يبدو أن جمهورية الصين الشعبية، تريد تشييد حصان تروادا جديد، في الدولة الحديثة لمكان حصان تروادا القديم، ولكن مهمة تروادا هذه المرة ليست اختراق مدينة محصنة، وإنما اختراق واحدة من أهم القوى العسكرية في العالم.. حلف الناتو، وذلك عبر ثاني أقوى جيش في الحلف، وهو الجيش التركي.
فتركيا أعلنت قبل أسابيع عن اختيارها لنظام دفاع إف دي-2000 الصاروخي من شركة “تشاينا بريسيشنماشينري” الصينية، بقيمة مبدئية تقدر ب3.4 مليار دولار، رافضة بذلك عروضا من شركات مقربة من حلف الناتو، مثل شركة ريثيون الأميركية المصنعة لصواريخ باتريوت، والتي قدمت عرضا بقيمة 4 مليار دولار.
ولا يستبعد أن تكون تركيا قد اختارت الشركة الصينية بسبب التكلفة المنخفضة نسبيا، ولكن الغموض يحوم حول السبب الذي يدفع تركيا بالأساس لشراء نظام دفاع صاروخي، في الوقت الذي تمتلك فيه حماية جوية عبر رادارات حلف الناتو، وعبر بطاريات صواريخ باتريوت شديدة التطور، التي حصلت عليها مجانا بعد مطالبتها لحلف الناتو بالحصول على منظومة دفاع صاروخي لحماية نفسها من تهديدات النظام السوري وحلفائه لتركيا بقصفها بالصواريخ.
فإن كانت تركيا –حقا- في حاجة إلى منظومة دفاع صاروخي إضافية لحماية نفسها، فإن الباتريوت هي المنظومة الأنسب والأكثر نجاعة، مع العلم بأن حلف الناتو سيقدم –مجبرا- الدعم العسكري اللازم لتركيا في حال تعرضها لأي هجوم عسكري من قبل النظام السوري أو أي دولة أخرى، مما يجعل فرضيات أن تكون تركيا قد اختارت الشركة الصينية بسبب العرض المادي المنخفض نسبيا غير منطقية، ويرجح فرضيات أخرى من قبيل رغبة تركيا في الحصول على استقلاليتها عن حلف الناتو أو قيام تركيا بتشييد حصان تروادا صيني داخل حلف الناتو.
عسكري تركي، أكد لنا، أن المنظومة الصينية متطابقة بشكل كبير مع المنظومة الروسية، وهي بالتالي مخالفة بالكامل للمنظومة الغربية، ولمنظومة الباتريوت ولرادارات الناتو الموجودة في تركيا، وهو ما سيجعل عملية تشغيلها بالتوازي معقدة جدا، وسيجعل الأتراك والصينيين يعملون لفترة طويلة لإعادة برمجة بعض خاصية المنظومة الصينية حتى لا تتضارب مع منظومة الناتو.
ويذكر أن تركيا مضت في اختيارها للشركة الصينية رغم علمها بهذه التعقيدات التقنية التي ستحتاج وقتا طويلا وتكلفة كبيرة، ورغم تحذيرات الرئيس الأمريكي باراك أوباما لرئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، من هذه الصعوبات ومن إمكانية فشل التقنيين في المواءمة ما بين المنظومتين.
وحتى في حال نجاح التقنيين الأتراك والصينيين في المواءمة ما بين المنظومتين، فإن دولا أعضاء في حلف الناتو، تجمعها علاقة عداوة مع الصين، سوف تعترض على دمج منظومة عسكرية صينية متقدمة ومتطورة جدا مع منظومة الناتو، حيث قال أحد المحللين العسكريين أن “بعض أعضاء حلف الناتو سيرفضون التعاون مع تركيا أو مساعدتها لتمكينها من دمج المنظومة الصينية”.
في حين قال خبير بريطاني آخر لصالح صحيفة الفينانشال تايمز أن “عملية الدمج هذه تتطلب نقل التصميم التقني لمنظومة الدفاع الخاصة بالناتو لصالح الصينيين، وهو ما لا يمكن أن تقبله الشركات الأمريكية”، مشيرا إلى أن “عمل المنظومة الصينية يعني أن يعمل عسكريون وتقنيون صينيون بالقرب من الناتو، وهو ما سيمنح المخابرات الصينية موطئ قدم داخل حلف الناتو”.