العلاقات الروسية السورية علاقات قديمة جدًا منذ استيلاء حزب البعث على السلطلة عام1963، وترسخت تلك العلاقات أيام الرئيس حافظ الأسد الذي عزز الوجود الروسي في المنطقة عندما سمح بإقامة قواعد عسكرية روسية في الساحل السوري، ليقدم خدمة كبيرة للروس الذين كانوا يبحثون عن موطىء قدم لهم في الشرق الأوسط، خصوصًا بعد أن ساءت العلاقات بين الاتحاد السوفياتي ومصر وانعطاف مصر نحو المعسكر الغربي بقيادة أمريكا في ذلك الوقت.
فكانت القاعدة الروسية في سوريا على شاطىء أهم بحر من بحار العالم البحرالمتوسط ، ونقطة انطلاق منها إلى الأطلسي وباقي بحور العالم.
ومع تطور الأحداث في المنطقة عمومًا وفي سوريا خصوصًا وما يسمى بالربيع العربي الموجة الثورية الشعبية التي أصابت المنطقة، وتحول الصراع في سوريا إلى صراع مسلح والتدخل العسكري الروسي المباشر فيه والموقف.
يطرح كل ذلك تساؤلًا حول إذا كانت روسيا ستكرر تجربتها في أفغانستان أم لا؟ مع أن الأمر بات واقعًا، والأهم من هذا، هل ستتخلى روسيا عن الأسد في سبيل أي تسوية يمكن أن تُفضي إلى حل أم ستقف معه حتى الرمق الأخير، فإما ينتصر الاثنان أو ينكسرا، أم ستتخلى عنه كما تخلت عن حفيظ الله أمين وبابراك كارمال ونجيب الله في أفغانستان؟
ففي مقارنة بسيطة بين الدولتين، أفغانستان عمليًا دولة لم يستفد الروس من غزوها في شيء، فلا هي دولة حيوية لها شطئان ولا دولة غنية بالثروات ولا هي ذات عمق استراتيجي فهي محاطة بمجموعة من الدول الخاضعة تحت إدارة موسكو مباشرةً في ذلك الوقت، وما دخول أفغانستان إلا جولة من جولات الحرب الباردة وبالمفهوم العامي “عربدة”، وبالتالي التخلي عن أي واحد فيها لن يؤثر على المصالح الاستراتيجية لموسكو.
أما سوريا فالوضع جد مختلف ومختلف تمامًا، فسوريا تتميز بموقعها الاستراتيجي في وسط العالم وقربها من أوروبا وشواطئها على المتوسط وثرواتها الطبيعية من نفط وغاز وخصوبة ترتبتها، ما يجعلها كنزًا ثمينًا لايمكن أن يُتخلى عنها بسهولة إلا في حالة واحدة وهذا لم يتحقق، فلو وافق القذافي على بناء قاعدة روسية في ليبيا ولو قبلت الجزائر قاعدة روسية على أراضيها لتركت سوريا منذ زمن بعيد، ولكن سوريا والقاعدة العسكرية فيها آخر ما تبقى لروسيا في العالم من قواعد بعد القرم.
وللإجابة عما سبق من تساؤلات إن كانت ستكرر تجربتها في أفغانستان أقول نعم فلا مشكلة لديها مادام ذلك يخدم مصالحها، وهل ستتخلى عن الأسد مقابل أي تسوية؟ في الوقت الحالي لايمكن أن تتخلى عن الأسد في ظل أي تسوية لا تضمن بقاء مصالحها ولن تجد أفضل من الأسد يضمن لها مصالحها، خصوصًا وأن الساحل مركز ديموغرافي كبير لطائفة الأسد ويحظى بدعم قوي بدون منافس في طائفته القابعة في الساحل.
إذن فإن بقاؤه هو الضمانة الوحيدة لها وستقف معه حتى الرمق الأخير ولو اضطرت إلى خوض مجابهة كبرى وعقد تحالفات، ولو اضطر الأمر إلى خوض حرب عالمية وستقتل معه حتى الرمق الأخير.
وقد حدث ذلك بالفعل من خلال الدعم الإيراني الصيني الكوري شمالي وإرسالهم التعزيزات والدعم لروسيا، فروسيا لاتحضر إلى معارك صغيرة بقدر ما تحضر إلى أي مواجهة كبرى محتملة بإرسالها صواريخ مضادة للطائرات إلى سوريا في إطار تحالف استراتيجي يسعى إلى فرض منطق القوة وبالقوة والهيمنة في المنطقة وتحسبًا إلى أي تطور جديد في الأوضاع وهذا يعني أن بوارق الأمل في أي انفراج سياسي يحل الأزمة في سوريا بات بعيد المنال تمامًا.