشيدًا بالمشاركين في الحوار الوطني وتوصلهم إلى نص انهائي لاتفاق سياسي بعد مشاورات شاملة واسعة النطاق، مؤكدًا في الوقت ذاته التزامه بدعم الشعب الليبي من خلال ممثله الخاص وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا .
وعلى عكس ما أعلنه ليون، بيّنت أولى ردود الفعل من الطّرفين أن ما قيل عن وجود اتفاق حول هذه الأسماء لا يعدو أن يكون ضغطًا لإنهاء المسألة في أقصر وقت ممكن، حيث رفض عبد الرحمن السويحلي ترشيحه لمنصب رئيس المجلس الأعلى للدولة وصرّح لوسائل الإعلام بأنه لم يتم الأخذ برأي الوفد في الأسماء المقترحة التي أعلنها ليون لإدارة المرحلة الانتقالية، وبأن الأخير ليس مخولًا ليقرر من يتولى تلك المناصب.
في السياق ذاته، قال عبد السلام العاشور، عضو برلمان طرابلس، بأن البرلمان لم يقدم أي أسماء، وبالتالي فهو ليس جزءًا من هذه الحكومة المقترحة، ووصفها بأنها “لا تعني شيئًا بالنسبة لنا ولم يتم التشاور معنا بشأنها.”
كما قال إبراهيم زاغيات، عضو برلمان طبرق، إن هذه الحكومة المقترحة سوف تؤدي إلى تقسيم ليبيا وإن اختيار ليون لم يكن حكيمًا ولا ينسجم مع الاتفاق السياسي المطروح على الطاولة، وسيزيد الوضع تعقيدًا باعتباره يفتقد للتوازن كان يجب عليه التشاور مع الطرفين قبل الإعلان عنه.
الاتفاق الليبي: السلام لا يزال بعيدًا
ورغم الاحتفاء الدّولي الذي شهده إعلان ليون، وبالرّجوع إلى مسار المُفاوضات الطّويل وتفاصيله، من الضروري التعامل بتحفّظ مع كل الموجات الإيجابيّة المُتفائلة التي لم يكُف المبعوث الأممي عن إرسالها حتى في لحظات التوقّف التّام للحوار.
فبالإضافة إلى ردود الفعل الأولى الصّادرة من كلا طرفي النّزاع بخصوص الحكومة، يبدو غريبًا وغير منطقي مُحاولة فرض تركيبة حكوميّة يكون على رأسها مُتحزّبون في ظل انعدام الثقة بين طرفي النّزاع وعدم نجاح أشهر الحوار الطّويلة في تشكيل أرضية المُشترك الأدنى الذي يسمح بإطلاق عمليّة بناء مُشترك.
كما أن بنود الاتّفاق بدت فضفاضة لدرجة أنها ستعجز أمام أول تنزيل فعلي لها، فعدم تحديد مصير الجسم المُسلّح الليبي بتعبيراته المُختلفة وأساسًا مصير اللواء خليفة حفتر ومن معه لا يعدو أن يكون سوى تأجيل لإعلان الفشل، وكأن هذا الاتّفاق تم فقط من أجل التسويق لحصول تقدّم في المسألة الليبية، رغم أنه تم تجنّب الخوض في أمهات المشاكل.
لا يزال السلام في ليبيا بعيدًا، بُعد المسافة التي تفصل طرفي النّزاع عن نقطة اللقاء المُشترك وحاجز الثقة المُتبادل، ولئن كان مثل هذا الاتفاق الذي طال أمد انتظاره خطوة في الاتجاه الصّحيح، سيكون من الإيجابي إعطاءه حجمه الحقيقي لأن التقديرات المبنية على تقييمات خاطئة لا يُمكن إلا أن تُؤدّي نحو الفشل.
بناء جسم السّلطة الانتقاليّة مُهمّ جدّا ويُمكن اعتبار الإتفاق حول هيكلتها ومهام كلّ مُكوّن من مُكوّناتها أساس تحقيقه، وسيكون من الأجدى مُحاولة فرض شخصيات الوسط التي نأت بنفسها عن الصّراع الدّائر عوض البحث عن توزيع المناصب بين الأطراف، فالأهم من النّجاح في تشكيل الفرق، هو أن تكون الأخيرة قادرة على العمل مع بعضها وهو ما يبدو مُستحيلًا في ظل التّمشّي الذي انتهجه ليون ليُعلن حكومة وفاقه التي يُمكن التكبير عليها أربعًا منذ الآن.