في تمام الساعة العاشرة صباحًا بتوقيت تركيا، وبينما استعدت كوادر حزب الشعوب الديمقراطي الكردي لبدء فعالية سلمية مناصرة للحوار ومعارضة للعنف المتزايد بين القوات التركية وحزب العمال الكردستاني في العاصمة التركية أنقرة أمام محطة القطار، بمشاركة مجموعات يسارية وعمالية عدة، وقع انفجاران متتاليان، على بُعد ثواني من بعضهما البعض، تاركَيْن 86 قتيلًا وأكثر من مائتين وخمسين مصابًا طبقًا للبيانات الرسمية الأولية التي أعلنت عنها وزارة الداخلية التركية، وحاجة ماسة إلى أكثر من 50 سيارة إسعاف وفق بيانات وزارة الصحة.
كان تجمّع المتظاهرين قد بدأ لتوه، بدءًا من أنصار حزب الشعوب الكردي وحتى أعضاء اتحاد النقابات العمالية للقطاع العام (KESK)، واتحاد النقابات العمالية التقدمية (DISK)، والاتحاد التركي للمهندسين والمعماريين (TMMOB)، واتحاد الأطباء الأتراك (TTB)، وهي تظاهرة أتت لها مجموعات كثيرة من مختلف أنحاء تركيا باسم “مسيرة العمال والسلام والديمقراطية،” ليقوموا بإلغائها بعد وقوع الانفجارين مباشرة، والدعوة للتبرع بالدماء في المستشفيات التي استقبلت الضحايا.
طبقًا لوكالة الأناضول الإعلامية التابعة للحكومة، وقع الانفجاران عند مخرجيّ محطة القطار الرئيسية في المدينة، والتي كان يتوقع أن تستقبل الكثيرين من الوافدين على المسيرة من خارج أنقرة، ويُرجح طبقًا لها أن يكون الانفجار قد تم عن طريق انتحاري فجر نفسه، نظرًا للأشلاء المتناثرة التي رآها شهود العيان، هذا وقامت الشرطة بإغلاق الساحة وجمع الأدلة فيها بينما حضر وزراء الداخلية والعدل والصحة مباشرة لموقع الحادث، كما تواجد نائب رئيس حزب العدالة والنتمية عمر تشليك.
محطة القطار الرئيسية في أنقرة بعد الانفجارين
من جانبه، أشار رئيس حزب الشعوب الكردي صلاح الدين دميرطاش إلى أن الهجوم شبيه بالانفاجرين الكبيرين اللذين وقعا في دياربكر وسوروج في وقت سابق من هذا العام، واستهدف نشطاء متعاطفين مع الحزب، وبالأخص هجوم دياربكر الذي وقع في الخامس من يونيو الماضي واستهدف مسيرة انتخابية للحزب في عقر داره بقنبلتين أيضًا كان من المفترض أن يتوجه لها دميرطاش آنذاك.
على المستوى الرسمي، أعلن رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو وقف كافة الدعايا الانتخابية لحزب العدالة والتنمية لمدة ثلاثة أيام، وعقد اجتماعات طارئة مع نائبه يالتشِن أقدوغان، ووزير الصحة محمد مؤذن أوغلو، ووزير الداخلية سلامي ألطنوق، ورئيسا الشرطة والاستخبارات، وعُمدة أنقرة، بينما قطع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان برنامجًا رئاسيًا له في مدينة إسطنبول متجهًا إلى العاصمة، وقال في أول تصريحات صادرة له بأن استهداف المسيرة لا يختلف عن استهداف الضباط الذي يجري في جنوبي شرقي البلاد، دون ذكر حزب العمال الكردستاني، في تضامن مع القائمين على المسيرة رغم الخلافات السياسية العميقة بينهما.
على صعيد المعارضة التركية، قال كمال قلجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري العلماني أنه قد ألغى كافة فعاليات الحزب لليوم، وأنه مستعد لتقديم كل ما بوسعه بوجه “الإرهاب،” ومرة أخرى دون ذكر فصيل بعينه، لا سيما وأن بعض أعضاء الحزب كانوا حاضرين بالفعل، مثل نائبه كورسل تكين، والذي قال بأن محامين منتمين للحزب كانوا ينتوون المشاركة في المسيرة في إطار جهود الحزب الرافضة للاستقطاب القومي الحادث الآن بين الأتراك والأكراد، أما حزب الحركة القومية القومي اليميني فلم تصدر عنه تصريحات حتى الآن، وهو المعروف بصراعه الطويل مع الفصائل الكردية واليسارية، في حين قام أحد مرشحيه بأنقرة بإلغاء اجتماع له.
الاتهامات لم توجه رسميًا لأحد، ولكن المنابر الإعلامية المختلفة بدأت بشكل غير مباشر في توجيه شكوكها ناحية الخصوم، فقد نشرت صحيفة يني شفق الموالية لحزب العدالة والنتمية والرئيس التركي تغريدات على حساب تويتر مرتبط بحزب العمال الكردستاني تناول بالأمس احتمالية وقوع تفجير كما جرى في سوروج وديار بكر، في محاولة للإشارة بأن حزب العمال ضالع في العمليات بإثبات علمه بها قبلًا، بينما نشرت من ناحية أخرى صحيفة راديكال اليسارية المعارضة على لسان أحد صحافيي مؤسستها الإعلامية بأن الشرطة كانت متواجدة بشكل ضعيف ولم تتخذ التدابير المعتادة مع تظاهرات كتلك، في محاولة للإشارة بأن الطرف المسؤول عن التفجير مقرب من السلطة حاليًا.
ما إذا كانت تلك التفجيرات تصعيدًا من حزب العمال الكردستاني، الذي لم يعلن مسؤوليته، أو عملية من المقربين من السلطة، مثل حزب الله الكردي الإسلامي المعارض منذ نشأته لحزب العمال والقريب من الجيش والمخابرات التركية طوال العقود الماضية والذي يتهمه نشطاء الأكراد دومًا بالقيام بعمليات تصب في صالح أنقرة، أو عملية من طرف خارجي مثل داعش، كما حدث في سوروج على الحدود السورية، هو أمر ربما تكشف عنه التحقيقات والأحداث في الأيام المقبلة، ولحين يتضح بالفعل من هو الفاعل، ستبقى أصابع الاتهام موجهة من الاطراف المختلفة لبعضها البعض كما هو واضح الآن من الصحف التركية بانتماءاتها المختلفة.