ترجمة وتحرير نون بوست
في 23 سبتمبر الماضي، عفا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي عن صحفيي شبكة الجزيرة الإخبارية المعتقلين في السجون المصرية، منهيًا مسلسل الإحراج الذي لازم النظام المصري المحكوم عسكريًا منذ حوالي العامين؛ المسؤولون المصريون روجوا للقرار باعتباره جزءًا من إطلاق سراح السجناء الروتيني قبل عيد الأضحى المبارك، حيث أصدر السيسي عفوًا عن 100 سجين سياسي لأسباب صحية وإنسانية، وجاء هذا القرار أيضًا قبيل أيام من مغادرة السيسي إلى نيويورك للمشاركة في جلسة الجمعية العامة للأمم المتحدة.
إصدار العفو وإطلاق سراح السجناء هو أمر شائع في جميع أنحاء العالمين العربي والإسلامي قبل العيدين الإسلاميين الكبيرين، عيد الفطر وعيد الأضحى، وهذه القرارات تتمتع بأهمية خاصة في الأنظمة التي يهيمن عليها العسكر والرجال الأقوياء “الطغاة” والملوك، والتي تتميز بشبه انعدام استقلال القضاء وسيادة القانون، “في الوقت الذي شكل فيه هذا العفو مصدر ارتياح كبير، إنه لمن المضحك أن يتم الزج ببعض هؤلاء الأشخاص في أي وقت من الأوقات وراء القضبان في المقام الأول” قالت منظمة العفو الدولية في بيان لها صدر بعد عفو السيسي عن الصحفيين، محمد فهمي وباهر محمد، جنبًا إلى جنب مع العديد من النشطاء السياسيين.
يظهر هذا العفو كيف انتقل السيسي بشكل تام ليلعب دور الطاغية، وإلى أي مدى ابتعد الشرق الأوسط عن وعود وآمال ثورات الربيع العربي التي باشرت في وقت مبكر من عام 2011، والتي أطاحت بالرئيس المصري آنذاك حسني مبارك وغيره من الديكتاتوريين من على رأس السلطة.
السيسي هو القائد الأحدث ضمن سلسلة طغاة القادة العسكريين الذين حكموا مصر منذ أن أطاح الزعيم الكاريزمي جمال عبد الناصر بالنظام الملكي المدعوم من بريطانيا في عام 1952، وفي محاولة لتقليد من سبقوه، أراد السيسي أن يظهر بمظهر السَمِح قبل الصعود إلى عتبة المسرح العالمي.
لفترة قصيرة، كان يبدو بأن عصر حكم الطغاة قد اقترب من نهايته؛ ففي أكتوبر 2011، تم القبض على الديكتاتور الليبي معمر القذافي مختبئًا في أنبوب للصرف الصحي بالقرب من مسقط رأسه في مدينة سرت، وحينها تعرض للضرب، وقُتل رميًا بالرصاص من قِبل المعارضين المسلحين، واضعين بذلك نهاية حقيرة لحكمه الذي استمر لمدة 42 عامًا.
معاصرو القذافي، من أمثال صدام حسين وحافظ الأسد، كانوا من الرجال العسكريين المنحدرين من الأسر الفقيرة والبلدات القاحلة الذين شقوا طريقهم إلى الأعلى من خلال ركوبهم على موجة المشاعر الثورية التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط في ستينات وسبعينات القرن المنصرم، وكان أولئك القادة يستمدون إلهامهم من الحركة الناصرية المصرية المتمثلة بحركة الضباط الأحرار، الذين تعهدوا بتخليص العالم العربي من آثار الحكم الاستعماري؛ فالخطب المثيرة لعبد الناصر، والتي سمعها كامل العالم العربي من خلال راديو الترانزستور الذي كان قد اُخترع حديثًا حينها، أشعلت رؤى الوحدة العربية، وكانت تلك الفترة تمثل هيجانًا عامًا، وفي تلك الآونة خسر التجار والنخب الإقطاعية، وهم حلفاء القوى الأوروبية الاستعمارية القديمة، سيطرتهم على زمام الأمور، وفي البداية ظهر وكأن صدام، القذافي، والأسد يجسدون حقبة جديدة وواعدة للإصلاح، ولكن هؤلاء القادة وغيرهم قمعوا بسرعة أي معارضة، أعدموا منتقديهم، وأهدروا الموارد الوطنية.
بحلول عام 2011، بدأ طغاة العالم العربي يترنحون ويتساقطون واحدًا تلو الآخر، حيث ظهر جيل جديد من الشباب الثوريين الذين عززوا الشعور بالهوية العربية المتحدة حول المطالبة بالحقوق السياسية والاجتماعية الواسعة، ومع انطلاق الاحتجاجات في تونس في نهاية عام 2010، امتدت الحالة الثورية لتشمل مصر، ليبيا، اليمن، البحرين، وسورية، حيث استلهمت كل انتفاضة قواها من الأخرى، وظهرت طليعة من القادة المدنيين ضمن الثورات، الذين اعتمدوا على بعض الخطابات القومية العربية القديمة حول مناهضة الاستعمار ومقاومة إسرائيل، رغم أنهم كانوا يدركون جيدًا إخفاقات الجيل السابق من طغاة العرب في تحقيق هذه الشعارات.
المتظاهرون في ثورات الربيع العربي أعلنوا رفضهم للعقد الاجتماعي الذي يقوم على تماشيهم وتحملهم للقمع الحكومي، القوانين التعسفية، تقييد وسائل الإعلام ورقابتها، وحكم الحزب الواحد، مقابل تحقيق الحكومات للأمن والاستقرار، وبدلًا من ذلك، طالبوا بالعدالة والحرية والكرامة، “لا يجب أن يخاف الشعب من الحكومة، بل على الحكومة أن تخاف من الشعب” كُتب على لافتة شعبية في ميدان التحرير في القاهرة أثناء ثورة 2011.
ولكن الطرق القديمة أثبتت بأنها تتمتع بديمومة مدهشة، حيث تدخلت القوتين الإقليمتين المتناحرتين، المملكة العربية السعودية وإيران، في ثورات البحرين واليمن وسورية ومصر لدعم الطغاة الحاليين أو لاستعادة حكمهم أو لخلق طغاة جديدين، وتونس كانت الدولة الوحيدة التي تجنبت – نسبيًا – العنف واسع النطاق والسياسية المخيبة للآمال التي أعقبت الانتفاضات العربية.
تكدر النظام السعودي جرّاء سقوط نظام مبارك، المتحالف مع النظام السعودي منذ مدة طويلة، حيث وبخ السعوديون إدارة أوباما للتخلي عن مبارك، ولكن آل سعود شعروا بحالة غضب هيستيرية جرّاء امتداد ثورات الربيع العربي لتدخل اليمن على حدودها الجنوبية، والبحرين، الدولة ذات الأغلبية الشيعية التي يحكمها نظام ملكي سني قمعي، والتي تبعد 16 ميلًا فقط عن المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، وهي المنطقة التي تتركز فيها معظم احتياطيات النفط في المملكة، كما أنها موطن للأقلية الشيعية المحرومة من حقوقها في السعودية.
اتهم آل سعود إيران بدعم انتفاضة البحرين، حيث أرسلت المملكة قواتها إلى داخل البحرين لسحق حركة الاحتجاجات، ومن جهتها، كانت إيران في بداية الأمر متحمسة لثورات الربيع العربي التي أسقطت طغاة تونس ومصر وليبيا، حتى هددت هذه الانتفاضات حليف طهران الوفي، الديكتاتور السوري بشار الأسد، الذي ورث دور الطاغية من والده في سورية، وحينها أرسلت إيران المال والسلاح والمستشارين العسكريين لدعم نظام الأسد، في حين عمدت المملكة العربية السعودية ودول عربية سنية أخرى لدعم المعارضين السوريين.
في مصر، كانت السعودية قلقة من صعود الإخوان المسلمين، الحركة الإسلامية السنية الشعبوية التي فازت بالانتخابات البرلمانية والرئاسية بعد سقوط نظام مبارك، ولكن في يوليو 2013، وبعد عام واحد فقط من تسلم محمد مرسي، زعيم جماعة الإخوان المسلمين، لرئاسة البلاد إثر أول انتخابات ديمقراطية تجري فيها، أزاحه الجيش عن السلطة، وبعد ذلك بوقت قصير تصعدت الأمور في مصر، ودخلت في دوامة من العنف والقمع والانتقام الذي تمارسه الدولة، حيث أطلقت الحكومة الجديدة المدعومة من الجيش حملة عنيفة لقمع جميع المعارضين السياسيين، ولملاحقة قادة الإخوان المسلمين الذين فروا بعد الانقلاب، كما تراجعت عن العديد من المكتسبات التي حققتها ثورة يناير 2011.
بعد الإطاحة بمرسي، كثف المتشددون الإسلاميون هجماتهم لتصبح تمردًا تركز في شمال سيناء، مما أسفر عن مقتل مئات من الجنود ورجال الشرطة المصريين، وأعلن العديد من المتشددين في وقت لاحق ولائهم للدولة الإسلامية (داعش) وزعيمها أبو بكر البغدادي، مؤسسين ما يسمى بولاية سيناء، والسيسي، الذي كان وزيرًا للدفاع في عهد مرسي، والمحرض الرئيسي للانقلاب ضده، اُنتخب رئيسًا لجمهورية مصر العربية في مايو 2014 بنسبة تصويت بلغت 97% من الأصوات، ومنذ ذلك الحين، أرجع السيسي العديد من عناصر الحكم العسكري، كما أعاد بعض المسؤولين من نظام مبارك السابق إلى السلطة، وحكم البلاد بالمراسيم الجمهورية تبعًا لعدم وجود برلمان مصري لمدة ثلاث سنوات.
وجد آل سعود بالسيسي ضالتهم المنشودة في مصر، حيث كان الأخير يخدم كملحق عسكري في السفارة المصرية بالسعودية، ومع شنه لحملة القمع التي استهدفت الإخوان المسلمين، أصبحت السعودية الراعي الأهم للنظام المصري، حيث قدّم آل سعود أكثر من 12 مليار دولار لدعم الاقتصاد المصري المتهالك، وضغطوا على الإمارات العربية المتحدة والكويت لتتعهدا بتقديم المزيد من المساعدات للحكومة المصرية الجديدة؛ فمنذ الانقلاب، تلقى نظام السيسي أكثر من 30 مليار دولار من هذه الدول الخليجية الثلاث.
أظهرت سلسلة من التسجيلات الصوتية المسربة للسيسي وكبار الجنرالات الأخرى، بأن الإمارات وفرت الأموال لحساب الجيش المصري لتمويل حملة الاحتجاجات الشعبية ضد مرسي، حيث يُظهر تسجيل مسرب قول رئيس مكتب السيسي، الجنرال عباس كامل، لجنرال آخر “سيدي، سنحتاج غدًا لـ 200 من حساب تمرد، كما تعلم، الجزء العائد لدولة الإمارات الذي حولوه”، ويوضح كامل فيما بعد أن 200 تعني 200 ألف جنيه مصري أي حوالي 30.000 دولار في ذلك الوقت، علمًا بأن حركة تمرد هي الحركة التي تم تصويرها في الكثير من الصحف العربية والغربية على أنها حملة شعبية مستقلة ظهرت من تلقاء نفسها وأججت الاحتجاجات التي مهدت للإطاحة بمرسي قبل انتهاء فترته الرئاسية.
بعد الانقلاب، ظهر تسجيل آخر يُظهر السيسي وهو يعطي تعليماته للجنرال كامل لإبقاء مليارات الدولارات المقدمة على صورة مساعدات من السعودية وغيرها من دول الخليج في الحسابات التي تسيطر عليها وزارة الدفاع، بدلًا من وضعها في حسابات الحكومة المدنية، وفي تسجيل آخر يمكن سماع السيسي وزملائه الجنرالات وهم يضحكون لسهولة مطالبة دول الخليج بمبالغ نقدية كبيرة، “لماذا تضحك؟” يقول السيسي لكامل، “هم (الخليجيون) لديهم مال كالأرز يا رجل!”
وفي مكالمة أخرى، يظهر السيسي مرتابًا من المبالغ التي تلقوها من رعاتهم الخليجيين “لا لا لا، ليس 8 مليار دولار في ستة أشهر” يقول السيسي، قبل أن يقتنع من خلال العد السريع بأنهم تلقوا في الواقع ما مجموعه أكثر من 30 مليار دولار، وعندها يقول السيسي “اللهم أدم الخير علينا” ويجيب كامل “يا رب يا سيدي”.
اليوم، يمكن لنظام السيسي مواصلة حملته القمعية متمتعًا بحصانة الإفلات من العقاب، والسبب بذلك يرجع جزئيًا إلى إعلان الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى بأنها تفضل الاستقرار على الديمقراطية؛ فأغلب الأنظمة الغربية رضيت بالانقلاب، ولم توجه أي اعتراض على المحاكمات الصورية وأحكام الإعدام الجماعية التي أصدرها القضاء المصري، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تقدم لمصر مبلغ 1.3 مليار دولار سنويًا على شكل مساعدات عسكرية، ولكنها مع ذلك مترددة في استخدام هذه المساعدة كورقة ضغط ضد النظام المصري، والرئيس أوباما ووزير خارجيته جون كيري لم ينتقدا ديكتاتورية السيسي بشكل جوهري، وحتى بعد حكم الإعدام الذي أصدره القضاء المصري بحق مرسي في وقت سابق من هذا العام، كان أشد انتقاد وجهته وزارة الخارجية الأمريكية يتمثل ببيان فاتر أعربت فيه عن “قلقها العميق” من الوضع المصري، ومن الجهة الأخرى، وعلى الرغم من أن السيسي وجد بديلًا عن مساعدات الولايات المتحدة من خلال اعتماده المتزايد على تمويل المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج، ولكنه لا يستطيع أن يجد بديلًا للمعدات العسكرية المتطورة التي تقدمها له واشنطن.
حكومة السيسي مارست حملة شعواء ضد قناة الجزيرة، وهي شبكة أخبار تملكها قطر، الدولة الخليجية التي تتبنى سياسات متناقضة مع غيرها من الدول الخليجية، من خلال دعمها للإخوان المسلمين، وكونها أحد الداعمين الرئيسيين لحكم مرسي؛ ففي ديسمبر 2013، ألقت الحكومة المصرية القبض على صحفيي قناة الجزيرة، اللذان تم العفو عنهما مؤخرًا، جنبًا إلى جنب مع زميلهم بيتر غرسته، ووُجهت إليهم تهمة نشر الأخبار الكاذبة والانتماء إلى جماعة الإخوان المسلمين، التي سبق لنظام السيسي وأن أعلنها كمنظمة إرهابية محظورة، وتمت إدانة الصحفيين في يونيو 2014 وحكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح بين سبع وعشر سنوات، وفي يناير أمرت المحكمة العليا في مصر بإعادة المحاكمة، وتم الإفراج عن الصحفيين بكفالة، أما غرسته، وهو مواطن أسترالي، فقد تم ترحيله بموجب مرسوم سمح للسيسي بطرد الأجانب المدانين بارتكاب جرائم على الأرض المصرية.
في أغسطس، أصدرت محكمة جنايات القاهرة حكمها على الصحفيين بالسجن لمدة ثلاث سنوات بتهمة نشر معلومات كاذبة “بقصد تشويه صورة مصر وسمعتها”، وتمت تبرأتهم من تهمة الانتماء إلى منظمة إرهابية، وأشارت المحكمة في معرض حكمها بأن قناة الجزيرة هي “جزء من المؤامرة الدولية ضد مصر”، وفي الوقت الذي ألمح فيه السيسي وغيره من المسؤولين ضمن النظام بأنهم ينظرون إلى المحاكمات كمصدر للإحراج الدولي، يعكس القضاء المصري تكتيكات الطاغية المصري الذي يسعى لكبح جماح الصحافة الانتقادية وسحق أي معارضة من خلال التهديد بزجهم في السجن لمدد طويلة.
يصر الطغاة في كثير من الأحيان على أن الثورات التي تهدد حكمهم هي عبارة عن مؤامرات خارجية، مُحرَّضة بفعل من المخربين مثل قطر وقناة الجزيرة التابعة لها؛ فمبارك، القذافي، الأسد، وتقريبًا جميع الحكام الديكتاتورين الآخرين الذين واجهوا الانتفاضات العربية، يرون بأن الثورات لم تنطلق جرّاء مظالم الشعب المقموع والمحروم من حقوقه، وإنما انطلقت جرّاء تحريض القوى الأجنبية المخربة.
في منتصف يونيو، صدّقت محكمة مصرية عقوبة الإعدام الصادرة بحق مرسي، أول زعيم للإخوان المسلمين يتولى رئاسة دولة عربية، حيث حُكم عليه بعقوبة الإعدام جنبًا إلى جنب مع أكثر من 100 متهم آخر، لمشاركتهم المزعومة في حادثة الفرار من السجن، وكان هذا الحكم أحدث حلقة في سلسلة المحاكمات الصورية وأحكام الإعدام الجماعي التي أصدرها القضاء المصري منذ الانقلاب، ولكن بغض النظر عن مصير مرسي، أحكام الإعدام الجماعية ترسل رسالة خطيرة للإسلاميين في جميع أنحاء المنطقة، تتمثل بأن الطريق الوحيد للوصول إلى السلطة السياسية يتجسد باستخدام العنف، وتبين تجربة الإخوان المسلمين الأخيرة في مصر بأن القوات السلطوية والعلمانية، والتي غالبًا ما تحقق نتائج سيئة في صناديق الاقتراع، ستحشد لتقويض الإسلاميين حتى قبل أن تتاح لها الفرصة لتولي الحكم بشكل كامل.
عندما أطاح بمرسي، أصر الجيش المصري بأنه كان يتصرف بناء على إرادة الشعب المصري، الذي أُصيب بخيبة أمل نتيجة لحكم مرسي الأخرق وسياساته الاقتصادية الكارثية، لكن الجيش لم يتوقف عند هذا الحد، بل عمد إلى اعتقال مرسي جنبًا إلى جنب مع الآلاف من قادة الإخوان وغيرهم من الناشطين، أغلق وسائل الإعلام المتعاطفة مع الإسلاميين، وحظر الحركة من الحياة السياسية المصرية بشكل تام، ومن ثمّ وفي أغسطس 2013، فتحت قوات الجيش والأمن النار على الآلاف من أنصار مرسي الذين كانوا يقيمون اعتصامًا سلميًا في ميدان رابعة العدوية، مما أسفر عن مقتل 1000 شخص على الأقل، ووصفت هيومن رايتس ووتش في تقرير لها أصدرته بعد عام واحد من المجزرة بأنها “واحدة من أكبر عمليات قتل المتظاهرين في العالم في يوم واحد يشهدها التاريخ الحديث”.
الإخوان المسلمون هي أقدم الحركات الإسلامية في العالمين العربي والإسلامي وأكثرها تأثيرًا، حيث تتمتع بفروع وشراكات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وفي العقود التي سبقت الثورات العربية لعام 2011، نبذت الأحزاب الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة سياسة العنف والتزمت بالمشاركة في السياسة الانتخابية، ولكن الآن، يرى الإسلاميون انقلاب الجيش المصري وحملة القمع اللاحقة كإشارة إلى أن نتائج الانتخابات لن يتم احترامها، وهذه العملية قد تخرج عن نطاق السيطرة، كما حصل في الجزائر في عام 1992، عندما كانت الجبهة الإسلامية للإنقاذ على وشك الفوز في الانتخابات البرلمانية، وحينها تدخل الجيش لإلغاء الجولة الثانية من التصويت، وأدى هذا الانقلاب لتفجير حرب أهلية دموية استمرت لثماني سنوات وأودت بحياة أكثر من 100.000 شخص.
الكثيرون في العالم العربي والغربي فشلوا في فهم هذا الخطر، فرغم أن الحكم الاستبدادي يبدو وكأنه يوفر الاستقرار على المدى القصير، إلا أنه يولّد السخط ويؤكد على فكرة أن العنف هو السبيل الوحيد لإيصال الصوت، كما أن الطغاة، كالسيسي والأسد وطغاة الجيل السابق، يفضلون وضع الشعب أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الحكم الاستبدادي الذي يظهر شكليًا بوجه العلمانية، أو الحياة تحت حكم المتطرفين الإسلاميين كالقاعدة أو داعش، ومن هذا المنطلق، فإن الحكام الذين يعمدون لشيطنة جميع الإسلاميين والمعارضين وغيرهم من خلال وصفهم بالإرهابيين الذين ينبغي قمعهم، يسمحون من خلال ممارساتهم بتكرار أنماط القمع التي تؤدي إلى المزيد من التطرف، ولكن بغية محافظتهم على السلطة، قد لا يجد الطغاة أمامهم طريقًا آخر سوى هذا الطريق القمعي والاستبدادي.
المصدر: ذا نيشين