في اليمن تدور معركتان متزامنتان: ما بعد التحرير ومعركة استكماله في المناطق التي تدور فيها معارك بدأت قبل أشهر بين قوات الحوثي وصالح من جهة والمقاومة المسنودة بالتحالف العربي من جهة أخرى.
معركة ما بعد التحرير في المناطق الإستراتيجية التي أضحت تحت سيطرة الحكومة الشرعية والقوات الموالية لها وتصل إلى 65% تقريبًا ، تقبض القوات الموالية على منابع النفط والغاز وموانئ التصدير في البلاد.
أضحت مدن حضرموت وشبوة ومأرب وهي مدن غنية بالنفط خارج تحكم المتمردين، فيما تحولت الحكومة من حكومة منفى إلى حكومة تتواجد في الداخل اليمني في عدن ثاني أكبر المدن اليمنية.
الهجمات العنيفة التي ضربت مقرات هامة في عدن ومنها فندق يقيم فيه أعضاء الحكومة الشرعية ومقرات إقامة وحدات عسكرية إماراتية الأسبوع المنصرم، تؤكد صعوبة المعركة التي ينبغي خوضها للحد من مثلها مستقبلًا وتأمين المدن التي تحررت من الانقلاب وعدم السماح بتحويلها إلى مسرح كبير للجرائم.
عودة تنظيم القاعدة للسيطرة على المجمع الحكومي الخاص، بالإدارة المحلية بمدينة “زنجبار” عاصمة محافظة أبين، جنوبي البلاد، مسقط رأس الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، أمر يزيد الأمور تعقيدًا.
وأيًا كانت الاتهامات التي تسوقها السلطة المدعومة من دول الخليج حول تبعية الجماعات المتطرفة لتحالف الحوثي وصالح وبأنها تتحرك بالـ”ريموت كنترول” من الرئيس السابق علي صالح، إلا أن هذه العبارات الممجوجة لا تجد آذانًا صاغية لدى اليمنيين.
“القاعدة” تتواجد أيضًا في حضرموت، وشهدت المكلا عاصمة المحافظة أمس الأول، تظاهرات شعبية لأول مرة في اليمن ضد التنظيم تطالبهم بالرحيل وإفساح المجال لسلطات الدولة للقيام بمهامها، لم يتصد التنظيم للمسيرة السلمية على عكس جماعة الحوثيين التي تجابه مثل هذه الفعاليات بشدة.
سبع محافظات جنوبية ومدينة تعز ومأرب هي مدن تقع تحت سيطرة المقاومة والقوات الموالية لهادي، ينبغي أن تكون عنوانًا لوجود الدولة وورش عمل واسعة في إعادة البناء وتصحيح ما خلفته سيطرة المليشيا من خراب ودمار وإغاثة المتضررين من الحرب، هذه المدن مفتوحة على البحر والجو وبإمكان إيصال الإغاثة إليها ودعمها في كل المجالات، ما عدا مدينة تعز التي تخوض معركتين في آن واحد؛ معركة ما بعد التحرير في وسط المدينة ومعركة التحرير على أطرافها التي تسيطر عليها قوات الحوثي صالح وتفرض عليها حصارًا مشددًا وتمنع عنها الماء والغذاء والدواء.
من المعيب أن تكون الأجواء مفتوحة في مدن محررة، وتشهد أزمات إغاثية وطوابير للحصول على الغاز المنزلي والوقود، وليس من المعقول أن تنتظم جماعة الحوثي في تسليم رواتب عناصر جماعتها فيما يظل مقاتلو الحكومة على الجبهات بدون رواتب لأشهر.
الحالة المليشاوية التي تسيطر على المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة الشرعية، هي ذاتها الموجودة في صنعاء والمناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، وهذا تحد كبير أمام القوات الوطنية والحكومة الجديدة، حيث يقع على عاتقها الإسراع في هيكلة الوحدات الشعبية التي قاتلت إلى جانبها وإدماجها في وحدات الأمن والجيش وعودة المقاتلين من المنتسبين للأجهزة الحكومية إلى وظائفهم.
خلال مؤتمره الصحفي الأخير في مطار عدن الدولي تحدث نائب الرئيس ورئيس الحكومة خالد بحاح عن التحديات المقبلة أمام طاقمه الحكومي والمتمثلة بتحديات سياسية وأخرى اقتصادية وثالثة أمنية، ويبقى الملفان الأمني والاقتصادي هما الأبرز مع زيادة الفقر واتساع البطالة وحاجة الناس الملحة للوقود والمياه النظيفة والغذاء.
ومع بقاء قوة الحوثي وصالح على مسافات ليست ببعيدة من عدن والمدن المحاذية لها في أبين ولحج والضالع، وانتشار الجماعات المسلحة داخل المدن، يبقى الملف الأمني مفتوحًا على مصراعيه بين يدي الحكومة المدعومة من دول الخليج.
بحاح تعهد باستخدام القوة ضد هذه الجماعات المتطرفة في المدن التي تحررت من تطرف الحوثي وصالح والذي اتهمهم بدعم الجماعات الإرهابية الأخرى، وأردف “هذه الجماعات الإرهابية تهاجم جهات معنية ولا تهاجم الحوثيين وصالح، لكنها لم تنفذ هجمات عندما كان الحوثيون يسيطرون على المدينة، وهذه الجماعات موجهة بالريموت كنترول”.
ولعل عودة الرئيس عبدربه منصور هادي إلى جدة بالسعودية لممارسة عمله من هناك بعد زيارة قصيرة إلى عدن، يؤكد حجم التحديات الكبيرة التي تواجه العاصمة المؤقتة؛ مما يجعل من الضرورة الملحة البدء السريع في إعادة مؤسسات الدولة وتفعيلها وأجهزة الشرطة والجيش وانطلاق معركة البناء وإعادة الإعمار.
ملايين اليمنيين في المدن المحررة ينتظرون بفارغ الصبر فارق التغيير في الخدمات والخبز والدواء وإعادة الأمن وعودة الحياة إلى طبيعتها، المواطن الذي انهكه الجوع وهدته الحروب يريد أن يرى خطوات جدية من قِبل الحكومة التي تقترب من إكمال الشهرين منذ وصولها إلى عدن.