شكّل التدخل العسكري الروسي في سوريا انعطافة كبيرة في مجرى الأزمة السورية، وقد حمل عدة إشارات هامة كان من أهمها افتقاد نظام الأسد قدرته على الصمود بدون تدخل علني من حلفائه، بحسب مراقبين.
وفي هذه المرحلة يكثر التساؤل عن موقف الأردن الرسمي من التدخل الروسي في سوريا، وهل بقي على سيرته الأولى بتأييد الحل السياسي، والوقوف إلى جانب الشعب السوري في تقرير مصيره؟ أم أن هناك تطورات جديدة طرأت على علاقته بنظام الأسد؟
“أردن الإخبارية” تقدم في ملفها الخاص صورة أكثر وضوحاً لقرائها حول مجرى العلاقة بين النظامين مؤخراً؛ وعن حقيقة علم القيادة الأردنية بالتدخل العسكري الروسي، وهل ثمة تعاون بين الجانبين، وذلك بتتبع أهم ما نشر من تصريحات رسمية ومقالات وتقارير إعلامية في هذا الشأن.
هل كان الأردن على عِلْم؟
شنت طائرات روسية أولى ضرباتها الجوية ضد مواقع المعارضة لنظام الأسد وسط سوريا في 30 أيلول / سبتمبر حسبما أكد المرصد السوري لحقوق الإنسان، وطال القصف مواقع لجبهة النصرة والجيش الحر وفصائل ضد النظام السوري.
في حين أكد التلفزيون السوري الرسمي شن روسيا ضربات جوية استهدفت “أوكار مسلحي داعش” في مناطق عدة في محافظتي حمص وحماة وقد أعلن رئيس الائتلاف السوري المعارض خالد خوجا لوكالة فرانس برس أن 36 مدنيا قتلوا في ضربة جوية روسية في منطقة حمص.
وقد استبق مدير مكتب القدس العربي في عمّان بسام بدارين شن الهجمات بمقال حمل عنوان (الأردن على علم وينتظر: قوات خاصة روسية في الجوار وملامح تسوية كبرى وشيكة) في 12 أيلول / سبتمبر الفائت.
وقال بدارين إن “ظهور مقاتلين روس مع أسلحتهم وبعض آلياتهم في محيط غوطة دمشق حدث بارز بالنسبة للأردن الجار الأقرب تأثرا مع تركيا بمستجدات المشهد السوري، وعملياً ألمح الملك عبد الله الثاني لهذا المستجد المهم بعد عودته مباشرة من زيارته الأخيرة لموسكو وعقد لقاء مغلق مع الرئيس فلاديمير بوتين بوجود الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي”.
وأضاف “أبلغ الملك نخبة من وجهاء عمّان بأن الأسابيع المقبلة قد تشهد نزوعا نحو التسوية السياسية للملف السوري دون إشارة مباشرة لوجهة النظر المركزية العميقة في الأردن والتي ترى بالأصل أن المضي قدماً بالاتفاق النووي الإيراني الأمريكي يعني أو سيعني بالنتيجة والضرورة تدشين الملامح الأولى لصفقة التسوية الكبرى”.
وزاد بدارين “عمان تدرك في المقابل أن وجود قوات نخبة روسية تشارك في العمليات ولو بدرجة قليلة وبطء في إدلب ومحيط حمص هو رسالة عميقة من موسكو لا يمكنها أن تنتج إلا في ظل مقايضات مع واشنطن أو على أقل تقدير إلا في ظل حراك إقليمي عسكري منظم ومستقل سيقود بالنتيجة إلى طاولة التسوية الكبرى التي يبدو الأردن اليوم متوثقا من أنها قد تبدأ بترتيبات المشهد السوري وبمرحلة انتقالية.
روسيا تستثني الأردن من اجتماعها
أعلنت الخارجية الروسية مؤخراً عن اجتماع لـ “مجموعة الاتصال” حول سورية، من المفترض أن يشارك فيه وسيط الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا.
وقال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف إن “واشنطن وموسكو والرياض وطهران وأنقرة والقاهرة سترسل ممثلين عنها، وإن مستوى التمثيل لم يحسم بعد، وأنه قد يكون على عدة مستويات، خبراء ونواب وزراء أو وزراء.
من جانبه، لم يعلن الأردن تحفظاً واضحاً على عدم دعوته لاجتماع مجموعة الاتصال الخاصة بسورية؛ لكن مصادر رسمية اعتبرت أن حضور الأردن في “أي نقاش سياسي أو دبلوماسي” حول الأزمة السورية، “سيفيد كثيرا”.
وقالت هذه المصادر، رداً على سؤال لصحيفة “الغد” إن “من المعروف لدى الجميع أن أي نقاش سياسي أو دبلوماسي حول سورية، سيستفيد كثيرا من وجود وحضور الأردن، ليس فقط بسبب قربه الجغرافي، ولكن أيضا لخبرته الواسعة بالمشهد السوري سياسيا وأمنيا”.
وفيما قالت المصادر إن “علاقة الأردن مع روسيا جيدة، وان الروس يعلمون تماما، وضوح وصدقية الموقف الأردني” اعتبرت أن التقديرات الرسمية الأولية “هي أن الاجتماع سيكون للأطراف المتباعدة جداً سياسياً حول الأزمة السورية، وذلك من أجل تقريب مواقفها من بعضها البعض”.
وقد ذكر موقع “رأي اليوم” أن مصادر دبلوماسية روسية أبلغت الأردن وقطر بأن الأسد أصرَّ على استبعادهما من أية تفاهمات أو ترتيبات أمنية لها علاقة بالتحالف الروسي، وارتأت مصادر رسمية رفيعة المستوى في الحكومة الأردنية، انه من المبكر الحديث أن الجانب الروسي لم يوجه دعوة للأردن لحضور المؤتمر.
ترحيب رسمي برئيسة “الاتحادي الروسي”
التقى الملك عبدالله الثاني في 5 تشرين الأول / أكتوبر الجاري رئيسة المجلس الاتحادي الروسي، فالنتينا ماتفيينو، مؤكداً على اعتزازه بالعلاقات المتينة بين الأردن وروسيا على مختلف الأصعدة.
وتناول اللقاء بحث آليات النهوض بالعلاقات الاقتصادية ورفع مستوى التبادل التجاري، فضلاً عن تعزيز التعاون بين المؤسسات التشريعية بين البلدين وجهود “مكافحة الإرهاب” ودعا الملك عبدالله الثاني لضرورة دعم الجهود الإقليمية والدولية المبذولة “للتصدي لهذا الخطر، والذي يهدد السلم والاستقرار العالميين”.
من جهتها، قالت المسؤولة الروسية إن “ما تقوم به روسيا من جهود لإيجاد حل سياسي في سورية، مؤكدة ضرورة تعاون المجتمع الدولي لمحاربة عصابة داعش، التي تمثل اليوم المشكلة الأولى للمنطقة والعالم، بحسب وكالة بترا.
دلالات تهنئة الزبن لنظيره السوري
حفلت المواقع السورية التابعة والمؤيدة لنظام الأسد بتهنئة رئيس هيئة الأركان المشتركة مشعل الزبن لنظيره السوري بمناسبة حلول عيد الأضحى.
وقد وجهت وكالة “ريا نوفوستي الروسية” سؤالاً مباشراً للسفير السوري السابق في عمّان بهجت سليمان حول صحة نبأ إرسال برقية التهنئة، فأكدها واعتبرها “بادرة بروتوكولية طيبة”.
من جانبه، يرى الكاتب في موقع الإسلام اليوم محمد العلاونة أنه لا يمكن قراءة تهنئة العيد، بمعزل عن موقف عمّان تجاه الملف السوري، كون الزبن أولاً يشغل منصب مستشار العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني للشؤون العسكرية، وثانياً لأن تصريحات المسؤولين العسكريين في الأردن نادرة جداً، باستثناء حالات طارئة ومحطات مهمة.
وتساءل العلاونة في تحليله المنشور في 30 أيلول/ سبتمبر الفائت تحت عنوان (الأردن يحاول أن لا يغضب أحداً حتى الأسد) هل تغير الموقف الرسمي الأردني تجاه الملف السوري بعد التدخل الروسي الأخير؟ أم عمان ما زالت تؤكد على موقفها بضرورة حل سلمي للأزمة؟ وهل هي محتارة بين الأطراف ذات العلاقة وتنتظر المستجدات لإبداء موقف؟
وأضاف “بحسب مسؤول أردني سابق شغل منصب نائب رئيس الوزراء، لم يذكر العلاونة اسمه، تكون التهنئة التي تقدم بها الزبن واحتفت بها وسائل إعلام سورية محسوبة على النظام ومقربة من إيران انعطافه حادة في الموقف الأردني بقدر ما هي مجاراة للوضع وقد تبقى بحدودها البروتوكولية دون أن يتبعها إجراءات عملية تعبر عن موقف أردني جديد.
وتابع “المسؤول يرى تحولات جذرية في الملف السوري، بخاصة بعد التدخل الروسي، فعمّان قلقة على الدوام من انفجار الوضع سواء بتدخل روسي أم إيراني وبالتوازي مع تغييرات مهمة شهدتها السعودية بتولي الملك سلمان بن عبد العزيز زمام الأمور وتدشين تحالف مع تركيا وقطر، وهو التحالف الذي تصر على إسقاط النظام في سوريا، وبمباركة أمريكية غير معلنة، بحسب المسؤول خوفا من أن تتورط واشنطن مباشرة في الملف السوري، لذلك لا “يجد الأردن سوى الانخراط في أي رؤية مستقبلية للمنطقة لأسباب أمنية واقتصادية”.
الأردن مع من؟ وإلى أين؟
الكاتب البريطاني ديفيد هيرست قال في مقاله المنشور مؤخراً 8 تشرين أول/ أكتوبر الحالي في ميدل إيست آي: إن “لدى روسيا حلفاؤها الجدد: العراق، والإمارات، والأردن، ومصر، وإسرائيل”.
وأضاف في مقاله الذي حمل عنوان (حرب بوتين المقدسة في سوريا) إن تدخل روسيا في سوريا سيكون بمثابة المغناطيس الذي يجذب المقاتلين السنة من كل حدب وصوب، مشيراً إلى أن الأردن سحب مؤخرا دعمه للثوار السوريين الذين يقاتلون على الجبهة الجنوبية.
وسبق أن نشر المفكر الكويتي الدكتور عبد الله النفيسي في تغريدة على “تويتر” في 4 تشرين أول/ أكتوبر الحالي” إن “مصر والأردن والإمارات يؤيدون التدخل الروسي العسكري في سوريا لحماية نظام الأسد ومحاربة الجماعات الإسلامية”.
من جانبه، يرى الكاتب فهد الخيطان، أن الأردن لم يذهب إلى ما ذهبت إليه مصر في تأييد التدخل العسكري الروسي في سورية، وفي الوقت ذاته، لم يضع توقيعه على البيان السباعي الذي دان “العدوان الروسي” على سورية.
ويؤكد الخيطان في مقاله (التدخل الروسي.. أين يقف الأردن؟) المنشور بصحيفة الغد 7 تشرين الأول / أكتوبر الحالي على أن مسؤولين كبار في الدولة كانوا على علم مسبق بالخطوة الروسية وصورتها، مثلما كانت واشنطن ولندن وأنقرة والرياض، كون الأردن طرف أصيل في التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ” تحكمه المصالح الوطنية الأردنية”.
وحول الزيارة الأخيرة لرئيسة المجلس الاتحادي الروسي، فالنتينا ماتفيينو لعمّان يرى الخيطان في ذلك إشارة لتمسك الأردن بـ”سياسته المتوازنة وقد تزامنت الزيارة مع تصاعد وتيرة النقاش حول تدخل بلادها في سورية، من دون تغيير؛ حيث حظيت باستقبال على أعلى مستوى، فهناك علاقات اقتصادية و”تقييم مشترك لطبيعة الخطر الذي تشكله الجماعات الإرهابية على العالم برمته”.
ويضيف “لا يمكن للمرء أن يكون راضيا أو مؤيدا لخطوة عسكرية لن تزيد سورية والسوريين إلا المزيد من الدمار والضحايا… ولا يمكن التضحية بالعلاقات مع روسيا لمجرد الاختلاف معها حول الموقف من سورية ” ويظل الحل السياسي، عبر آلية التوافق الدولي والتفاهم الوطني، هو الخيار المفضل لدول مثل الأردن.
من جهته يرى الكاتب في صحيفة السبيل عمر العياصرة أن تجاهل الأردن من اجتماع موسكو “يشي بعدم يقين يعتري موقف الروس من الأردن”.
وأوضح في مقاله (الأردن والوجود الروسي) ما يقلقنا أن ثمة معركة سواء برية تستعيد درعا أو قصف مكثف سيكون له تبعات أمنية على حدودنا الشمالية، وتمنى العياصرة أن يحافظ الأردن على سياسته السابقة والقائمة على استراتيجية “دفع الشر” دون التورط فيما وصفها بـ” اللغوصات” التي بدأت تظهر أكثر على المشهد السوري، مشيراً إلى وجود حالة ترقب وارتباك أردنية “لا نملك حيالها إلا خيار الدفاع عن أنفسنا، وجعل اليقظة والانتباه والتريث عناوين لسلوكنا السياسي القادم” وفق تعبيره.