بعد الحرب العراقية الإيرانية بدأ مستوى التعليم في العراق بالتدهور السريع حتى وصل الحضيض في السنوات الحالية وذلك نتيجة الأزمات المتتالية، بعد أن كان في فترة السبعينات ومطلع الثمانينات من أفضل أنظمة التعليم في الشرق الأوسط، وكان التعليم العالي والجامعات العراقية من الأمثلة التي يحتذى بها على الصعيد الإقليمي والعالمي لا العربي فحسب.
يشهد واقع التعليم العراقي اليوم انخفاضًا بجودة التعليم وارتفاعًا بنسب الأمية بين السكان، إضافة لازدياد نسب التسرب من المدراس، وتراجع الاعتراف بالشهادة العراقية من قِبل الدول الأخرى.
كان من المفترض أن يبدأ العام الدراسي في العراق يوم 2 أكتوبر 2015، حسنا، باستثناء إقليم كردستان، حيث ابتدأ العام الدراسي فيه منذ 15 سبتمبر 2015، لم يسلم هذا القرار من الاستثناء أيضا، فقد تم تأجيل الدوام رسميًا إلى 18 أكتوبر في محافظات وسط وجنوب العراق بسبب تفشي وباء الكوليرا، وبطبيعة الحال فإن المحافظات الشمالية – فيما عدا الإقليم – تخضع لسيطرة “الدولة الإسلامية”؛ لذا فبداية العام الدراسي أمرًا ثانويًا لم يحدد فيها بعد، بداية لا يستطيع أن يقول أكبر المتفائلين إنها مبشرة.
ظهرت أول مدارس العالم في العراق، حضارة وادي الرافدين القديمة 4500 سنة مضت، كانت تعرف المدارس بـ “بيت الألواح”، أما المدير فيعرف بـ “الخبير”، والطالب بـ “ابن المدرسة”، فأين ابن المدرسة العراقية اليوم؟
قد يكون طالبًا متميزًا في مدارس المتميزين الحكومية، ولا أعلم ما المميز بهذه المدراس عدا ألوان زيها الرسمي، فهي تدرس المناهج الحكومية نفسها بعدد ساعات الدوام والعطل نفسها، والمتخرج منها له نفس فرص القبول بالجامعات والمعاهد كأي طالب عادي، يمكن أن يكون المميز الوحيد فيها – عدا ألوان الزي – أن عدد الطلاب في الفصل الواحد طبيعي ما يتيح لكل طالب رفاهية الجلوس في مقعد منفرد، وأن كادر المدرسة مكتمل النصاب دائمًا، هذا امتياز عن المدارس العادية التي تعاني نقصًا في التدريسين نظرًا للأزمة الاقتصادية التي يعاني منها العراق، يمكن أن نقول إذًا إن امتيازها أنها أفضل السيء.
قد يكون طالبًا عاديًا يشارك الصف مع 50 – 80 من زملائه، في مدرسة عادية يزدوج فيها الدوام ليشمل مدرستين وأحيانا ثلاث في نفس البناية، فتتحول في أفضل الحالات جميع المختبرات والمكتبة – إن وجدت – إلى قاعات صفوف جديدة لتتناسب وعدد الطلاب فيها، أو تتحول لمخازن لأغراض المدرسة الضيفة من سجلات وأدوات المختبر السابق، تتضاءل عدد ساعات الدوام المقررة في المدرستين فتلغى الفرصة الثانية، دروس الرياضة والفنون، والوقفات الصباحية؛ ليتسع الوقت لالتحاق طلاب المدرسة الثانية بعد خروج طلاب المدرسة الأولى.
مدارس الطين في العراق
قد يكون في واحدة من الألف مدرسة طينية موجودة في عراق اليوم، والتي أُسست كما صرحت السلطات الحكومية بناءً على طلب الأهالي، وهذا صحيح؛ فعندما تسكن في قرية لا يوجد فيها أي مركز تعليمي أو ثقافي، وأقرب مدرسة تبعد 10 كم، فمن الطبيعي أن تطالب ببناء مدرسة ليذهب أولادك إليها، ذنب السلطات أنها لم تستجب إلا عندما طالب الأهالي بمدارس طينية – وهو أضعف الإيمان – فلبت السلطات وبات لدينا اليوم 1000 مدرسة طينية في العراق، تضم 7000 طالب والمئات من المدرسين، المدارس الطينية هي غرف بدائية مصنوعة من الطين، مسقفة بالحصير المحاك يدويًا فوقه مادة “النايلون” التي يفترض أن تكون عازلة، ثم المزيد من الطين، لا يخفى أنها خطرة في الشتاء أيام الأمطار وهي معرضة للسقوط ولا يوجد أي ضمانات لسلامة الطلاب داخلها، “من المأمول أن تنتهي هذه المدارس في السنوات القليلة القادمة، وجاري العمل على تحويلها لكرفانات”، هذا ملخص ما صرحت به الحكومة العراقية في 2011، ومع اقترابنا من 2016، لا نستطيع أن نقول إن حلم تحويل البناء الطيني لكرفان معدني قد تحقق، نتيجة لذلك لا أعتقد أن حلم تحويل البناء الطيني لبناء عادي يمكن أن يحقق قبل العام 2026 بأحسن الأحوال.
مع أن المدارس الطينية تبدو كآفة يجب مكافحتها، إلا أنها لا تزال أفضل من المدرسة الخيمة التي ظهرت في العام الماضي وكثرت في هذا العام، المدرسة الخيمة هي جزء من المخيمات التي يعيش فيها النازحون القادمون من الأراضي العراقية الواقعة تحت تنظيم الدولة الإسلامية، وعندما تسمع تصريحات الحكومة بفتح عشرات المدراس لاستقبال النازحين، فلا يخفى عليك أن بعضها عبارة عن خيام خانقة صيفًا مسربة للماء قابلة للسقوط شتاءً، وبالفعل فقد تعرض بعضها للتلف نتيجة موجة الحر التي حصلت في الصيف الماضي، ولم تستبدل بعد، في المدرسة الخيمة يجلس الأطفال بأعمار متقاربة ويدرسون المواد نفسها للمرحلة الابتدائية، حتى لا ينسوا ما تعلموه في السنوات القليلة السابقة وحتى يتمكنوا من تأدية الامتحانات النهائية التي ستؤهلهم للعبور للمرحلة الدراسية القادمة.
مدارس الخيام للنازحين
أما عن ابن المدرسة النازح الذي يسكن المدن، فحاله ليست أفضل بكثير من أقرانه أبناء المدارس الأخرى؛ ففي محافظات الإقليم على الرغم من افتتاح عدد من المدارس المزدوجة الدوام مع مدارس الإقليم، و بناء عدد من الكرفانات كمدارس إضافية، إلا إن عدد المنتسبين 63% من الطلاب المسجلين في قوائم النزوح، ويرجح وجود عدد كبير من الطلاب النازحين 15% من الكل ممن لم يسجلوا في القوائم، ولم يلتحقوا بالمدارس بطبيعة الحال، كانت مفاجأة بداية العام للطلاب الملتحقين، أن عددًا من المدارس المفتوحة أغلقت أبوابها وأجلت الدوام لأجل غير مسمى، وذلك احتجاجًا على قطع رواتب المعلمين والموظفين من مدينة الموصل، للشهر الرابع على التوالي، هذا إضافة إلى ارتفاع أجور النقل التي تدفع البعض لترك الدوام بعد الشهور الأولى، ومحاولة تقديم الامتحان النهائي الذي أُبيح للنازحين حتى ولو لم يلتحقوا بالدوام النظامي طوال العام الدراسي.
من الجدير بالذكر أيضًا أن المناهج التعليمية ومنذ 2003 في تغير مستمر مما كان له آثار سلبية على سير العملية التعليمية في العراق، حيث إن أغلب المناهج تعتمد مبدأ السلاسل وبالتالي فكتاب اللغة الإنجليزية للمرحلة الإعدادية الثانية مثلاً، يعتمد بشكل كبير على المعلومات الموجودة في المرحلة الأولى، وهكذا، وبالتغيير المستمر غير المدروس للمناهج، حرم الطالب من التدرج الطبيعي في المعلومات التي تؤهله للاستفادة الكاملة منها، هذا إضافة لكون العراق أكثر بلدًا في العالم بعطل رسمية – 150 يوم – في السنة، بالإضافة للعطل غير الرسمية والتي تتعلق بحالة الطقس والظروف الأمنية؛ مما كان له أبرز الأثر على عدم تناسب الوقت الفعلي للدوام وحجم المناهج التي دفعت أاغلب المدارس للفشل بإنهاء المواد المقررة مع نهاية العام، كما وأعلنت وزارة التربية في السنوات الثلاث الماضية قرار “عدم الرسوب” أي أن سجلات الطالب الراسب ومن لم يقدر على الالتحاق بالدوام في تلك السنوات، ستخلو من كلمة “راسب”، من المأمول أن نسمع هذا القرار ثانية هذا العام، فبالتالي وفي نظر الحكومة؛ مالرسوب إلا كلمة قبيحة بخط أحمر ولحسن الحظ سيعفى ابن مدرستنا العراقية منها.
%40 من سكان العراق أميين
اليوم تبلغ نسبة القادرين على القراءة والكتابة في العراق 60% من عدد السكان، أي أن 40% من السكان أميين، وهي أكبر نسبة أمية في تاريخ العراق الحديث، ويمكن اعتبارها الناتج الطبيعي للتدهور الحاصل منذ الحرب الإيرانية العراقية وإلى السنوات القليلة الماضية، أما نتائج ما يحدث الآن في هذه السنوات من تهجير ونزوح ومدارس طينية ومدارس الخيام وقرارات العبور وتغيير المناهج المستمر غير المدروس فسنحصد نتائجه في المستقبل القريب.
الصور من مشروع نينوى اولا التطوعي