نحن نعيش في عالم وصل عدد مستخدمي برنامج واتس آب إلى 900 مليون مستخدم نشط، وعدد مستخدمي مراسل فيسبوك قد وصل مؤخراً إلى رقم 700 مليون مستخدم نشط.
هذه الملايين من المستخدمين تعتمد بشكل يومي على ما يعرف بالمراسلة الفورية، رسائل كانت حتى وقت قريب لا يمكن أن تزيد عن 180، وغني عن الذكر أن كل هؤلاء المستخدمين يعتمدون على هواتفهم الذكية لاستخدام هذه البرامج بشكل أساسي، أي أن هذا التواصل يتم جزء كبير منه بشكل سريع ومتنقل؛ رسالة من الحافلة وأخرى سريعة في استراحة القهوة من العمل.
في هذا السياق تظهر أهمية كبيرة لما يُعرف بالـ “إيموجي” أو الرموز التعبيرية، وهي تلك الوجوه الصغيرة الصفراء غالباً والتي تظهر طيفاً واسعاً من التعبيرات عن المشاعر، كما أنها استمرت في التوسع بالتدريج كي لا تقف عند الأوجه وتشمل عدداً من الحيوانات والرموز والأنشطة وغيرها.
وهنا يجب الإشارة إلى الفرق بين الإيموتيكون والإيموجي، حيث كانت الأولى هي البذرة التي تفتقت عنها الثانية لاحقاً، حيث ظهرت الأولى كاستخدام لمجموعة من علامات الترقيم بترتيب معين كي تظهر بشكل وجه باسم “:-)” أو حزين “:-(“، وأول استخدام مسجل لعلامات الترقيم بهذا الشكل كان عام 1982 على يد الدكتور سكوت فالمان أستاذ الحوسبة والشبكات في معامل جامعة كارنيجي ميلون.
مع انتشار الانترنت مع نهاية التسعينات وبداية الألفية الثانية؛ بدأ استخدام هذه الرموز وغيرها التي ابتكرها مستخدمي الشبكة بشكل كبير، وبالتدريج أمكن استخدام مجموعة من الأحرف وعلامات الترقيم بترتيب معين للتعبير عن عدد ضخم جداً من المشاعر، وكانت أهمية هذا نابعة بالأساس من ضرورة فك الالتباس الناتج عن استخدام النص حمال الأوجه في التواصل بشكل سريع.
“-كيف كان الامتحان؟
= الحمد لله”
عند النظر إلى المحادثة القصيرة السابقة يمكن فهم الرد بعدد من الأشكال المتناقضة، فقد تقال لفظة الحمد لله كدلالة على الفرحة، أو كدلالة على الحزن والمصيبة، أو حتى من الممكن فهمها كرد مقتضب لعدم الرغبة في استمرار الحديث.
أما إذا كانت: “الحمد لله 🙂” أو “الحمد لله 🙁” فالمعنى أصبح مختلفاً تماماً وأكثر وضوحاً.
فنحن كبشر غالباً لا يقف استخدامنا للغة في التواصل عند ما نقوله، بل يشمل الطريقة التي نقوله بها وتعبيرات الوجه ولغة الجسد بل ونبرة الصوت، كل هذه هي أجزاء من نظام معقد للغاية على المستويين الواعي وغير الواعي للتواصل عند البشر.
سابقاً عندما اعتمد الإنسان على الكتابة كوسيلة للتواصل الفعال؛ أخذت الرسائل العاجلة شكل البرقيات منزوعة المشاعر كما نعرفها جميعاً، إلا أن مستقبلها كان يعلم هذا عنها بوضوح، على العكس من الرسائل المكتوبة والمرسلة عبر البريد، والتي سمحت بتوافر مساحة واسعة للتعبير يمكن فيها للمرء أن يبذل وسعه للتعبير عن مشاعره كما يحلو له ببيت من الشعر، أو صورة مرفقة، أو حتى أريج من العطر على طرف الورق أو قبلة مطبوعة.
تكمن مشكلة وسائل التواصل الفورية في اقتصارها إلى حد كبير على النصوص المكتوبة والقصيرة نسبياً، وهذا الاعتماد يحتم وجود وسيلة لنقل المعاني غير المكتوبة، وهنا تأتي أهمية أدوات كالإيموجي والإيموتيكون في جعل التجربة أكثر كثافة وإنسانية.
إلا أن تطورين جديدين قد لفتا النظر مؤخراً إلى الطريقة التي يتم استخدام هذه الأدوات، التطور الأول هو التوسع المستمر لقواعد بيانات التعبيرات التي تتفق عليها كبرى شركات التكنولوجيا وفقاً لطلبات الناس كل عام، والتطور الثاني والذي نشرت عنه هيئة الإذاعة البريطانية تحليلاً مؤخراً عن تزايد اعتماد قطاعات الشباب على هذه الرموز مع التخلي عن استخدام النصوص المكتوبة بالأساس.
تساءل كاتب التحليل وهو خبير باللغة البصرية عن إمكانية تطور الإيموجي لتتحول بالتدريج إلى نظام لغوي كامل، وقد بدأ التفكير بذلك نتيجة تزايد استخدام الرموز لقول جمل قصيرة ذات فاعل ومفعول، وقد قام الباحث بمقارنة الإيموجي بكل من لغة الإشارة والرسم كنظم لغوية وتعبيرية، ويبدو أنه قد وصل إلى استنتاج ينفي إمكانية حدوث ذلك.
إذ تتكون اللغة بالأساس من مجموعة من الدوال (الكلمات وحروف الجر وغيرها) وقواعد لغوية تخص الترتيب والحذف وغيرها بما يسمح بتكوين معاني مركبة تنقل المراد، إلا أن الإيموجي تفتقد إلى عنصرين مهمين؛ الأول وهو المختص بالدوال؛ وهو أن كل رمز تعبيري يشكل في حد ذاته كلية مركبة تنقل معنى واضح، أي أنه من الصعب تفكيكها وإعادة لم شملها بطريقة جديدة لنقل معنى جديد.
والثاني مرتبط بانعدام وجود قواعد لتركيب الجمل من الإيموجي عدى الترتيب المباشر، مما يجعل التعبير عن الماضي أو المستقبل بها مثلاً أمراً شبه مستحيل.
لكن المحقق أنه ما زال هناك مجال تطور وتحور لهذا النظام اللغوي بشكل أكبر، ففي بداية الأمر كانت مجرد فكرة اتباع النقطتين بقوس لإظهار ابتسامة أو حزن خارج إطار التفكير بشكل عام، مما يعني أن إمكانية تحويل الإيموجي إلى نظام لغوي يناسب تواصل عصر الإنترنت في عداد الممكنات، والسبيل إلى هذا قد يبدأ بتفكيك الرموز وتحويلها إلى مجموعة متناسقة من المكونات الممكن استبدالها ببعضها، وأيضاً عبر الاتفاق العام على مجموعة من قواعد الاستخدام التي قد تضفي على هذا النظام اللغوي ثراءاً شديداً عبر إضافة أبعاد كالأزمنة المختلفة والضمائر مثلاً.