ترجمة وتحرير نون بوست
مع كل خطوة روسية تصعيدية في سوريا، يبدو أن الوضع يسوء أكثر، يكثر المنتقدون الذين يتحدثون عن “فشل” السياسة الخارجية للرئيس باراك أوباما، ويطالبونه بالتحرك لـ”فعل شيء ما” أو بمواجهة موسكو ومعاقبتها على سلوكها المتهور، وإعادة تعزيز الموقع القيادي للولايات المتحدة الأمريكية، ولكن ما عساه يكون هذا التحرك؟
برزت على امتداد الطيف السياسي دعوات لمسعى أمريكي أكثر قوة في سوريا، يتحدث البعض عن حروب بالوكالة، ويصف آخرون الوضع بأنه حرب باردة ويعلنون الحاجة إلى تحرك حازم لإعادة المصداقية الأمريكية، ولكن قبل أن تتورط الولايات المتحدة في تحرك ما، من المهم أخذ خطوة إلى الوراء والتساؤل حول ما يهدف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لتحقيقه من التدخل في سوريا، وما إذا كان هذا التحرك العسكري الفج سينجح قياسًا إلى أهداف بوتين؟ أعتقد أن الجواب هو لا، وأن من شأن هذا الجواب أن يقود رد الولايات المتحدة الأمريكية.
لنبدأ بالهدف المعلن لبوتين من تدخله في سوريا؛ محاربة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، هذا الادعاء منافٍ للعقل، في هذا الوقت تُشن قليل من الغارات الروسية على مناطق تحت سيطرة الدولة الإسلامية، في حين تركز الغارات الجوية على ضرب المعارضة التي تحارب الأسد بشكل أساسي، هذا يتوافق مع منطق بوتين المقلوب للصراع، وهو – كما صرح في خطابه بالجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي – كما يلي، الأسد لا يملك الحق بالبقاء في السلطة وحسب، ولكنه في الحقيقة المفتاح لحل مشكلة داعش، وعلى خلاف الولايات المتحدة ومعظم دول العالم الأخرى، التي ترى الأسد كمحرك للصراع، يؤكد بوتين أن الأسد هو الحل.
الدافع الروسي وراء التدخل في سوريا هو ببساطة حماية الأسد، يعتقد بوتين أن الأسد يحمي مبدئًا أساسيًا ضد “التدخل الخارجي” الذي يسعى للإطاحة بحكومة حليفة، بالنظر إلى أنه تابع بغضب تكرار ما يحدث خلال السنوات الخمسة عشر الماضية في صربيا والعراق وليبيا وأوكرانيا، وبالكاد يمكن اعتبار الدور العسكري الروسي في الصراع السوري جديدًا، فقد كان الروس منذ البداية أحد الداعمين القلائل للأسد وأبرز من زوده بالأسلحة، وكانوا موجودين على الأرض في أثناء ذلك.
ومن هذا المنطلق، فإن وراء تحركات بوتين على الأرض في الأساس دافع الخوف والضعف، وليس الثقة والقوة، إنه يرى حليفه الوحيد في المنطقة يمشي على الحبال وبالتالي على روسيا أن تأتي لنجدته، ترغب روسيا في الحفاظ على نقطة التمركز العسكرية الوحيدة التي تملكها في المنطقة، مُمثلة بالقاعدة البحرية في طرطوس.
أما وقد اتخذت روسيا قرار رمي كل أوراقها لدعم الأسد، فإن عليها أن تظل هناك لفترة طويلة، ربما تتمتع ببعض الانتصارات التكتيكية في الميدان، لكن الهزائم والأخطاء محتملة الحدوث بالقدر نفسه (أو كما رأينا سقوط الصواريخ الروسية في إيران، فهي بالتالي متوقعة بقدر أكبر)، وحتى تكون روسيا قادرة على الحفاظ على موقعها فإنها ستحتاج إمدادًا مستمرًا بالموارد بتكلفة أكبر، الأمر الذي ستثبت صعوبة حدوثه على المدى الطويل.
يود بوتين كذلك أن يستخدم التدخل العسكري في سوريا للمناورة لتغيير مزاج الرأي العام على المستوى المحلي، وبالتحديد فيما يخص الوضع في أوكرانيا والانهيار الاقتصادي في روسيا، ويبدو أنه نجح في ذلك على المدى القصير، ولكن، كما في أوكرانيا، ومع استمرار تدهور الوضع في سوريا – خاصة إذا زادت الخسائر البشرية الروسية – من غير المتوقع أن يسكت الرأي العام الروسي عن التدخل.
وأخيرًا، هناك من يرى أن تحركات بوتين تأتي في إطار جهود للحفاظ على الأهمية الجيوستراتيجية لروسيا؛ يرغب بوتين على الأقل في ضمان بقاء روسيا لاعبًا أساسيًا في المنطقة، لكن البعض يرى أن نظر بوتين مسلط على الجائزة الكبرى؛ فبدخول روسيا إلى حيث رفضت الولايات المتحدة، فإنها تحاول ملىء فراغ القيادة.
على الرغم من ذلك لم يُؤد تحالف بوتين المفتوح مع إيران وحزب الله والأسد إلا إلى عزل روسيا في المنطقة، فهو يستهدف المعارضة السورية التي أنفقت دول مثل السعودية وتركيا الكثير في محاولة دعمها، وقد وجد نفسه في مزيد من العزلة على مستوى العالم.
بالمحصلة، من الصعب جدًا أن نرى كيف سيؤدي تدخل بوتين في سوريا إلى نهاية جيدة لموقع روسيا في الشرق الأوسط، أو في أي مكان آخر، علاوة على ذلك، من المتوقع أن يرتد كيد روسيا إلى نحرها بتحويلها إلى هدف أكثر جاذبية للمتطرفين من السنة.
بالتالي ما الذي ينبغي على الولايات المتحدة أن تفعله حيال ذلك؟ أولًا، عليها أن تواصل إدانة روسيا وعزلها؛ ويجب أن يتضمن ذلك بحثًا عن عقوبات اقتصادية جديدة. ثانيًا، ينبغي أن تزيد الولايات المتحدة دعمها للمعارضة السورية المعتدلة، فعلى الرغم من أن البرنامج الأمريكي للتدريب والتجهيز بصورته الأصلية قد تعثر، إلا أن هناك سبلًا أخرى لتوفير دعم عسكري مباشر للمعارضة – كما كان الوضع مع الأكراد في العراق – الأمر الذي تنظر الولايات المتحدة فيه بحسب تقارير إعلامية.
ثالثًا، الولايات المتحدة وشركاؤها الأوروبيون بحاجة إلى الحفاظ على وحدتهم، خاصة في التزامنا الجمعي تجاه حلفاء الناتو مثل تركيا، يمكن للمرء أن يتصور محاولة بوتين لإثارة الوقيعة في الشراكة العابرة للمحيط الأطلسي من خلال إثارة أزمة مع تركيا – الأمر الذي ربما يجربه بوتين من خلال انتهاكات المجال الجوي التركي مؤخرًا – ليرى ما إذا كنا سنأتي للدفاع عنها، ورابعًا، إن الولايات المتحدة وشركاؤها في التحالف بحاجة إلى الدفع باتجاه مواصلة محاربة داعش، الأمر الذي يرسل رسالة واضحة مفادها أن التصعيد الروسي لم يسبب تراجعنا.
وحيث إن التصعيد الروسي لا يزيد الوضع في سوريا إلا سوءًا، فإن على الولايات المتحدة أن تتجنب أي ردة فعل غير محسوبة وتتحلى بدلًا من ذلك بالصبر الإستراتيجي، وعلى الرغم من أن عددًا من نقاد السياسة الخارجية يعملون لبدء قتال مع بوتين، فإننا بحاجة لتذكر أن أهدافه المعلنة غير قابلة للتحقق، وكما في أوكرانيا، أدخل بوتين نفسه في وضع لا يعرف كيفية الخروج، وسيثبت أنه مكلف.
بوتين ليس إستراتيجيًا عظيمًا، هو لا يلعب الشطرنج، بل يلعب لعبة الداما، ومع أن الأمر قد يطول، إلا أن بارقة الأمل الوحيدة التي قد تظهر هي أن بوتين بات الآن متورطًا من رأسه إلى أخمص قدميه، وما إن تظهر التكلفة الباهظة لتحركه، سيكون عليه أن يتوسل من أجل السلام، وفي أثناء ذلك ربما يكون مستعدًا لاستخدام نفوذه في إخراج الأسد، وهنا تبرز أهمية صبر الرئيس أوباما كرصيد عظيم، لأن الجواب هنا هو ليس أن يكون أوباما مثل بوتين.
المصدر: ديفنس ون