تُعرف منظمة الصحة العالمية “الإعاقة” على أنها مصطلح يغطي العجز بسبب مشكلة في وظيفة الجسم أو هيكله، أو أنها القيود على النشاط في تنفيذ مهمة أو عمل ما، وهي مقيدات المشاركة في مواقف الحياة المختلفة، كما تُعرف الإعاقة بأنها حالة تحد من قدرة الفرد على القيام بوظيفة أو أكثر من الوظائف التي تعتبر أساسية في الحياة اليومية، وهي أيضًا عدم تمكن المرء من الحصول على الاكتفاء الذاتي وجعله في حاجة مستمرة إلى معونة الآخرين.
الإعاقة من وجهة النظر الدولية
على المستوى الشائع فإن للإعاقة أشكال عدة، منها الظاهرية مثل الشلل وبتر الأطراف وكف البصر، وغير ظاهرة مثل التخلف العقلي والصمم بالإضافة إلى الإعاقات السلوكية والعاطفية، ويمثل عدد الأشخاص المصابين بشكل من أشكال الإعاقة في العالم بأكثر من مليار شخص، ما يقدر بنسبة 15% من عدد سكان العالم، ولأن أي شكل من تلك الأشكال أو غيرها تُصَعِب على صاحبها العيش بشكل طبيعي خاصةً مع التعقيدات المجتمعية والمضامين الإعلامية السلبية المنتشرة التي تسد عليهم طريقهم في ممارسة الحياة الطبيعية، وانطلاقًا من حق الفرد في التمتع بجميع الحقوق والحريات دون تميز والذي ورد في صكوك الأمم المتحدة السابقة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين الخاصين بحقوق الإنسان، وغيرها من العهود والمواثيق الدولية، حظت تلك القضية باهتمامٍ خاص.
إذ اهتمت الأمم المتحدة بوضع القوانين والاتفاقيات والمعاهدات من أجل ضمان حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة وأخرى تُلزم الدول باتخاذ تدابير تضمن حقوق المعاقين دون تمييز وتؤمن لهم حماية مـن كل أشكال الاستغلال والتمييز والظلم وانتهاك الكرامة، وتكفل لهم أيضًا المشاركة الكاملة والفعالة في المجالات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ومن تلك العهود اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبروتوكلها الخاص التي أنشأ لها أمانة خاصة، حتى أنه ومنذ العام 1992 خُصص يومًا عالميًا لذوي الاحتياجات الخاصة يأتي في الثالث من ديسمبر من كل عام لدعم قضيتهم.
ذوو الاحتياجات الخاصة في مصر: قوانين قليلة وخاملة
مصر صدقت ووقعت على عدة اتفاقايات دولية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان مرورًا بالعدهدين الدوليين والبروتوكولات الخاصة التي تعضد جميعها عدم التمييز والإقصاء لفئة ما وتؤكد ضرورة توفير الحقوق الإنسانية لجميع المواطنين، إلى اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة وبروتوكله الخاص حيث وقعت عليها مصر وصدقتها في العام 2006 رغم عرضها استفسار عن إحدى مواد الاتفاقية، وجل تلك الاتفاقيات الدولية التي وقعت عليها مصر ملزمة بتنفيذ بنودها بحسب نص المادة 39 من دستورها، وبجانب ذلك سطرت مصر بنفسها بعض القوانين في الدستور لكفالة حقوقهم، لكنها قوانين غير كافية لكفالة وضمان حقوقهم كما أنها معطلة بالطبع، خاصةً وإن كان للأمر ربطٌ بالآراء السياسية المناهضة للسلطة الحاكمة فتظل حينها حبرًا مرسومًا على ورق.
رغم أن القوانين المصرية الخاصة بشأن ذوي الاحتياجات الخاصة مبتورة وقليلة للغاية، إلا أن البعض يرى أن دستور 2014 الأكثر إرضاءً لذوي الاحتياجات الخاصة نسبيًا عن السبعة دستاير التي سبقته، فقد حوى 4 مواد صريحة في هذا الصدد من أصل247، علاوةً على عدد آخر من المواد الداعية للمساواة والعدالة الاجتماعية وعدم التمييز في الحقوق الإنسانية وغيرها، إذ دعت المادة 53 إلى عدم التمييز على أساس الإعاقة للمواطنين أمام القانون وأن الجميع متساوٍ في الحقوق والحريات والواجبات العامة.
بينما تحدثت المادة 55 عن ضرورة تكفل الدولة بتوفير الإتاحة لمن يقبض عليه من ذوي الاحتياجات الخاصة مع ضرورة الحفاظ على كرامته وعدم جواز تعذيبه أو ترهيبه وإكراهه أو إيذائه بدنيًا أو معنويًا ويتم احتجازه في أماكن مخصصة لذلك لائقة إنسانيًا وصحيًا، واشترطت معاقبة من يخالف ذلك باعتبارها جريمة، المادة 80 ألزمت الدولة بكفالة حقوق الأطفال ذوى الإعاقة وتأهيلهم وإدماجهم فى المجتمع، كما ألزمتها بضمان حقوقهم الصحية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والترفيهية والرياضية والتعليمية مع ضمان فرص عمل لهم وذلك وفقًا للمادة 81.
هل تلتزم الدولة بما تصكه من قوانين؟
لسنا في صدد الحديث عن الدور الحكومي في تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة عبر مراكز التأهيل ومدارس التربية الفكرية القليلة العدد المفتقرة للمهارات والإمكانات المخصصة لتأهيل ودمج ذوي الاحتياجات الخاصة في المجتمع، إذ إن هذا يطول في نقده كثيرًا، وإنما أتحدث عن ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يملكون رأيًا سياسيًا أو تربطهم صلة بمن يملك هذا الرأي المخالف لرأي السلطات المصرية وكيف تفرح الدولة وتحتفل بهذا الاندماج المجتمي منهم، كما أشرح بشكل سريع كيفية التعامل معهم في السجون ومراكز الاحتجاز المختلفة، وهل يحظون بحقوقهم التي كتبت في القوانين السالف ذكرها أم يبطش بهم بطشًا أمنيًا أعمى، وأيضَا أنواع التهم التي تلفق إليهم على اعتبار أن إعاقتهم تمنعهم من تنفيذ بعض النشاطات الحياتية.
أواخر مايو الماضي أعلنت وزارة الداخلية المصرية محتفيةً بنية قطاع مصلحة السجون إنشاء عنابر خاصة لذوى الاحتياجات الخاصة لأول مرة، وشمل ذلك سجني وادي النطرون وبرج العرب، ما يطرح تساؤلات عن الأماكن التي يحتجز بها ذوو الاحتياجات الخاصة قبل ذلك التاريخ وكيف كانوا يتأقلمون في زنازين غير مجهزة سمعنا عنها من السوء ما يسم الأبدان، وسم أبدان العشرات ممن حبسوا فيها بالفعل وأودي بحياتهم، وتساؤلات أخرى عن حال المساجين من ذوي الاحتياجات الخاصة في باقي السجون وأقسام الشرطة بمختلف المحافظات المصرية، وكيف ببيانات إعلامية منمقة أن تضمن ما لم تضمنه القوانين غير المفعلة.
التضييق على ذوي الاحتياجات الخاصة لم يكتف بالجوانب الاقتصادية والاجتماعية، بل أخذ منحنى سياسي كذلك، حيث تحدث المرصد المصري للحقوق والحريات عن رصده لـ 66 انتهاكًا بحق ذوي الاحتياجات الخاصة تنوعت بين الاعتقال والإهمال والتعذيب، وذلك في تقرير نشره في نوفمبر من العام الماضي، وتحدث في التقرير عن اعتقال أحد الأطفال المصابين بشلل نصفي بزعم اعتدائه على قوات الأمن وترويع المواطنين والتظاهر بدون ترخيص حيث حكم عليه بالسجن سنتين على خلفية تلك التهم، وأيضًا تحدث عن الحكم بالإعدام على مواطن كفيف يدعى مصطفى رمضان بتهمة اقتحام مركز شرطة بمحافظة المنيا والقتل العمد.
ذوو الاحتياجات الخاصة في السجون
في لمحة سريعة عن طبيعة التهم التي لفقت لعدد من المعتقلين من ذوي الاحتياجات الخاصة، فبعض المكفوفين كانوا قد اعتقلوا بتهم اقتحام المباني العسكرية والمؤسسات العامة، وتعطيل المرور ومقاومة السلطات، وأخرى شبيهة لفقت لأشخاص يعانون من اضرابات وجدانية أو صرع، وغيرهم من الصم أو ممن يعانون من ضمور في بعض الوظائف والأجهزة الحيوية بالجسم كالعضلات وشبكية العين وشرايين القلب والأطراف، رغم أنه من البديهي أن تمنع مثل تلك الإعاقات أصحابها من القيام بما تم اتهامهم به من تهم جزافية، كما كان يتم احتجازهم في ظروف غير آدمية لا تليق بإنسان صحيح فضلًا عن أن يتكيف معها من يحتاج رعاية خاصة نظرًا لظروفه الصحية، كما كان يحرم بعضهم من استخدام دورات المياه، ناهيك عن تعرض آخرين للتعذيب المتعمد.
كما أنه وعلى سبيل المثال لا الحصر للمحتجزين الحاليين في السجون من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين يمكث معظمهم في تهم لا تنطلي على عاقل ينظر لحالتهم الصحية وفي المقابل التهم الخارقة التي نفذوها بحسب ما تصر الأجهزة الأمنية على تأكيده، فيستمر احتجاز الطالبة العشرينية إسراء الطويل المصابة بشلل نصفي في سجن القناطر بعد اعتقالها مطلع يونيو الماضي، فيما يظل احتجاز المعتقل إيهاب الشحات المتولي العزب البالغ عمره 33 عامًا، منذ سبتمبر من العام 2014 في سجن جمصة بيده المبتروة على إثر حادث تعرض له، ولم يغنه ذلك عن التعذيب الذي زاد من سوء حالته، وكذلك الحال للمعتقل علاء المهدي القعيد المصاب بشلل الأطفال حيث يحتجز في أحد سجون الغربية، كما أن الشاب ذا الـ 27 عامًا أحمد ربيع عبدالفتاح الذي يعاني من شلل الأطفال يحتجز حاليًا بسجن الفيوم العمومي.
ويضاف للقائمة مصطفي المحمدي سعد الذي يعاني من شلل نصفي بسبب تعرضه لجلطة دموية، وهو نفس ما يعانيه المعتقل محمد مخلوف الذي مازال معتقلًا هو الآخر، فيما يجرى احتجاز المعتقل أحمد عبدالرحمن عبدالفتاح المريض بالقلب بالإضافة إلى معاناته من شلل بالقدم اليسرى بأحد سجون الفيوم، وأيضًا المعتقل محمد عدلي حامد موسى الذي يعاني من شزوفرينيا، والطالب القاصر إبراهيم رضا الذي يعاني من شلل نصفي وضعف في عضلات اليدين والقدمين الذي مازال يقضي حكمًا بالسجن عامين لاتهامه بتهم التظاهر والاعتداء على قوات الأمن بجامعة المنصورة، رغم أن الطفل كان في زيارة أحد أقربائه عندما استوقفته المظاهرات الجامعية لتصويرها، بالإضاف إلى المعتقل أحمد سعيد فرحات مريض الصرع الذي يعاني من اضطرابات نفسية، بحسب ما أوردت تقارير حقوقية، وكل تلك السجون لها تاريخ سيء في معاملة معتقلي الرأي وآخر أكثر سوءًا عن عدم آدميتها.
كما أن كبار السن الذين يعتبرون بشكل أو بآخر من ذوي الاحتياجات الخاصة، فللمرحلة العمرية المتأخرة تلك متطلباتها الخاصة، وكذلك المرضى بالسكر والقلب والكبد والضغط والسرطان والفشل الكلوي ومشاكل العظام وغيرها من الأمراض المزمنة الذين يمكث عشرات بل مئات منهم في سجون مصر لأسباب سياسية في ظروف مزرية تمنع فيها الرعاية والأدوية ويقدم فيها الإهمال والتعذيب والانتهاكات على كل شيء بدلًا من مراعاة أوضاعهم الصحية، بالإضافة إلى المصابين بإعاقات كالسالف ذكرها، ربما القانون الوحيد الذي طُبق عليهم هو عدم التمييز بين ذوي الاحتيجات الخاصة وغيرهم، بالطبع ليس في الحقوق الإنسانية، وإنما في الاعتقال وتلفيق التهم ودرجات التعذيب والإهمال الطبي، ويكفي الدولة أن تطبق كلمتين من قانون أبتر لتفتخر بصنيعها.