أعلنت السلطات التركية عن مقتل 86 وإصابة 156 تركيًا في الانفجار المزدوج الذي وقع صباح السبت في تجمع دعت له منظمات المجتمع المدني المؤيدة لحزب الشعوب الديمقراطي في محطة للقطارات بأنقرة، وبعد الحادث بقليل أدان رئيس الوزراء داود أوغلو الحادث وقال إن من ضمن المشتبه بهم تنظيم الدولة الإسلامية وحزب العمال الكردستاني وحزب التحرير الشعبي الثوري.
إذن ما الهدف من زج اسم حزب العمال الكردستاني في تفجير المستهدف به الأكراد المتعاطفة مع ذلك الحزب بعكس تفجير سروج الذي وقع يونيو الماضي ضد الأكراد ووجه الاتهام مباشرة لتنظيم الدولة الإسلامية، إذن الظروف السياسية لها تأثير على التصريحات؛ حيث نجد أن تفجير أنقرة له تأثيرًا سلبيًا على الانتخابات المبكرة المزمع عقدها في أول نوفمبر القادم حيث يتطلع حزب العدالة والتنمية للفوز بالأغلبية البرلمانية لتشكيل الحكومة منفردًا، لكن هذا التفجير سيظهر حزب الشعوب الديمقراطية هو الضحية وسيزيد التعاطف معه في وقت تظهر استطلاعات الرأي على عدم وجود تحسن في شعبية حزب العدالة والتنمية؛ لهذا السبب زج بالأكراد كمشتبهين، أما بالنسبة للمشتبه الثاني (تنظيم الدولة الإسلامية) في حال كان هو الفاعل فهو يعتبره عقابًا لتركيا على مواقفها الأخيرة تجاه التظيم وعناصره سواء في تركيا أو سوريا، وكأن التنظيم يرسل رسالة مزدوجة: الأولى للأكراد وهي أن “أي تجمع لكم هو هدف لنا والقتل يطالكم في أي مكان وزمان سواء في تركيا أو سوريا”، والثانية للحكومة التركية أن “العقاب سيكون في عقر داركم في العاصمة وما له من انعكاسات سلبية على الوضع السياسي والنمو الاقتصادي والعائد السياحي”.
لكن كل ذلك لا يستبعد النظام السوري والداعمين له لإبعاد تركيا عن التدخل في الأزمة السورية خاصة بعد التخل الروسي العسكري والغارات المكثفة على المعارضة السورية بما فيها المدعومة من واشنطن وتركيا واختراق الأجواء التركية من قِبل الطيران الروسي والصواريخ المنطلقة من بحر قزوين.
إذن تفجير أنقرة في كل الأحوال مصلحة للنظام السوري لزيادة الفجوة بين تركيا وتنظيم الدولة الإسلامية الآخذة في الاتساع ولجر تركيا إلى مواجهة مباشرة مع تنظيم الدولة الإسلامية وخلط الأوراق في الساحة التركية.
لكن نلاحظ أن هذا الحادث أيضًا بعكس حادث سروج بالنسبة للحكومة التركية وأردوغان؛ لأن حادث سروج وقع بعد الانتخابات التشريعية فلم يكن له تأثير انتخابي وكان موضع تشفي من حزب العدالة والتنمية بحق الأكراد الذين لم ينتخبوا حزب العدالة والتنمية وكانوا سببًا مباشرًا بعدم حصول حزب العدالة والتنمية على الأغلبية المطلقة وعدم قدرته على تشكيل الحكومة منفردًا، أما تفجير أنقرة فهو مأزق فقد وقع في وقت حزب العدالة والتنمية في وضع صعب وبحاجة إلى زيادة شعبيته وليس زيادة شعبية حزب الشعوب الديمقراطية والتعاطف معه لكن من الممكن أن يستفيد حزب العدالة والتنمية من التفجير ويكون مخرج له خاصة إذا وجد أن شعبيته لم تزد بالشكل المطلوب ستكون الفرصة سانحة له لتأجيل الانتخابات متعللاً بالظروف الأمنية وهذا ما حذرت منه المعارضة على لسان النائب ايتون كيراى حيث قال “إننا لن نسمح بإلغاء الانتخابات لأي سبب من الأسباب”.
إذن تركيا مستهدفة داخليًا وخارجيًا وهي ليست بمنأى عن الأحداث الدائرة في محيطها، خاصة أنها تدخلت على عكس رغبات الداخل التركي، بالإضافة إلى أن تدخلها لم يأخذ خطًا واضحًا ومستقيمًا؛ فقد ساومت كثيرًا قبل الانضمام للتحالف لابتزاز مواقف سياسية لصالحها في الأزمة السورية؛ مما افقدها بعض الأصدقاء في وقت جبهتها الداخلية غير متماسكة وتعصف بها أزمات سياسية حادة مما شجع أطراف داخلية وخارجية لتلعب فس الملعب التركي كل حسب مصالحه سواء كانت انتخابية أو انفصالية أو إلهائها وإبعادها عن الأزمة السورية.