أتحدث هنا عن بعضنا أو جلنا، عن جيل يحب الحياة والحرية، عن جيل أُرهق رغم صغر سنه من خذلان الحكام وعبادتهم للغرب، جيلٌ يفكر ألف مرة قبل الهجرة من وطنه.
أكتب عن جيل يتعرف على بلده بزيارة آثارها، يقرأ التاريخ ليكتشف حجم الكذب والتعاسات التي كانوا يجملونها لنا، كما يؤمن بأن فلسطين هي الطريق، أكتب عن جيل يحاور ويناقش بعيدًا عن عبارات “الحيطان إلها آذان”.
أتحدث هنا عن جلسة أصدقاء يحتدم فيها النقاش ليعرض كل منهم رأيه في قضية ساخنة تحدث حولنا، ونتحدث حولها، عن من يبدع ويخترع ويحاول صنع مستقبله، أو من يعمل ويدرس في آنٍ واحد، عن من يبحث عن لغة ليتعلمها ومعاهد موسيقية يلجأ لها بعيدًا عن “الفن” المنتشر في كل مكان ولأيٍ كان.
جيل يُفضل أم كلثوم ونجاة الصغيرة على شاكيرا، إذا تحدثنا عن أغانيه المفضلة، فهو جيل يكرس وسائل التواصل الاجتماعي ليبحث ويطور من ذاته ويجعلها منصة لطرح الآراء والأفكار، حيث لا صغار ولا كبار.
أتحدث عن جيل يتعمق بالإنجيل والقرآن، جيل يعرف الروايات جيدًا ويميز رائحة الكتب في زمن الحرب، إذ أنه جيل يخلق الفرص والمبادرات في زمن لا يعرفها، فيدفع بكل ما فيه في سبيل التغيير.
هذا الجيل ربما يتغيب عن جلسات العائلة والأصدقاء في سبيل إسعاد طفل يتيم، أو قراءة صحيفة لمسن ينتظره هنا أو هناك، ليحدثه عن ذكرياته، وآخر يذهب إلى المستشفيات في محاولةٍ منه لينسي ذاك المريض معاناته.
أتحدث في تدوينتي تلك عن جيل فلسطين، عن شباب ولد في زمن “السلام” والتنازلات، وقد كفر بها اليوم، هو جيل لم يعد يؤمن باتفاقيات ومصالحات، جيل يعشق المخيمات، وأزقتها وحاراتها، جيل يترنم على صوت الخطابات الثورية، وليس غيرها.
ذاك الجيل الذي تجده أول من يبني صفوف الاعتصامات والمظاهرات. أتحدث عن جيل يؤمن بأرضه، ويحلم ببحر عكا وبرتقال يافا وبياراتها، يحلم بمشوار في أزقة القدس، وصلاة في كنيسة المهد والمسجد الأقصى.
عن جيل يحتفظ بصور ليلى خالد، وجورج حبش في زوايا غرفته، جيل يحفظ عن ظهر قلب قصائد درويش ومظفر النواب وأحمد مطر، عن جيل يشاهد جميع محطات الأخبار ليبحث عن الحقيقة في الوقت الذي غُيبت عنه.
حديثي هنا عن جيل يعقد جلسات لمناقشة الكتب وأفلام، ذاك الذي نريد. ذاك الذي قالوا له: “اسكت شو بفهمك شو بطلع منكم”، هو نفسه الجيل المحاط ببرامج سوبر ستار وأراب أيدول والأغاني التي لم تعد أغاني، والمسلسلات التي لا تنتهي.
وهو ذاته من يبحث عن أحدث قصات الشعر والملابس، نفسه جيل الفيسبوك وتويتر، اعتقدتم تلك هي حدوده، في رأي البعض قد أكون بالغت، لكن انظروا من حولكم وتأكدوا أنه هو الجيل ذاته.