ترجمة وتحرير نون بوست
معظم الجنرالات العسكريين الذين يستولون على السلطة، يطلقون الوعود لإعادة بلادهم بسرعة لحكم الدولة المدنية الديمقراطية، وهو الحكم الذي كان ساقطًا سابقًا بسبب ممارسات الساسة المرتشين وغير الكفؤ، وللأسف، وفي كثير من الأحيان، يصعب العثور على شخص مدني ليقود حملة الإصلاح، لذا يعمد الجنرال إلى خلع زيه العسكري وارتداء بزة الأعمال، ومن ثم يسحق المعارضة، ويؤسس برلمانًا مطواعًا، وهذا الطريق المألوف يسلكه اليوم رجل مصر القوي، عبد الفتاح السيسي، الذي سيحجم عن حل مشاكل بلاده الكثيرة، ليجرها إلى الأزمة المقبلة.
بحكم منصبه كقائد للقوات المسلحة المصرية، عمد السيسي لإزاحة الرئيس الإسلامي المنتخب، محمد مرسي، في انقلاب حصل عام 2013، وبعد أقل من عام، وإثر إقرار دستور جديد، استقال السيسي من كافة أدواره العسكرية، وفاز برئاسة البلاد بنسبة تصويت بلغت 97% من الأصوات، في انتخابات لم يتنافس فيها أي من أحزاب المعارضة الرئيسية، ومنذ ذلك الحين عمد إلى إدارة البلاد بالمراسيم الجمهورية، حيث حل المجلس الأدنى في البرلمان المصري ذي الغرفتين في عام 2012 وحل المجلس الأعلى في عام 2013، وكمم أفواه الصحافة والمنظمات غير الحكومية، المحلية منها والأجنبية، حظر جماعة الإخوان المسلمين، واعتقل الآلاف من أنصارها، قتل المئات من المتظاهرين، وحكم قادة الجماعة بالشنق حتى الموت، وهي الأحكام التي لم يتم تنفيذها بعد، ومن المرجح ألا تنفذ بتاتًا.
السيسي يحضر اليوم لانتخابات لاختيار برلمان ذا غرفة واحدة، وستبدأ أولى جولتي التصويت في 18 أكتوبر، والإخوان المسلمين، الذين فازوا بنسبة 47% من المقاعد في عام 2011، لا يمكنهم التنافس في الانتخابات الحالية بعد حظر الجماعة من قِبل السيسي، والحزب الإسلامي الآخر، حزب النور، الذي حصل على 24% من المقاعد، أصبح حليفًا للسيسي، أما الأحزاب الليبرالية فانقسمت على نفسها وطفقت المشاحنات بين أعضائها، كما أن العديد من قادتها تم نفيه خارج البلاد أو إبعاده عن السياسة، وإن ضعف الرصد الانتخابي يعني بأن الأغنياء والسياسيين الأقوياء، هم الذين سيفوزون على الأرجح بمقاعد البرلمان الجديد.
لذلك لا أحد يتوقع من المجلس التشريعي الجديد بأن يكون أكثر من ورقة تين تغطي عورات النظام المصري، فمن المرجح أن يصدر المجلس الجديد تشريعًا، من بين أول التشريعات التي سيصدرها، يصادق فيه على معظم السلطات الناجمة عن حالات الطوارئ، كقانون مكافحة الإرهاب، الذي خولت السلطة التنفيذية نفسها من خلاله لاستعمال القوة اللازمة للتعامل مع جماعة الإخوان المسلمين وغيرها من التهديدات الأخطر، كالتمرد الجهادي في سيناء، ومن المرجح أيضًا أن يطفق خلاف معتدل بين السلطة التشريعية والرئيس، ولكن السيسي سيعمل في نهاية المطاف على كبح جماح المجلس.
التعامل مع المشاكل الحقيقية
الكثير من المصريين سوف يكونون راضيين بما فيه الكفاية عن حكم البلاد، فبعد مشاهدتهم لحالة الفوضى وإراقة الدماء المستمرة في سورية وليبيا، قد لا يبدو حكم السيسي في نظرهم سيئًا للغاية، ومن المؤكد بأن الرغبة الدولية بالعودة إلى الإدارة المشوشة لحكم مرسي أصبحت شبه منعدمة، خاصة في ظل تمويل السيسي من قِبل دول الخليج الغنية بالنفط، استعادة العلاقات الوثيقة مرة أخرى مع إسرائيل، مغازلة السيسي لروسيا، وعودة أمريكا وأوروبا لتبني مصر وقائدها الجديد.
باعتبارها الدولة العربية الأكثر اكتظاظًا بالسكان، والتي تتحكم بممر قناة السويس الإستراتيجي، تعتبر مصر دولة مهمة للغاية بالنسبة للمجتمع الدولي؛ فالعالم مجبر على التعامل مع أي حكومة مصرية موجودة رغم العيوب التي تعتريها، ومع ذلك ينبغي أن يستمر الضغط الدولي لحض السيسي لإجراء التغييرات، ولكن الحقيقة البسيطة التي تم إثباتها مرارًا وتكرارًا، هي أن الجنرالات العسكريين ليسوا مؤهلين لإدارة الحكومات بشكل جيد، وحتى الآن، لم يثبُت أن السيسي يمثل استثناءًا من هذه القاعدة.
سياسيًا، السيسي أقسى بكثير مما يجب أن يكون عليه، بل إنه أشد قسوة من العسكري القوي السابق الذي كان يحكم البلاد، حسني مبارك، ومن هذا المنظور، وباعتبار أن مرسي حصل في الانتخابات الرئاسية السابقة على 13 مليون صوت، يخاطر السيسي من خلال أفعاله بتحويل مئات الآلاف، بل الملايين، من الأشخاص إلى متطرفين عنيفين، ولو كان يقبع مكان السيسي رجل أكثر حكمة، لكان سعى لتسوية، ولو بسيطة، مع أجزاء على الأقل من جماعة الإخوان المسلمين، بدلًا من تحويل هذه التسوية إلى أمر أشبه بالمستحيل، وبمواجهة هذه الأخطاء الإستراتيجية، وبدلًا من تشجيعها على نهج أكثر اعتدالًا، أرسلت أميركا من خلال استئنافها للمساعدات العسكرية لمصر في مارس الماضي رسالة خاطئة تستبطن دعمًا لنهج السيسي الصارم.
اقتصاديًا، السيسي يفضل مشاريع الدولة الكبرى المشكوك بصحتها، كإقراره لمشروع بناء مدينة جديدة في قلب الصحراء، أو بناء فرع جديد لقناة السويس، على سبيل المثال، كما أنه يفضل شراء الأسلحة باهظة الثمن، بما في ذلك حاملتي طائرات الهليكوبتر الفرنسيتين، اللتان لا يمكن استخدامهما في سيناء، رغم أنهما نافعتان للغاية للتدخل في ليبيا أو اليمن على سبيل المثال، بالإضافة إلى ذلك، يصل معدل البطالة الرسمي في مصر إلى 12.7%، وبين الشباب الذي تبلغ أعمارهم وسطيًا 25 عامًا، وهم الفئة التي تشكل حوالي نصف تعداد السكان، يصل معدل البطالة إلى 35%.
مصر تعاني من عجز هائل في الميزانية العامة والحساب الجاري، والمستثمرون يجدون محاكم البلاد تقف بتعارض مع مصالحهم، البيروقراطية في مصر مستشرية وغير خاضعة للمساءلة، ومع انهيار أسعار النفط إلى 46 دولارًا للبرميل، قد لا يستطيع أصدقاء مصر في الخليج إنقاذ السيسي للخروج من محنته الاقتصادية بعد اليوم.
يجب على السيسي أن يثق بالناس بشكل أكبر، اقتصاديًا وسياسيًا، وينبغي أن يعمل على تمكين الشركات الصغيرة والسماح للمجتمع بالازدهار، لا أن يدير جميع الأمور من قمة الهرم؛ فكما اكتشف مبارك متأخرًا، الناس سوف يثورون ويسقطون سلسلة القيادة، حتى عندما يكون الرجل القوي في أتم الاستعداد لمواجهة ذلك.
المصدر: الإيكونوميست