“ما نقوم به ضد الأقصى قد يفضي إلى القضاء على دولتنا في النهاية”، الباحث الصهيوني ش.بوركفيتش
وكما توقع بوركفيتش، هبت رياح الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، فلم يعد هناك مجال أمام الشعب الفلسطيني سوى الانتفاض والدفاع عن المسجد الأقصى والتصدي لجرائم الاحتلال في حق الفلسطينيين ومدنهم وقراهم، فالاحتلال الإسرائيلي ظن أنه لن يردعه رادع، لذا فقد سعى لتجريم حركة “المرابطين” التي تعمل على تسيير قوافل للرباط في المسجد الأقصى لحراسته تحسبًا لاقتحامات المستوطنين المتكررة والتي تتصدى لمخططات الاحتلال التي تهدف لفرض موطئ قدم له بالأقصى تمهيدًا لتقسيمه وبناء ما يسمى “الهيكل”، هذه الخطوات الجنونية أشعلت نيران الغضب الفلسطينية.
أسباب انتفاضة الشعب الفلسطيني
أما أهم أسباب الانتفاضة فيوضحها الشيخ كمال الخطيب نائب رئيس الجناح الشمالي للحركة الإسلامية الفلسطينية، حيث أكد أن ما تدعيه إسرائيل حول عدم رغبتها في تغيير الوضع الراهن بالمسجد الأقصى ما هو إلا أكاذيب، حيث تقوم بشق أنفاق من تحت المسجد الأقصى على مدار سنوات وتم التأكيد على ذلك رغم نفيها ذلك، وأشار إلى أنه قد اتضحت الحقيقة في النهاية وتم الكشف عن معبد أسفل المسجد ومتاحف وغيرها، وهو أكبر دليل على صدق الحركة في أن الدولة العبرية تهدف للمساس بالأقصى عبر الحفريات، وقال إن نتنياهو يسمح لقواته باقتحام المسجد الأقصى ولا يسمح للمصلين المسلمين بدخوله، مؤكدًا أنه بذلك يعادي أكثر من مليار مسلم حول العالم.
في حين يرى رئيس الهيئة الإسلامية، الشيخ عكرمة صبري، أن الاعتداءات الوحشية التي يمارسها الاحتلال الإسرائيلي ضد أبناء شعبنا في القدس وأراضي الـ48 والضفة وغزة لن تقود إلى تهدئة، ولن تكسر إرادة شعبنا ولن تدفعنا إلى الاستسلام، وأوضح الشيخ صبري أن اعتداء المستوطنين على المسجد الأقصى المبارك كان السبب الرئيسي لاندلاع الانتفاضة وانفجار شعبنا في وجه الاحتلال.
وقال: “عندما ينفجر شعبنا في وجه المحتل لا يستشير أحد ولا يستأذن أحد، وعلى من يبحث عن التهدئة عليه أن يزيل التوتر وأسبابه المتعلقة بالاعتداء على المسجد الأقصى المبارك”، وفي رسالته للأمتين العربية والإسلامية قال الشيخ صبري: “يتوجب على الدول العربية والإسلامية أن يساندوا ويحتضنوا انتفاضة شعبنا من أجل ضمان استمراريتها لتحقيق الحرية وحماية المقدسات”، وأضاف الشيخ صبري، في الوقت الذي نحمّل فيه دولة الاحتلال مسؤولية ما يجري في القدس والضفة وغزة وأراضي الـ48، نحمّل أيضًا الدول العربية والإسلامية بسبب تخاذلها لعدم نصرتها للمسجد الأقصى المبارك.
الكارثة أن الاحتلال الإسرائيلي تمكّن حتى الآن من تهويد ما يقارب 94% من مدينة القدس المحتلة، يقول أمين عام الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات حنا عيسى: “إن الاحتلال فرض حاليًا سياسة الأمر الواقع، وإن المفاوض الفلسطيني مستقبلًا لن يجد شيء يفاوض عليه، سلطات الاحتلال الإسرائيلي لم تتوقف لحظة واحدة منذ احتلالها مدينة القدس عن ممارسة انتهاكاتها بحق المقدسات الإسلامية والمسيحية، وتعمل بشكل يومي على مصادرة الأراضي لصالح الاستيطان، والتي كان آخرها مصادرة أرض ملاصقة لسور المسجد الأقصى المبارك”.
لذا كان من الطبيعي أن ينتفض الشعب الفلسطيني في وجه عدوه، لانه أيقن بعثية ما يسمى عملية السلام.
الاعتراف بالحق
حتى الرأي العام في دولة الاحتلال أيقن أن المفاوضات فشلت فشلًا ذريعًا، فالمحلل السياسي للقناة العاشرة ربيب دروكر رأى أن ما فشل الفلسطينيون في إنجازه بالمفاوضات على مدار عشرين عامًا وبعد آلاف الساعات من اللقاءات في مدن العالم، نجح بعض الشبان في إنجازه من خلال عمليات الطعن”.
وقال دروكر: “هجمة السكاكين الفلسطينية أبرزت أسوأ صفتين في نتنياهو: الجبن والكذب”، أما الصحفي الإسرائيلي بن كاسبيت فوجه حديثه لنتنياهو قائلًا: “في مواجهة عمليات الفلسطينيين أثبت أنك جبان غير قادر على اتخاذ أي قرار، وعندما تتخذه في النهاية تتراجع عنه وتبحث عن الآخرين لكي تحملهم تبعات جبنك وترددك”.
مناشدات إسلامية
وقد دعت رابطة علماء الشريعة في دول مجلس التعاون الخليجي، إلى نصرة الانتفاضة الفلسطينية عبر كل الوسائل السياسية والعملية وعدم الاكتفاء بإصدار البيانات.
وجاء في بيان للرابطة، أن قرار تقسيم المسجد الأقصى زمانيًا ومكانيًا الذي تعمل سلطات الاحتلال على تنفيذه هو أخطر وأجرأ قرار اتخذ، معتبرًا أنه “ما أجرأهم على ذلك إلا واقع أمة العرب والإسلام، إذ هم في واقع مؤلم من الضعف والتمزق والشتات، فقد ذهبت ريحهم إلا من أمل بالله عظيم أن تعود الوحدة والقوة”، وقال البيان: “إن وضع المسجد وقبة الصخرة اليوم خطير بحيث لا تكفيه الاحتجاجات المعتادة خفيفة أو شديدة اللهجة، كما لا تجدي المواقف الدبلوماسية والسياسية الهينة اللينة”، وأضاف البيان “قلوب المسلمين تُقطع عندما يروا ما يحدث للمسجد الأقصى من عبث يهود، ولا يرون من يقف أمام كيدهم وبطشهم وآلتهم العسكرية إلا المقدسيين المرابطين المجاهدين بصدور وقلوب مؤمنة باذلة أرواحها مجاهدة”، ورأى العلماء أن “القضية ليست قضية المقدسيين ولا الفلسطينيين وحدهم – كما يريد الصهاينة أن يصوروا القضية – إنها قضية إسلامية تهم المسلمين جميعًا، كما تهم بالدرجة الأولى حكام المسلمين أجمعين”.
وشدد البيان على أن “اليهود ومن ورائهم القوى السياسية العالمية لن يوقفوا هذا القمع، ما لم يجدوا من المسلمين أهل القضية موقفًا حاسمًا قويًا، يسخرون له ما لديهم من وسائل ضغط ومواقف عملية، وهم يملكون من ذلك الكثير المؤثر”.
زوال لا محالة
وقد حاول الاحتلال الإسرائيلي، مرارًا وتكرارًا في العقود الماضية محاربة الشعب الفلسطيني الساعي إلى نيل حريته وتحرير أرضه وفك أسر مقدسات المسلمين، وقد استخدم الاحتلال طرق شتى في حربه الشعواء على الشعب الفلسطيني الصامد، فقد استخدم الآلة العسكرية، والجدران الكونكريتية والاعتقالات العشوائية والتضييق الاقتصادي وسرقة الأراضي ومصادرتها وطرد العوائل الفلسطينية من منازلها ومناطقها، وكان للمقاومة الفلسطينية في غزة دورًا كبيرًا في إظهار حجم الاحتلال الحقيقي بعد عجزه عن التقدم في أراضي غزة المحررة، الأمر الذي دفع الشباب الفلسطيني في “القدس والضفة والداخل” لاختيار المواجهة مع الاحتلال عبر المظاهرات وعمليات الطعن والدهس التي أرعبت المحتلين.
إن انتفاضة الشعب الفلسطيني ماضية في طريقها، فالشباب الفلسطيني قد اتخذ قراره بنصرة المسجد الأقصى وتحرير أرضه من دنس العدو المحتل، وكما علمنا التاريخ فالأرض تقاتل دائمًا مع أصحابها، ويبدو أن زمان “الحجر والشجر” قد اقترب، وتلك المعطيات هي التي دفعت وزير الخارجية الأمريكي الأسبق والسياسي المخضرم هنري كيسنجر (اليهودي الأصل) إلى القول في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز عام 2012م، إنه “بعد عشر سنوات من اليوم لن تكون إسرائيل موجودة”.