ترجمة وتحرير نون بوست
المتفجرات تدمر المواقع التاريخية في منطقة الشرق الأوسط، الجرافات تمحو المقابر والأضرحة القديمة، والحصون التاريخية والواجهات العثمانية يتم دكها وتدميرها، حتى المنزل الذي كانت تشغله زوجة الرجل الأكثر احترامًا وقدسية في كامل الأديان، يتم تحويله إلى كتلة من المراحيض، والسؤال، كيف يمكن للعالم أن يمنع هذا التدنيس الفاحش والانقراض التام للتراث الذي ينتمي للبشرية جمعاء؟ بالطبع أشير هنا إلى الدولة المتمردة الوهابية السلفية الإسلامية قاطعة الرؤوس، السعودية!
أمام هذا الواقع، يقف العالم صامتًا ومكتوفًا دون أن يفعل أي شيء على الإطلاق، رغم أنه يصيح ويغضب ويتوعد إثر قيام المتمردين الوهابيين السلفيين الإسلاميين قاطعي الرؤوس في داعش بتخريب الآثار الرومانية في تدمر، ولكنه لن يجرؤ أبدًا، ولن يحلم أبدًا حتى بالتفوه بمواء قطة احتجاجًا على التدمير المتعمد للمملكة العربية السعودية للآثار التاريخية، المقابر، المنازل، الأضرحة، ومساكن النبي محمد وأقرب أقاربه وأصحابه.
بطبيعة الحال، يمكن للمرء أن يستنتج بأن سبب هذا الصمت يتمثل بأن الآثار الرومانية، بالنسبة للعالم، هي أكثر قيمة من الآثار الإسلامية، ولكن هذا الاستنتاج يقوم على رد فعل عنصري تمامًا وكأننا نقول بأن الإمبراطورية الرومانية كانت أكثر أهمية من الإمبراطورية الإسلامية.
ولكن الحقيقة هي أن السبب الذي يدفعنا لتجاهل العبث المدمر للمواقع الإسلامية هو أننا لا يمكننا، ولن يصبح بإمكاننا، ولا يجب علينا أن ننتقد السعوديين الذين تصم وتسكت ثروتهم العارمة جميع الدول، إلى حد وصل معه فحش الثروة لقيام رئيس وزرائنا، ديفيد كاميرون، بتنكيس أعلام الدولة حتى نصف الصاري عند وفاة حاكم السعودية المستبد في أوائل العام الجاري، تلك الثروة تحظر على أي من الحكام أن يوحي، أو يتلفظ ولو حتى بهمس رقيق، بعبارات تربط أصدقائنا السعوديين مع جماعة داعش المروعة، والتي تتبع بعزم مطلق تعاليم المذهب الوهابي السني، الذي اعتنقه قبل 270 عامًا أسلاف الملك الحالي للسعودية.
في الأيام القليلة الماضية، قام حكامنا بحق بشجب تدمير داعش لقوس النصر الرائع في تدمر، والذي يبلغ عمره حوالي 1800 عامًا، والذي شُيّد ربما للاحتفال بذكرى انتصار الإمبراطور أوريليوس على الملكة زنوبيا، التي تم سحلها، على الطراز الداعشي، في شوارع روما، كما يجب علينا أن نخشى أيضًا من فقدان مدخل الرواق الروماني الرائع في تدمر، في الوقت الذي سيستعيد فيه الجيش السوري، بمساعدة الغطاء الجوي الروسي، السيطرة على المدينة.
إذن، تخريب آثار تدمر وتحويلها إلى ركام هي جريمة حرب، وفقًا للأمم المتحدة، ولكن عندما تقوم بلاد تضم المئات، وربما الآلاف، من أنصار داعش وداعميها بمسح التاريخ الإسلامي في الجزيرة العربية، بما في ذلك 90% من المواقع القديمة في مكة، فنحن نولي اهتمامًا لهذا التخريب الشامل، يشابه الاهتمام الذي نوليه لتحطيم نافذة في إحدى الكنائس الإيرلندية.
دعونا نلقي نظرة على ما يجري في المملكة العربية السعودية، المسكن الذي ولد فيه النبي محمد في مكة عام 570 للميلاد، تم بناء مكتبة مكانه، ومن المحتمل أن يتم بناء ناطحة سحاب في مكان المكتبة، مسجد بلال الحبشي الذي يعود بتاريخه إلى ذات الفترة، تم هدمه عن طريق الجرافات، مسكن أول زوجة للنبي محمد، السيدة خديجة، في مكة المكرمة تم تحويله إلى دورات مياه، وفندق الهيلتون في مكة المكرمة تم بناؤه فوق أنقاض منزل الصحابي الجليل أبي بكر الصديق، وهو صاحب النبي المقرب، ووالد زوجته، وأول خليفة راشدي، كما تم تدمير مئات المنازل العثمانية القديمة في المملكة العربية السعودية، ويتم تدمير العمارة العثمانية في جميع أنحاء المسجد الكبير تحت ذريعة توسيع أماكن الحج، وفضلًا عما تقدم، المساجد السبعة الشهيرة التي تم تشييدها من قِبل ابنة النبي محمد وأربعة من أصحابه، تم هدم خمسة منها منذ 90 عامًا، وبعد أن كتب المؤرخ اللبناني المسيحي، الأستاذ كمال صليبي، كتابًا في عام 1985 يشير فيه إلى أن العديد من القرى السعودية تحمل أسماء توراتية يهودية، وصلت الجرافات السعودية لمحوها عن بكرة أبيها.
تدمير السعودية الشنيع للتاريخ الإسلامي ينبع مباشرة من ذات المبادئ المطهرة للماضي التي يعتنقها تنظيم داعش، وهي مبادئ المذهب الوهابي المعتمد من قِبل السعوديين، التي صاغها في القرن الـ18 محمد بن عبد الوهاب، والتي تنادي بعودة الإسلام إلى نقاء مبادئه الأصولية، ومن هذه الأفكار ظهرت فكرة أن أي أثر تاريخي يمثل بحد ذاته ذريعة للإشراك بالله وعبادة الأصنام، وهو المبدأ الذي اعتمدته القبائل السعودية بحماس شرس، فعندما انتقل عبد العزيز بن سعود إلى مكة المكرمة في عشرينيات القرن الماضي، شملت أفعاله الأولى تدمير المقبرة التي دفنت فيها السيدة خديجة، جنبًا إلى جنب مع تدمير قبر أحد أعمام النبي، وذات المصير كان ينتظر المقابر التي دفنت فيها السيدة فاطمة، ابنة النبي محمد، وحفيد النبي، الحسن بن علي بن أبي طالب.
وهكذا بدأت حملة تخريب المقابر والقبور والأضرحة والمباني التاريخية في جنوب غرب أسيا، ابتداءً من تخريب المزارات الشيعية في باكستان، ومرورًا بتدمير تماثيل بوذا الرائعة في باميان، وليس انتهاءً بتدمير المكتبات القديمة في تمبكتو، هذا التدمير الشامل الذي شمل تهديم الآثار في مكة إلى تهديم الكنائس في الموصل والآثار الرومانية في تدمر، كما أن مساجد البوسنة، التي بقيت جميلة رغم الحرب، تم هدمها لصالح المسوخ المسلحة الممولة سعوديًا الذين يعيثون فسادًا اليوم في منطقة البلقان.
هذه الكراهية للتاريخ هي جزء لا يتجزأ من العقيدة الوهابية الرجعية والمتخلفة، والتي تعتبر بأن الماضي لا يتمتع سوى بحضور روحي، والتذكرة المادية بآثار الماضي هي دليل دامغ على انعدام الكمال الروحي.
التدمير الذاتي لتاريخ المملكة العربية السعودية معروف من قِبل العالم أجمع، وصحيفة الإنديبندنت كانت إحدى أوائل الصحف الغربية التي فضحت هذه الممارسات السعودية في حقبة ما قبل داعش، ودفاع الأولياء عن السعودية، المتلازم مع الدفاع المستميت عن ممارستها، يجب ألا يمنعنا من الجزم بأن النظام السعودي يدعم داعش؛ فإذا أردنا أن نفهم تمامًا حقيقة تنظيم داعش، وما يمثله، والأشخاص الذين يتبنون مبادئه، يجب علينا أن ندرس بعناية أكبر العادات الدينية المخيفة التي تربط داعش وطالبان والقاعدة مع شعب البلاد التي يدعي ملكها بأنه “خادم الحرمين الشريفين” في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
المصدر: الإنديبندنت