حفلت مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرًا بموجة من التندر على التسعيرة الحكومية للمحروقات، إثر تخفيضها لمادة البنزين (5 فلسات) وهي القطعة المعدنية التي اندثر ذكرها شعبيًا، وكانت تسمى بـ “التعريفة”.
وذلك في ظل الانخفاض الحاد والمستمر لأسعار النفط عالميًا، ووصوله لأدنى مستوياته خلال الست سنوات الأخيرة، حيث تتبادر لذهن المواطن الأردني عديد من الأسئلة، أهمها: لماذا لا ينعكس هبوط أسعار النفط عالميًا على تسعيرة المحروقات وتعرفة الكهرباء؟ اللتان ينعكس انخفاضهما على كافة أسعار المواد الاستهلاكية.
“أردن الإخبارية” تقدم في ملفها الخاص إجابة أكثر وضوحًا لقرائها حول تساؤلهم المُلِح في ظل المعاناة الاقتصادية التي تشهدها البلاد، وذلك بتتبع أهم ما نشر من تصريحات رسمية ومقالات وتقارير إعلامية محلية ودولية في هذا الشأن.
انخفاض الفاتورة النفطية للمملكة
تراجع العجز التجاري للمملكة خلال النصف الأول من العام الحالي، بنسبة تقارب 18.6% ليسجل نحو 4.2 مليار دينار مقارنة مع عجز قيمته نحو 5.2 مليار دينار وفقًا لدائرة الإحصاءات العامة.
وانخفضت فاتورة المملكة من النفط الخام ومشتقاته بنسبة 47.1% عن الفترة ذاتها من العام الماضي، حيث بلغت قيمتها نحو 1.2 مليار مقارنة مع نحو 2.3 مليار دينار خلال ذات فترة المقارنة من العام الماضي، وذلك وفقًا لدائرة الإحصاءات العامة.
وقد بدأت المملكة بالاعتماد على الغاز الطبيعي المستورد عن طريق العقبة لتوليد ما يزيد على 85% من حاجتها من الكهرباء، حيث تستهلك محطات توليد الكهرباء نحو 350 مليون قدم مكعب يوميًا، فيما كانت تعتمد قبل دخول هذا الغاز أواخر مايو الماضي بشكل كلي على الوقود المستورد في توليد الكهرباء؛ ما أدى إلى فائض في الوقود الذي كانت تستورده مصفاة البترول سابقًا؛ ما دفع الحكومة إلى دراسة الآليات المناسبة لإعادة تصدير هذا الفائض.
وقد قامت الحكومة مؤخرًا بإطلاق مشروع بناء سعات تخزينية إستراتيجية للمشتقات النفطية يجري تنفيذه في منطقة الماضونة شرق عمان بتمويل من صندوق أبو ظبي للتنمية.
ويسهم المشروع في تحقيق أمن التزود بالطاقة ومنها توفير مخزون إستراتيجي مناسب آمن من المشتقات النفطية حسب الممارسات العالمية وسيوفر سعات تخزينية للمشتقات النفطية: الديزل، البنزين، ووقود الطائرات، تبلغ حوالي 340 ألف طن بالإضافة إلى سعات تخزينية لمادة الغاز البترولي المسال تبلغ حوالي 10 آلاف طن وبكلفة 174 مليون دولار ، بحسب وكالة بترا.
إيجابيات تفوق السلبيات
توقع صندوق النقد العربي في تقريره الصادر في 15 سبتمبر الماضي، والذي حمل عنوان “آفاق الاقتصاد العربي” أن يحقق الاقتصاد الأردني نموًا نسبته 2.9% مع نهاية العام الجاري و3.7% العام المقبل.
وأكد التقرير على تراجع معدل التضخم (مؤشر غلاء أسعار المعيشة) في الأردن إلى 0.2% في نهاية العام الجاري انخفاضًا من 2.9% في العام الماضي، إلا أنه رجح أن يرتفع المؤشر إلى 3.1% في العام 2016.
وقد قال وزير الطاقة والثروة المعدنية محمد حامد لـ “سكاي نيوز عربية” في 22 ديسمبر 2014 إن الأردن استفاد بشكل كبير من انخفاض أسعار النفط، مضيفًا أن البلاد تستورد 97% من احتياجاتها من الطاقة، وانخفاض الأسعار قد يقلص تكلفة إنتاج الكهرباء.
ورجح صندوق النقد الدولي أن النمو الاقتصادي في الأردن سيبلغ 3.8% خلال العام 2015، فيما سينخفض عجز الحساب الجاري إلى 5.9% من الناتج المحلي الإجمالي.
وأوضح الصندوق على لسان رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إلى الأردن كريستينا كوستيال، بحسب تقرير لصحيفة المقر نشر في 24 ديسمبر من العام الماضي، أن تراجع أسعار النفط سينعكس إيجابيًا على فاتورة الطاقة المستوردة وسيقلص من خسائر شركة الكهرباء الوطنية، كما سيتيح للمواطنين توجيه مزيد من الأموال لغير مجالات الطاقة، إلا أن تراجع النفط يمكن أن يطال سلبًا مستويات التحويلات والتصدير والسياحة والاستثمارات الأجنبية المباشرة خاصة من الدول المصدرة للنفط.
ورأت كوسيتال أن موازنة 2015 ستوفر مزيدًا من الاندماج المالي، وستضع الدين العام على مسار هابط، خاصة مع تطبيق إستراتيجية الطاقة من جهة واعتمادها على قانون ضريبة الدخل الجديد، الذي سيحقق عدالة اكبر.
انخفاض ديون المصفاة 43%
قال الرئيس التنفيذي لشركة مصفاة البترول الأردنية المهندس عبدالكريم العلاوين إن مديونية الشركة على الجهات الرسمية تراجعت بدرجة كبيرة بعد أن سددت شركة الكهرباء الوطنية الجزء الأكبر من ديونها للمصفاة.
وأوضح العلاوين بحديثه لـ “بترا” في 6 يوليو الماضي أن الرصيد القائم لديون المصفاة على الجهات الرسمية والشركات، بما فيها الملكية الأردنية والكهرباء الوطنية، بلغ 685 مليون دينار مسجلة انخفاض نسبته 43%، مقارنة مع 1.2 مليار دينار، أعلى مستوى وصلت له مديونية شركة المصفاة.
وأكد العلاوين أن انخفاض أسعار النفط أسهم في تراجع مديونية شركة الكهرباء التي تعد أكبر المدينين للمصفاة، إلى جانب عودة البنوك لإقراض الشركة، لافتًا إلى أن ديون شركة الكهرباء حاليا تبلغ 183 مليون دينار والملكية الأردنية نحو 80 مليون دينار، فيما يتوزع الدين المتبقي على جهات رسمية أخرى.
تخوف من تراجع دعم الخليج
في معرض تأكيد خبراء اقتصاديين استفادة البلاد مثل غيرها من الدول المستوردة للطاقة من انخفاض أسعار النفط؛ إلا أنهم ألمحوا لخطر قد يواجه البلاد بتراجع دعم دول الخليج، لتفاقم أزماتها المالية، بسبب انخفاض أسعار النفط وترنح بعض بورصاتها.
وأوضح المحلل الاقتصادي مازن ارشيد في حديثه لـ “العربي الجديد” أن الدول إزاء تدهور النفط تنقسم إلى قسمين، بين مستفيد ومتضرر، فالأول يتمثل في دول تستورد الطاقة مثل الأردن الذي يستورد 98% من احتياجاته من الطاقة، والثاني الدول المنتجة للنفط الخام والغاز، مثل بلدان الخليج العربي التي تأثرت كثيرًا بسبب انخفاض الأسعار العالمية التي تراجعت إلى خانة الأربعين دولارًا للبرميل، وانعكس ذلك على أسواقها المالية.
الانعكاس على الأسعار محليًا
توقع مراقبون استمرار انخفاض أسعار النفط في السوق العالمية في الأجل المنظور، وأبدى الخبير في شؤون النفط لهب عطا عبدالوهاب تفاؤله إزاء تراجع أسعار النفط عالميًا، مرجحًا استمرار التراجع حتى نهاية العام الحالي على الأقل.
وقال عبدالوهاب في حديث لصحيفة الغد إن “الأردن باعتباره يعتمد على الاستيراد سيكون مستفيدًا جدًا من هذا التراجع الذي سيظهر في انخفاض كلف مستوردات الوقود في نشراته الشهرية إضافة إلى تراجع عجز ميزان المدفوعات والميزان التجاري، يعزز ذلك تحول الأردن إلى الاعتماد على الغاز المستورد في توليد الكهرباء”.
ومن جانبه، أكد المحلل الاقتصادي مازن ارشيد في حديثه لـ “الغد” على أن “الأسعار في السوق المحلية يجب أن تلحق بالمستوى العالمي وفقًا لما تتضمنه معادلة تسعير المشتقات النفطية، كما أن هذا التراجع لا يجب أن يقتصر على المشتقات؛ بل يجب أن يشمل كافة السلع والخدمات التي تعتمد على الوقود بشكل مباشر أو غير مباشر”.
وفي حلقة نقاشية عقدها مركز دراسات الشرق الأوسط في 30 يوليو الماضي قال وزير المالية الأسبق محمد أبو حمور إن لانخفاض أسعار النفط انعكاس على الموازنة.
وأوضح أبو حمور بأن انخفاض أسعار النفط أدى إلى انخفاض أسعار السلع والخدمات وبالتالي تراجع الإيرادات الحكومية من ضريبة المبيعات والمحروقات، إضافة إلى انخفاض سعر صرف اليورو متأثرًا بانخفاض أسعار النفط، مما يؤثر إيجابًا على الموازنة من خلال تراجع التضخم المستورد لاسيما من الاتحاد الأوروبي، وبالتالي على احتياطات المملكة من العملات الأجنبية، مما يعزز من سعر صرف الدينار الأردني.
وأضاف ينعكس انخفاض أسعار النفط إيجابًا على الموازنة من خلال تخفيض الدعم الحكومي المقدم لشركة الكهرباء الوطنية والدعم النقدي للمحروقات المقدم للعائلات الأردنية، وانخفاض العجز المزمن في الميزان التجاري، بحسب صحيفة الغد.
نقابة المحروقات: لا مصداقية!
نقيب أصحاب محطات المحروقات فهد الفايز أعرب عن أمله بأن تستمر الحكومة في نهجها الذي سارت عليه خلال الفترة الماضية، وألا تعود إلى ما كانت عليه سابقًا في وضع تسعيرة المحروقات.
وأوضح الفايز بحديثه لـ Jo24 في 8 أكتوبر الجاري أن الحكومة لم تكن واضحة في وضع تسعيرة المحروقات إلا في الثلاثة شهور الأخيرة فقط، مشيرًا إلى أنه ورغم استقاء النقابة والحكومة معلوماتها حول أسعار المحروقات من ذات المصادر المحلية والعالمية إلا أنها لم تتفق يومًا مع ما تضعه النقابة من تسعيرة.
وفي حديث سابق لوكالة “بترا” قال مدير عام مؤسسة المواصفات والمقاييس الدكتور حيدر الزبن إن “محطات الوقود لا تستفيد من فروقات الأسعار حيث يتم حساب كميات المحروقات المتوفرة لديها قبيل التعديل”.
وسبق أن قال الفايز بتصريحه لوكالة عمون في 23 أغسطس الماضي إنه كان يجب خفض أسعار المحروقات بين 12 – 13% نهاية أغسطس لو صدقت الحكومة في تعاملها مع المواطنين وكانت شفافة في بياناتها، حيث أنها أخفت الأرقام وخفضت الأسعار بين 5 – 6%.
الأحزاب: ابتزاز وغياب شفافية
اعتبر ائتلاف الأحزاب القومية واليسارية أن الانخفاض الكبير بسعر النفط عالميًا لم ينعكس محليًا، لغياب الوضوح والشفافية بآلية التسعير، التي تعتمدها الحكومة.
وأشار الائتلاف، في تصريح صحفي له أن تسعيرة المحروقات التي وضعتها الحكومة لا تتناسب مع الانخفاض الذي طرأ على أسعار النفط عالميًا، ولم تستفد منها القطاعات الاقتصادية الوطنية، ولا السوق المحلي.
وطالب حزب جبهة العمل الإسلامي ببيانه المنشور في 20 أغسطس الماضي بتوضيح أسس تسعير المحروقات النفطية على المواطنين، وأكد الحزب على لزوم تناسب تخفيض الأسعار محليًا مع الانخفاض الحاد عالميًا، في ظل الانخفاض المتواصل، والهبوط الكبير على أسعار النفط عالميًا.
من جانبه، انتقد “حزب الشورى” بشدة سياسة الحكومة بتسعير المحروقات، معتبرًا أنها تستخف بالمواطنين لحد ابتزازهم، وهو أمر لم يعد مقبولًا السكوت عليه.
وقال الحزب في بيان نشره في 29 أغسطس الماضي إن أسعار النفط عالميًا في مستوياتها الأدنى منذ العام 2010، فيما يدفع المواطن الأردني فروقات أسعار النفط لخزينة الدولة، من جيوبهم الخاصة، مشددًا على ضرورة تخفيض أسعار المحروقات محليًا، بنسب تتفق تمامًا مع أسعار النفط العالمي، وطالب “الشورى” الحكومة، بإعادة تسعير المحروقات بما يتفق مع أسعارها عالميًا، مشيرًا إلى أن المواطن لم يكن يلمس أثرًا لتلك الانخفاضات الكبيرة،
وحمّل الحزب مجلس النواب، المسؤولية الكاملة على سكوته المطلق، ضد مصالح ناخبيهم الذين حملوهم الأمانة، دون قيامهم بمساءلة أو محاسبة الحكومة التي تغولت عليهم وعلى الوطن والمواطن، وتفردت بقراراتها ضاربة بهم وبالمواطن عرض الحائط.
النقد الدولي: تقلص خسائر الكهرباء
قال تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي حول الآثار العالمية المترتبة على انخفاض أسعار النفط، إن “الأردن من الدول التي استفادت بشكل مباشر من هذا الانخفاض بتقليص خسائر شركة الكهرباء الوطنية”.
وذكر التقرير الذي نشرته وكالة بترا في 15 يوليو 2015 أن شركة الكهرباء حققت موازنة متعادلة عام 2010 في الوقت الذي انتظم فيه تدفق الغاز الطبيعي من مصر بأسعار منخفضة.
وبحسب التقرير، فإن التوقعات قبل تراجع أسعار النفط وتعديل التعرفة وبدء تشغيل ميناء الغاز الطبيعي في العقبة، تشير إلى أن خسائر شركة الكهرباء ستنخفض إلى ما نسبته 3.5% من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة في 2015 مقابل 5.4% في 2014.
وتوقع التقرير أن يسهم انخفاض أسعار النفط في السوق العالمية بتراجع إضافي لخسائر شركة الكهرباء بمقدار يعادل 1.5% من الناتج المقدر لعام 2015.
من جهتها، وجّهت رئيسة تحرير صحيفة الغد جمانة غنيمات سؤالًا للحكومة، لاسيما وزارة المالية ودائرة الدين العام فيها، وهو: “ما التفسير العملي لزيادة المديونية، إن كان دعم الكهرباء قد تلاشى خلال العام الحالي، في وقت لم تنفق الخزينة فلسًا واحدًا على دعم المحروقات، كما لم توزع – حتى الآن – أي مبالغ مالية تحت مسمى “الدعم النقدي” الذي يتوقف بتراجع أسعار النفط عن 100 دولار للبرميل؟
وأضافت غنيمات بمقالها المنشور في 1 أكتوبر الحالي والذي حمل عنوان “لماذا توقف الحديث؟” أن القراءة العامة لواقع شركة الكهرباء الوطنية، والتوقعات المرتبطة بذلك، تقود إلى نتيجة يفترض أن تتمثل في عدم زيادة المديونية، أو ثباتها في أسوأ الأحوال، وبخلاف ذلك يكون الأمر بحاجة لشرح وتفسير رسميين.
وزادت بحسب الإستراتيجية السابقة، كانت الخطة تقضي بإغلاق ملف مديونية الشركة في العام 2017؛ لكن الأرقام والمؤشرات الحالية توجب إنهاءها قبل ذلك بكثير؛ ما يعني ضرورة مراجعة تلك الإستراتيجية، مع إعلانها للرأي العام، مطالبة الحكومة بالحديث بشفافية وذلك حتى يعلم المواطن حقيقة أوضاع شركة الكهرباء الوطنية الآن، وتُمحى الفكرة السائدة بأن ثمة خسائر تتحملها جرّاء دعم الكهرباء.
ورأى الكاتب في نفس الصحيفة باسم الطويسي أن “هناك إصرارًا حكوميًا على الاستمرار في قرار رفع تعرفة الكهرباء رغم الرفض النيابي والشعبي المتصاعد، ورغم التحولات المستمرة في أسعار النفط العالمي التي قلبت الفرضيات التي وضع على أساسها مشروع الموازنة”.
وأضاف بمقاله “الكهرباء والفيزياء والسياسة”: تستند الحكومة في إصرارها العجيب على المضي بقراراتها على خبرة سابقة ومتكررة في القدرة على تمرير قرارات اقتصادية صعبة وقاسية، دون أن تلجأ لتقديم أي تنازلات سواء للنواب أو لقواعدهم الشعبية، وعلى أقل تقدير خلال العام الماضي مرَّرت قرارات غير شعبية منها رفع أسعار المحروقات وتحرير أسعار إسطونات الغاز ورفع تعرفة الكهرباء للمرة الأولى وصولاً إلى دراما تمرير قانون ضريبة الدخل الأخير”، وختم الطويسي مقاله المنشور في 18 يناير الماضي بتساؤل “بين معادلة الاستقرار وإنقاذ الاقتصاد ماذا نختار؟”.
المصدر: أردن الإخبارية