اهتمت إسرائيل بإنشاء علاقات جيدة ومتميزة باتجاه الجمهورية الروسية، لاسيما وأن تقييماتها تتم على أساس مصلحتها القومية، والتي غالبًا ما تحرص على أن تكون مكفولة، وسواء كانت من خلال الضغط باتجاه حاجات روسية، أو نتيجة ذكاء إسرائيلي فائض، في أن تجعل نوع من الانسجام يؤدي إلى شراكة إستراتيجية.
فهي ترى نفسها من جهة، القوة الكبرى والمؤثرة، التي تنير العالم بسياساتها العميقة، وباعتبارها من جهةٍ أخرى، اللاعب القوي والوحيد، الذي باستطاعته ممارسة هواياته في الحديقة الخلفية لموسكو، من خلال الإبلاغ عن نوايا حقيقية، تتعلق بتقديم أسلحة ومعدات تكنولوجية حديثة إلى أوكرانيا وجورجيا وغيرهما.
في كل جولة، كان يقوم بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو إلى موسكو، كان نادرًا ما يعود مكسور الخاطر، وحتى في حال اضطرار الروس إلى تسويغ انحرافات ضد رغباته الجامحة، والخاصة في الشأنين الإيراني والسوري.
فحتى روسيا حين حزمت أمرها إلى جانب الاتفاق النووي، بسبب عدم قناعتها كفاية، بأن هناك تهديدات حقيقية لإسرائيل، إضافة إلى أن مكاسبها المادية باتت ضرورية جدًا في هذا المجال، خاصة وأن أسعار النفط غير ثابتة، وبإمكان أي جهة مُعادية زلزلتها إلى الحضيض، كما حدث خلال الفترة الماضية، حين قامت واشنطن بتبوير النفط وخسف أسعاره، كانت ترى أن لا مناص من تمكينه – نتانياهو – ببعض الإنجازات، باعتبارها بنود مهمة، يحق من خلالها أن يعتبرها نجاحات عملاقة.
فمثلما حصل في السابق، وتم إقناعه لروسيا، بتقويض أو تأجيل صفقة الصواريخ الروسية S – 300 التي كان من المقرر تسليمها للمؤسسة العسكرية الإيرانية قبل عدة أعوام من الآن، فقد تمكن من إلزامها وفي ظل تعزيز حضورها العسكري في سوريا، بأن تأخذ الاحتياجات الإسرائيلية السياسية والأمنية بعين الاعتبار وبجديةٍ أكبر، عند تنفيذ سياساتها في الميدان السوري.
هذا إلى جانب الحصول على تعهدات روسية بتفهم التحركات العسكرية الإسرائيلية في المناطق السورية والسماح باستغلال الوجود الروسي داخلها، بغية التنسيق الاستخباراتي بينهما، من أجل تفادي أي سوء تفاهم أو صدامات غير مقصودة، قد تنجم في المستقبل، حيث كان يتخوف من تأثير الدور الروسي على حرية حركة ونشاطات سلاح الجو الإسرائيلي العسكرية في المنطقة.
بما يعني سماح روسيا بغارات إسرائيلية ضد أهداف سورية، وإن كان بحجة مكافحة إرسالات السلاح باتجاه حزب الله اللبناني، كونها تتم بإشراف إيراني، وهذا ما تم بالفعل خلال الأيام الماضية، حيث أغارت إسرائيل وبراحة تامة، على أهداف متفرقة تابعة للجيش السوري.
إسرائيل وبرغم كل ما تقدم، فإنها لا تخفي شعورها بالقلق من زيادة التواجد الروسي، والدور التسليحي للجيش السوري بأحدث أنواع الأسلحة، وفي ضوء شعورها بتناقص الدور الأمريكي في سوريا والمنطقة، لكنها ستمضي في جعل نفسها شريكة حقيقية لروسيا، وسواء كان في المصالح أو الغايات أيضًا، برغم التناقض – الظاهري – بشأن الغاية الكبرى والمتعلقة بمصير نظام “بشار الأسد” باعتبارها هي السائدة لدى جهات عدة إقليمية ودولية.
ويسهل عليها الأمر، حين مشاهدتها لروسيا في أنها تتفهم احتياجاتها باتجاه سوريا، وفي أنها لا تمانع تمامًا في مسألة الاستغناء عن “الأسد” ولكن لديها ضوابط يجب احترامها، حتى برغم الخطوة الروسية العسكرية داخل سوريا، والتي تستهدف مقاتلة الدولة الإسلامية (داعش)، وبالتالي إنقاذه من الانهيار، وإعادة سيطرته على الأمور، ويزيد الأمر سهولة هو أن إسرائيل لا تُطالب كل الوقت بضرورة تقويض حكمه، باعتباره مألوفًا لديها، وأفضل مائة مرة من آخر غير مألوف.
وبالمقابل فإن روسيا، وبرغم إعلاناتها عن انتقادها، وإبداء ملاحظاتها بالنسبة لجملة السياسات الإسرائيلية ضد سوريا بذاتها، لكنها وكما يهمها تحدي التوازن الغربي في المنطقة وكسر الشوكة الأمريكية وبوساطة إسرائيلية تحديدًا، فإنه يهمها بنفس الدرجة تقريبًا، بأن تبقى إسرائيل قوية، وحتى دون أي مراعاة لجهات عربية وإيرانية، وذلك من أجل ثقتها بأن إسرائيل قادرة على الحفاظ على مصالحها كشريكة إستراتيجية، ولإدراكها بأن مئات الآلاف من سكان الاتحاد السوفياتي السابق ينطقون بالروسية في إسرائيل ويزاولون ثقافاتها أيضًا.