ترجمة وتحرير نون بوست
في الفترة الأخيرة، لوحظ وجود تصاعد هائل في عدد اللاجئين الفارين إلى الدول الأوروبية، على أمل إعادة توطينهم في الجزء الشمالي من القارة، والغالبية العظمى منهم يُعتقد بأنها من السوريين.
هناك بالطبع العديد من المهاجرين واللاجئين المنحدرين من دول أخرى في الشرق الأوسط وخارجه، الذين خاطروا بحياتهم سعيًا للسلام أو للرخاء في دول الاتحاد الأوروبي، والكثير من هؤلاء من العراقيين، على سبيل المثال، الذين يفرون من المناطق التي يسيطر عليها مسلحو الدولة الإسلامية (داعش)، ولكن هناك تقارير أيضًا تتحدث عن شبان يقطنون في مناطق الجنوب التي تسيطر عليها الحكومة العراقية، الذين يتطلعون إلى الهجرة أيضًا، مما استحث الحملات الحكومية التي تدفع الشباب للبقاء.
ففي إحدى المناسبات، اتهم أبو عزرائيل، وهو زعيم أحد الميليشيات الشيعية والذي يتمتع بشهرة فائقة، إسرائيل والولايات المتحدة “بالتآمر” ضد بغداد، من خلال استدراج المقاتلين العراقيين الشباب عن طريق المال، للهجرة إلى أمريكا وأماكن أخرى، مدعيًا بأن العراق يتم إفراغها من شبابها، “على تويتر، تدعو إسرائيل أي شخص من وحدات الحشد الشعبي أو من الشباب العراقي للهجرة، وتقدم لهم كافة احتياجاتهم من المواد والأموال والأشياء”، قال أبو عزرائيل ضمن ملف الفيديو، كما أضاف واصفًا الشباب الذين يتركون القتال ويسافرون من أجل حياة أفضل بأنهم يرتكبون “معصية كبرى”.
في إيران، كثير من الأكراد ينضمون أيضًا إلى السيل المتدفق من اللاجئين إلى أوروبا، والبعض يرجع هجرة الأكراد إلى التمييز الديني المزعوم الذي تمارسه ضدهم الجمهورية الإسلامية.
أفادت بعض التقارير أيضًا بأن بعض المهاجرين يدّعون زورًا بأنهم سوريون؛ بغية تحسين فرصهم في قبول طلبات اللجوء، ولكن مع ذلك، فإن الجزء الأكبر من اللاجئين المتجهين نحو الغرب، هم حقًا من سورية، كما أن المزاعم التي تطلقها على الغالب الدوائر اليمينية المتطرفة حول تسلسل بعض خلايا الدولة الإسلامية “داعش” ضمن سيل اللاجئين، لم يظهر أن لها أي أساس من الصحة.
أسباب متعددة
أجرت صحيفة الميدل إيست آي عدة لقاءات مع السوريين الذين سعوا للجوء إما بأنفسهم أو تربطهم علاقة مع الأشخاص الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا، وفيما يلي عدد من الأسباب التي تم ذكرها:
– الهرب من البراميل المتفجرة وغيرها من الهجمات الحكومية على المناطق التي يسيطر عليها المتمردون في سورية.
– الهرب من تعذيب الحكومة أو اضطهادها في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في سورية.
– الهرب من التجنيد ضمن الجيش أو ضمن الميليشيات في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في سورية.
– الهرب من التعذيب أو الاضطهاد في المناطق التي يسيطر عليها داعش في سورية.
– الهرب من قصف طيران التحالف بقيادة الولايات المتحدة للمناطق الخاضعة لسيطرة داعش في سورية.
– الهرب من هجمات داعش على المناطق ذات الأغلبية الكردية في سورية، وكذلك الهرب من التجنيد ضمن الميليشيات الكردية.
– المنع من العودة إلى الديار المُمارس من قِبل الميليشيات الكردية في سورية، والتي اُتهمت بممارسة “التطهير العرقي” ضد العرب والتركمان.
– الشعور “بالتمييز الطائفي” أو “بالعنصرية” في لبنان، بالإضافة إلى خشية احتمالية الاضطرار للعودة إلى سورية.
– المعاناة من سوء الأحوال المعيشية ونقص المساعدات في المخيمات بالأردن.
– خشية تجدد ممارسات “سوء المعاملة” في مصر.
– الخوف من عدم ترحيب المعارضة التركية بالسوريين، بمجرد خسارة حزب العدالة والتنمية للسلطة في تركيا، أو اضطراره لتقاسم السلطة.
– خشية عدم تجديد تأشيرات الدخول “الفيزا” أو الإقامات في مرحلة ما في المستقبل ضمن دول الخليج.
– الخوف من التحول إلى لاجئين على المدى الطويل من دون وجود احتمالية للعيش الطبيعي والكريم.
لماذا الآن؟
تم اقتراح عدد من الأسباب التي تفسر سبب حصول هذا الاطراد الواضح في عدد السوريين المتجهين نحو الغرب في الآونة الأخيرة بشكل خاص، رغم أن الحرب الأهلية تحتدم في البلاد منذ أكثر من أربع سنوات.
فقدان الأمل والتوق إلى الاستقرار على المدى الطويل، هي الأسباب الأهم التي فسرت هذه الموجة الجديدة من الهجرة، “الأمل يصبح أكثر خفوتًا مع مرور الوقت، والظروف تصبح أشد صعوبة، لا ينبغي لأحد أن يشكك أو يعبر عن دهشته من أعداد السوريين الكبيرة الذين يخاطرون بحياتهم للوصول إلى أوروبا”، قالت المتحدث باسم المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ميليسا فليمينغ.
الكثير من السوريين فقدوا الأمل في إيجاد حل سياسي أو عسكري للحرب التي تطحن بلادهم وتمزقها إربًا، حيث يقول لاجئ سوري في تركيا، طلب عدم الإفصاح عن اسمه “الناس كانوا يأملون بأن يسقط الأسد عاجلًا، ولكن مع تشبثه بالسلطة جرّاء الدعم الخارجي، قرر الشعب السوري مغادرة البلاد بدلًا من ذلك”.
“انظروا إلى معاناة أشقائنا الفلسطينيين، العرب خاضوا، وخسروا، حروبًا ضد إسرائيل لمصلحتهم، ولكنهم لا يزالون لاجئين، اليوم كيف يمكننا نحن كسوريين دحر الاحتلال الفارسي الأشد وحشية؟” أضاف اللاجئ السوري في إشارة إلى الدعم الإيراني لنظام بشار الأسد، وتابع قائلًا “عندما بدأت الانتفاضة السورية في مارس 2011، كان الناس متفائلين، حيث اندلعت الثورة السورية بعد مدة قصيرة من السقوط السريع للأنظمة في تونس ومصر، جميع الشعب السوري خرج للاحتجاج، ولكن الآن أصبحت المدن السورية خاوية على عروشها تقريبًا”.
الاحتجاجات في ساحة العاصي في حماه في 22-7-2011
وجهات النظر التي أعرب عنها اللاجئ السوري في تركيا، تشاطرتها معه صفاء جمعة، الطالبة السورية المقيمة في لندن، حيث تقول، “الناس لا يمكنهم قضاء كامل حياتهم منتظرين للأبد سقوط الأسد، إنهم بحاجة للاستقرار، ويرغبون بأن يعيشوا حياة طبيعية، وهذا هو السبب في أن الكثير من السوريين الذين يقطنون أصلًا خارج سورية توجهوا قدمًا نحو أوروبا، ففي أوروبا، لن نكون مهددين باحتمال إجبارنا على العودة إلى سورية”.
أسباب التحول
على أرض الواقع في سورية، فر السكان الذين يقطنون في مناطق الحرب إلى أماكن أكثر أمنًا، وأحيانًا، بغض النظر عمن كان يسيطر على هذه الأماكن.
ولكن مع اشتداد كثافة القتال، أصبحت هذه المناطق تتزايد ندرة؛ فأولئك الذين سبق لهم الفرار إلى المناطق التي تسيطر عليها داعش، لندرة استهداف الحكومة لهذه الأراضي، يواجهون منذ سنة تقريبًا قصف قوات التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة، كما أن الحياة هناك، التي تتميز بصعوبتها أصلًا، أصبحت لا تطاق مع تقلص تسامح المسلحين مع أي معارضة تخرج ضدهم.
وفي الوقت عينه، يغادر السكان المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، لمجموعة متنوعة من الأسباب؛ فعلى سبيل المثال، أصبحت الهجمات التي يشنها مسلحو المعارضة على مناطق سيطرة النظام في حلب، تقتل المدنيين بشكل متكرر أكثر من أي وقت مضى، ودمشق ذاتها أصبحت عرضة للانقطاع المتكرر والطويل للكهرباء والماء، كما أن الكثيرين يعتقدون بأن السلامة النسبية للعاصمة لن تستمر لفترة أطول بكثير.
بالإضافة إلى ما تقدم، العديد من أبناء الطائفة العلوية، وهي الطائفة التي ينحدر منها الأسد، يفرون من حملات التجنيد الإجباري التي بدأت العام الماضي، وذلك مع انخفاض أعداد الجيش الوطني حتى النصف تقريبًا بسبب حالات الوفاة والانشقاق والفرار، كما أن ارتفاع عدد الوفيات بين القوات الموالية للأسد، سواء من الجيش النظامي أو من الميليشيات المتعددة التي تعمل مع الحكومة، صعّدت حالة الذعر لدى معظم المناطق السنية التي تسيطر عليها الحكومة من ردة الفعل الطائفية.
لا مكان للاختباء
في الواقع، تشير التقارير إلى أن انتقام الحكومة من المناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة السورية، هو السبب الذي يقف خلف تصاعد الهجمات التي تمارسها القوات الموالية للأسد ضد السكان المدنيين في تلك المناطق، “براميل الأسد المتفجرة تلعب دورًا كبيرًا، سيّما في إجبار الملايين من السوريين للفرار من بلادهم” كتب كينيث روث، المدير التنفيذي لهيومن رايتس ووتش، وتابع موضحًا “في معظم الحروب، يمكن للمدنيين أن يجدوا قدرًا يسيرًا من السلامة من خلال الابتعاد عن خطوط الجبهة الأمامية، ولكن الاستخدام العشوائي للبراميل المتفجرة من قِبل قوات الأسد، التي يتم قذفها في عمق الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة، يعني عدم وجود مكان ليختبأ فيه المدنيون”.
تظهر التحليلات بأن عددًا قليلًا من سكان المناطق التي يسيطر عليها داعش يفرون نحو أوروبا، حيث تشير ليز سلاي في مقالة لها بصحيفة الواشنطن بوست “إنهم يأتون من كل زاوية من سورية، ولكن بشكل عام، ينحدر أغلب اللاجئين من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة والمناطق التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة، كونها مناطق تتمتع بكثافة سكانية عالية، ويتم التنازع عليها بضراوة أكبر من الأراضي الصحراوية التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية”.
وفقًا لعماد كاركاس، وهو صحفي سوري من إدلب، العديد من السوريين يدّعون بأنهم فروا من مناطق سيطرة داعش، بينما هم في الواقع هربوا من فظائع القوات الموالية للأسد، حيث يقول، “السوريون يعتقدون بأن الغرب لا يهتم حقًا بالفظائع التي يرتكبها نظام الأسد، إنهم يعتقدون بأن هاجس الغرب يتعلق بداعش فقط”، ويضيف موضحًا “لهذا السبب، وحتى عندما يفرون بحياتهم هربًا من نظام الأسد، يذكرون داعش تلقائيًا عندما يصلون إلى أوروبا”.
ولكن على الرغم مما تقدم، فإن غالبية السوريين الذين وصلوا إلى ألمانيا في عام 2015، ذكروا بأنهم فروا من بلادهم بسبب الأسد، وفقًا لمسح شمل حوالي 900 شخصًا من طالبي اللجوء في ألمانيا.
تركيا تنادي بمنطقة آمنة في سورية
هناك سبب آخر محتمل يقف خلف اتجاه العديد من السوريين إلى شواطئ أوروبا، فهذا الصيف، الوصول إلى أوروبا أصبح أسهل نسبيًا من السنوات السابقة؛ فوفقًا للتقارير، 3500 شخص من مختلف أنحاء العالم غرقوا أثناء محاولتهم عبور البحر الأبيض المتوسط، عبر ليبيا بالغالب، في عام 2014، ووصل إلى أوروبا 200.000 شخص خلال العام ذاته.
أما خلال عام 2015، فإن العدد الإجمالي للاجئين الذين وصلوا إلى أوروبا يقارب الـ400.000 لاجئ حتى الآن، وفقًا لأرقام المفوضية العليا لشؤون اللاجئين، ومن المتوقع أن يصل هذا الرقم إلى 530.000 شخص بحلول نهاية هذا العام، حيث كانت أكبر نقطة عبور هي اليونان، تليها إيطاليا.
يزعم زكريا مطلق، أحد المقاتلين السابقين في صفوف المعارضة المسلحة السورية، بأن سبب اتجاه المزيد من اللاجئين إلى أوروبا ينبع من تسهيل تركيا لعبورهم الحدود، حيث يقول “منذ إعادة إطلاق المسلحين الأكراد لهجماتهم في تركيا، عمدت الحكومة التركية للضغط على الغرب بشكل أكبر لإنشاء منطقة آمنة داخل سورية، فهي ترى بأن الغرب غير مبالٍ بالأمن القومي التركي، لذلك تسمح للاجئين بالمرور إلى أوروبا، بغية أن يشكل ذلك نوعًا من أشكال الضغط لإقامة منطقة آمنة”.
المصدر: ميدل إيست آي