اختارت مجلة الإيكونوميست المرموقة، والتي تعد أهم مجلة أسبوعية في العالم، أن تركز في عددها الأخير (أكتوبر 10ــ16) على الشأن المصري عن طريق نشرها موضوعين كاملين عنه، جاء الموضوع الأول في الجزء الافتتاحي من المجلة، وجاء الموضوع الثاني في القسم الخاص بالشرق الأوسط وأفريقيا، وينتقد الموضوعان الأوضاع السياسية داخل مصر، سواء فيما يتعلق بسجل الحريات والديمقراطية وأوضاع حقوق الإنسان، أو فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية القادمة ودور الليبراليين المصريين فيها، إضافة إلى انتقاد صريح لطريقة إدارة الرئيس السيسي لمؤسسة الحكم، وبعدما ظن البعض أن انتقادات الإعلام العالمي أصبحت حكرًا فقط على صحيفتي الواشنطن بوست والنيويورك تايمز ضمن مؤامرة مخطط لها من المخابرات الأمريكية، فاجأت أعرق مجلات العالم النظام المصري بانتقادات غير مسبوقة تماثل، إن لم تتخطَ، تلك التي تذكرها الصحف الأمريكية.
جاء عنوان الموضوع الأول حادً: “عودة فارغة للديمقراطية”، في حين كان العنوان الجانبي أكثر حدة: “السيسي يقود مصر إلى طريق مسدود”، وذكرت المجلة أن السيسي أكثر قسوة مما يحتاج إليه وأشد قسوة حتى من مبارك، وترى المجلة أن مصر “ليست استثناءً ضمن الدول التي يصل فيها جنرال للحكم، ثم يعد بالعودة سريعًا إلى دولة الحكم الديمقراطي المدني، وللأسف عادة ما لا يتم العثور على مدني مناسب، لذا يقوم الجنرال بتبديل زيه العسكري بآخر رسمي، ويسحق المعارضة ثم يبدأ في بناء برلمان طيع”، وتضيف المجلة “سار عبدالفتاح السيسي، الرجل القوي في مصر، في هذا الطريق المعروف، لكنه لن يفعل شيئًا لحل مشاكل مصر الكثيرة، بل ربما يقود مصر إلى أزمتها المقبلة”.
وأشارت المجلة إلى أن “الكثير من المصريين سعداء بما فيه الكفاية، فمع متابعتهم للفوضى والدماء المراقة في سوريا وليبيا، يبدو أن حكم السيسي ليس سيئًا”، إلا أنها أشارت أيضًا إلى أن الحقيقة بسيطة، وأثبتت مرات عديدة، وهي أن الجنرالات غير جيدين في إدارة الحكومات، وإلى الآن السيسي ليس استثناءً، في حين هاجم الموضوع الثاني الليبراليين المصريين بشدة، وجاء تحت عنوان: “الحالة الحزينة لليبراليين مصر”، واختارت المجلة جملة “من بقى للكفاح من أجل الديموقراطية؟” كعنوان جانبي، وقالت الإيكونوميست أصبح الليبراليون عاجزين عن منع مصر من العودة للنظام الاستبدادي مرة أخرى، فالسيسي الذي قام بانقلاب من أجل الحفاظ على الديمقراطية، قام بخنق أصواتهم فيما بعد، وتضيف المجلة معظم السجناء السياسيين هم أعضاء لجماعة الإخوان المسلمين، والتي قام السيسي بحظرها، ولكن هذا لا يفيد الليبراليين في الانتخابات، والذين يتوقع أن يكون وجودهم ضعيفًا”.
وجاءت انتقادات الإيكونوميست لتربك المدافعين عن النظام المصري سواء من المتحدثين الرسميين لأجهزة الدولة أو للصحف الحكومية، وربما يعود السبب في ذلك إلى ما حدث خلال شهر أغسطس الماضي، فقبيل افتتاح مشروع تفريعة قناة السويس استعانت الحكومة المصرية بمجلة الإيكونوميست للترويج للمشروع الجديد، ولِمَ لا؟ وهي المجلة الأهم في العالم، إذ توزع أسبوعيًا 4.59 مليون نسخة مطبوعة يطلع عليها نخبة الكوكب الأرضي من رجال مال وأعمال، وصانعو القرار في أهم عواصم العالم، كما يزور موقعها الإلكتروني 2.7 مليون شخص يوميًا، ونشرت المجلة على غلافها صورة للتفريعة إلى جانب وجه الرئيس السيسي، ونشرت ملحق من 7 صفحات تحت عنوان “هدية مصر إلى العالم”، وتباهى مؤيدو النظام بمجلة الإيكونوميست، وتجاهلوا الإشارة إلى تفصيل أساسي، أوردته المجلة نفسها أسفل الغلاف، ونصه “وفقًا لاتفاق خاص هذا الغلاف الدعائي المدفوع وضع على عدد محدود من النسخ، ولا تلزم المجلة بأي رأي أو موافقة على المضمون”، واستشهدت حينذاك الأهرام، وهي الصحيفة الحكومية الأهم، بما جاء في ملحق مجلة الإيكونوميست، خاصة الإشارة لسعة قناة السويس بعد التجديدات والتوسيعات.
ما زال الإعلام الخارجي يمثل حلقة صعبة وعصية على النظام المصري منذ سيطرة الجيش على الحياة السياسية في الثالث من يوليو 2013، ورغم جهود أجهزة الدولة، وإعلامها الرسمي المقروء والمرئي، ورغم دعم الحليف الخليجي لحملات ضارية للتجميل شارك فيها إضافة لجهود السفارات المصرية، عدد من منظمات اللوبي وشركات للعلاقات العامة، من أجل تغيير طريقة رؤية العالم، وخاصة واشنطن ووسائل الإعلام الأمريكية، لما جرى ويجري في مصر، إلا أن هذه الجهود لم تفلح في تغيير الصورة التي تركز أولاً على سجل الحريات وحقوق الإنسان واستمرار القمع الأمني المتزايد لكل من يعارض النظام المصري، لا تمر مناسبة إلا وتظهر أجهزة الدولة انزعاجًا وعصبية زائدة من طريقة تناول الإعلام الدولي، والأمريكي بالأساس، للشأن المصري، وظهر هذا أخيرًا بوضوح في قضية قتل السياح المكسيكيين، وقضية الفاصل المائي بين سيناء وغزة.
قبل سفر السيسي لحضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، خرجت إحدى الصحف تطالبه بعدم قراءة صحف السي آي إيه أثناء تواجده بمدينة نيويورك، وسمت الصحيفة واشنطن بوست ونيويورك تايمز، ووصفتهما بصحف الباب الدوار التي تستخدمها المخابرات الأمريكية للترويج لحرب الأكاذيب، وقبل أسبوع خرج “رأي الأهرام” مهاجمًا نفس الصحيفتين بسبب ما تراه الأهرام من عدائهما للحكومة المصرية ولثورة 30 يونيو تحديدًا، وأدعت الأهرام أن هاتين الصحيفتين لا تمثلان بحال من الأحوال توجهًا عامًا في الإعلام الغربي، وفضلت الأهرام (الصحيفة الحكومية الأهم) أن تستشهد بافتتاحية جريدة اليمين المتصهين الأمريكي “واشنطن تايمز” يوم 28 سبتمبر، والتي جاء عنوانها: “أخبار سارة في مصر”، وأشارت الأهرام كذلك لما نشره كاتبان من معهد واشنطن للسياسات الشرق الأدنى المقرب من أهم منظمات اللوبي اليهودي بأمريكا، آيباك، على صفحات جريدة “ذا هيل” المعنية بشؤون الكونجرس وركزا فيها على أهمية العلاقات الإستراتيجية بين القاهرة وواشنطن.
المصدر: الشروق المصرية