ترجمة وتحرير نون بوست
إيل برينسيبي، هو مسلسل تلفزيوني إسباني جديد اكتسب شهرة عارمة مؤخراً، يتناول المسلسل موضوع الإتجار غير المشروع بالمخدرات والجهادية في مدينة سبتة الإسبانية، وهو مسلسل ممتع حقاً، فمن المسلي رؤية الشخصية الشريرة الرئيسية، فاروق، وهو تاجر مخدرات كبير، يتكلم اللغة الإسبانية بلكنة كوبية، ومن ثم يطلق كلمات السباب بصوت عالٍ باللهجة المغربية.
ومن المبهج أيضاً رؤية كيف تم اختيار جميع الشخصيات المتعاطفة في المسلسل ليمتلكوا عيوناً خضراء أو ملونة، وكيف ينفقون الكثير من الوقت في تبادل النظرات، ومن الممتع على حد سواء مشاهدة الموسيقى الاستشراقية الحزينة تُعزف في كل مرة تظهر فيها شخصية مسلمة، مع ظهور مسجد في خلفية الصورة.
إيل برينسيبي يمثل مزجاً غريباً بين مسلسلات الإرهاب الأمريكية مثل “مسلسل 24″، والمسلسلات التلفزيونية المكسيكية أو البرازيلية الملتهبة، وهذا المسلسل سيمتعك بالفعل، حتى تدرك بأنه يعمل في الواقع على تشكيل المفاهيم العامة للإسلام والمسلمين ضمن إسبانيا، وإن الستة ملايين مشاهد من الإسبان الذين يتابعونه كل ليلة الثلاثاء، يأخذون ما يقدمه من قصص على محمل الجد تماماً.
المشاهدون لا يرون بأن المسلسل يعرض صورة هزلية ويصور شمال أفريقيا بشكل مشوه، بل يعتبرونه مصدراً موثوقاً للمعلومات حول الثقافة الإسلامية والحياة الأسرية الإسلامية، وفي الواقع، إيل برينسيبي هو دليل على مدى التراجع الذي شهده الخطاب التنوعي ومنظور الهجرة في إسبانيا.
الحي الخطير
سبتة مدينة إسبانية على الساحل الشمالي لأفريقيا، تتقاسم حدودها الغربية مع مملكة المغرب، ومن هذه المدينة باشر طارق بن زياد غزوته لإسبانيا القوطية الغربية في عام 711 للميلاد.
سبتة كان يحكمها سلالات مختلفة من البربر والعرب ابتداءاً من القرن الثامن حتى سقطت بيد البرتغاليين في عام 1415، وأصبحت جيباً تابعاً لإسبانيا منذ 1 يناير من عام 1688.
سكان سبتة اليوم يبلغون حوالي 90.000 نسمة، ويتمتع المسيحيون فيها بأغلبية ضئيلة تقدر بنحو 52%، والسكان المسلمون يشكلون حوالي 45%، إيل برينسيبي، هو الحي المسلم الذي يقع على تلال شمال شرق المدينة، ويقطن فيه حوالي 12.000 نسمة، وكثيراً ما تصف وسائل الإعلام الإسبانية هذه الحي بـ “الحي الأكثر خطورة في إسبانيا”، بسبب انتشار العنف والاتجار بالمخدرات، والتطرف الديني الذي انتشر في الآونة الأخيرة في الحي.
حكاية هذا الحي المضطرب أعطت قناة تيليسينكو الإسبانية التي تعرض المسلسل دفعة نوعية كبيرة، فالمسلسل يحتوي على عدة محاور درامية، أولها التنافس بين سيد المخدارات فاروق، الذي يقوم بتأدية دوره الممثل الكوبي روبن كورتادا، وأنيبال، خصمه اللدود، وهناك أيضاً قصة الكابتن موري، الذي يلعب دوره الممثل الشهير أليكس غونزاليس، الذي تم إرساله من مدريد للتحقيق في عالم إيل برينسيبي المبهم، والذي ينتهي به المطاف ليقع بغرام فاطمة، شقيقة فاروق، الذي تؤديه الممثلة التونسية الإسبانية خضراء العينين، هبة عبوق.
في الحلقة الأولى من المسلسل، تخبر فاطمة المحقق موري الذي وصل حديثاً، بالحقيقة الصعبة للحياة في سبتة، حيث تقول “هنا يجب عليك إما أن تكون من المورو أو أن تكون مسيحياً، مغربياً أو إسبانياً، لكننا لا يمكننا أن نكون الاثنين على حد سواء”.
إذا كان الهدف من هذه المسلسل إظهار عدم وجود تناقض في كون الشخص إسباني ومسلم بذات الوقت، فإن إيل برينسيبي لم يكن ناجحاً في إيصال الفكرة، فهو يصور الرجال المسلمين في الواقع على أنهم وحوش مجتمعية؛ فببذلته الأرماني ولهجته الكاريبية، يمثل فاروق صورة الشخص المسلم المستبد بسلطته الذكورية، حتى أنه يأمر أخته فاطمة بأن تطيعه بدلاً من طاعة الشرطة، ورغم هذا الطابع المتطرف الذكوري، نجد بأن فاروق على أرض الواقع هو شخص عقيم، ولكن بدلاً من استشارة الطبيب، يلوم زوجته ليلى عن هذا العقم.
الأوهام المبتذلة والعنصرية
في كثير من الأحيان يبدو وكأن موري، حليق الذقن، قد تم إرساله إلى مستعمرة شمال أفريقيا الإسبانية ليس بهدف التحقيق في الفساد، بل من أجل تحرير النساء المسلمات من التقاليد وتسلط الرجال، فهو يبين لهن بأن حريتهن لا تكمن في الولاء للعائلة، ولكن في الولاء للدولة الإسبانية (أي بالولاء للحداثة التي يمثلها موري)، ولكن، بطبيعة الحال، تظهر المشاهد الرومانسية التي تجمع موري مع فاطمة الأوهام العنصرية والمبتذلة التي يكنها الرجال البيض للمرأة العربية؛ ففي إحدى الحلقات، تنفق فاطمة خمس دقائق طويلة في تعرية الكابتن موري، مع تصوير حجابها وهو يسقط على الأرض بحركة بطيئة.
“هذا المسلسل هو عار، ويقدم نظرة نمطية سطحية لإيل برينسيبي، وبجميع الأحوال، فلقد تم تصوير المسلسل في مدريد”، يقول رشيد حميدو، وهو محام وعضو في حزب “Movimiento para la Dignidad y la Ciudadania” المؤسس حديثاً، وهو حزب سياسي يسعى لتمكين المسلمين في سبتة.
“هذا الحي له مشاكله، فهو حي غيتو، وسبتة مدينة معزولة للغاية، وعدد قليل جداً من الحافلات تأتي لإيل برينسيبي من وسط المدينة، كما أن الحي يفيض بالفقر والبطالة، ومسلمو الحي لم يتمكنوا من التقدم للحصول على الجنسية الإسبانية حتى عام 1998، ولا تزال اللغة العربية غير معترف بها كلغة رسمية”، يقول حميدو، ويتابع “المسلسل لا يتناول أياً من هذه القضايا، ويجعل الأمر يبدو، كما هو الحال دائماً، وكأن المشاكل في إيل برينسيبي تنبع بكليتها من ثقافتنا وديننا”.
بموقعها فوق تلال سبتة، وأبنيتها الطوبية ذات الألوان الهادئة، تذكرنا إيل برينسيبي بمناطق الفافيلا الفقيرة البرازيلية، ويمكن للمتابع أن يتبين بوضوح تأثر المسلسل بالمسلسلات البرازيلية الشهيرة مثل إيل كلون وسالفي خورخي اللذان يتناولان المواجهات الحضارية بين أميركا اللاتينية والعالم الإسلامي.
ومع ذلك، فإن المسلسلات البرازيلية، ورغم مشاهد الراقصات المحجبات وأغنياتها الروتينية الطويلة، تجري بحثاً جيداً في الواقع، وتظهر تعاطفاً سياسياً مع سكان أحياء الفافيلا الفقيرة والعالم الإسلامي، حيث يتم تصوير كلا المجموعتين كضحايا لعنف الدولة وتمييزها.
وبالمثل، كان يجب على مسلسل إيل برينسيبي أن يسعى لحماية المسلمين الإسبان من النمطية التي أسبغتها عليهم وسائل الإعلام العالمية.
الشخصية الخبيثة
الشخصية الأكثر خبثاً التي يصورها المسلسل تتمثل بحكيم، وهو مسلم من سبتة وأحد عناصر الشرطة المحلية، يصور المسلسل حكيم كشخص مفرط التعلق بقوميته الإسبانية، حيث يصر على أن يتم مناداته باسم خواكين، ففي إحدى المشاهد يقول حكيم “اسمي خواكين، وليس حكيم، أنا إسباني”.
بطبيعة الحال، يظهر فيما بعد بأن هذا الشخص القومي المتشدد هو جهادي وعميل مزدوج، في رسالة خبيثة وواضحة يوجهها المسلسل للمشاهدين الإسبان، تتمثل بأنه حتى جيرانكم المسلمين الأكثر وطنية قد يكونون إرهابيين.
هذا التصوير غير مسؤول، كون مسلس إيل برينسيبي يعمل على ترسيخ صور نمطية ضارة حول المسلمين الإسبان، وذلك بالتزامن مع قيام حكومة حزب الشعب الإسباني بتمرير قوانين أمنية صارمة تستهدف الأقليات في إسبانيا.
“أعتقد أن الجزء الأكثر إساءة في مسلسل إيل برينسيبي هو الاستخدام المتكرر لعبارة مورو” يقول حميدو، ويضيف شارحاً “جميع شخصيات المسلسل تستخدم هذه الكلمة بشكل اعتيادي، ولا يبدو بأن المنتجين يدركون بأن هذا المصطلح يحمل تحقيراً وإهانة، ففي سبتة لا يستخدم هذا المصطلح عندما يشير المسيحيون إلينا، بل يقولون مولسيمانو أو موسليمانا، وفضلاً عن ذلك، فإن تاريخ المسلمين في سبتة نادراً ما يتم طرحه في وسائل الإعلام الإسبانية، فهناك شوارع سُميت باسم قادة الاستعمار، مثل إنريكي إيل نافيغانتي، الذي قتل الآلاف منا، ولكن لا يُذكر سوى القليل عن مساهماتنا، وعندما يعمد أخيراً مسلسل تلفزيوني للتحدث عنا، يتم تصويرنا كموروس وإرهابيين”.
يحاول المسلسل أن يعرض نتائج العزلة بشكلها الغاضب، ولكنه لا يتعب نفسه للخوض في غمار حياة الشباب لفهم السبب الذي يحذوا بهم للانجذاب نحو حياة العصابات أو باتجاه التطرف الديني؛ فلا يوجد أي ذكر للسياسات الاستعمارية لفرانكو، أو للسياسات المفروضة من قِبل مدريد وواشنطن والرباط التي أنتجت هذا المستوى من اليأس، بل بدلاً من ذلك، ومثل شوراعهم المتاهية والمعقدة، يتم تصوير سكان إيل برينسيبي على أنهم غامضون، غريبون، وخطيرون بشكل لا يصدق.
إسبانيا تتمتع بتاريخ طويل من التعايش السلمي، وإنه لشيء رائع حقاً أن تكون إسبانيا والبرتغال هما البلدان الوحيدان في كامل أوروبا الغربية اللتان لا تحتويان على حركات يمينية متطرفة وحركات معادية للمهاجرين؛ لذا دعونا نأمل أن يبقى الأمر على هذا النحو، وألا يعمل هذا المسلسل التلفزيوني السخيف على استثارة مشاعر كراهية الأجانب.
المصدر: الجزيرة الإنجليزية