يسير النظام المصري في نفق اقتصادي مظلم، لا يدري أحد نهايته، ملامحه قروض وخسائر وعجز بالموازنة وخلل كبير في الاقتصاد، البعض يرى أن تأثير ذلك الظلام والتخبط لن يصيب إلا الفقراء فيما يرى آخرون أنه فخ سبق ووقعت فيه دول شرق أسيا وتسير مصر على دربها.
قروض مصر الأخيرة من البنك الدولي
ووفقًا لإحصائيات البنك الدولي في تقريره السنوي الصادر لعام 2015 فإن مصر في قائمة أكبر عشر دول تحصل على قروض من البنك، حيث حصلت مصر على قرضين كبيرين، الأول للإسكان بقيمة 500 مليون دولار والثانى بقيمة 400 مليون دولار لشبكة الأمان الاجتماعي، إلى جانب قرض ثالث لزيادة سبل الحصول على الغاز الطبيعي.
ويضاف إلى القروض السابقة القرض الذي وقعه البنك يوم 4 أكتوبر الماضي مع مصر بقيمة 550 مليون دولار، والذي أعلن أن الهدف منه تحسين خدمات الصرف الصحي، وأخيرًا القرض الذي وافق عليه البنك أمس الخميس بقيمة 3 مليار دولار بهدف سد عجز الموازنة.
وعلى الرغم من الإعلان عن القرض الأخير إلا أن عددًا من الاقتصاديين أكدوا وجود خلل في الإعلان عنه؛ فالبنك الدولي لا يقدم قروضًا لإصلاح أو لدعم ميزانيات الدول، ولا يقدم قروضًا لمساندة العملة الوطنية، مضيفين أن البنك يقدم فقط قروضًا لمشروعات بشروط دقيقة.
ويشير الاقتصاديون أن القروض ترتبط بشروط متعلقة بالسياسات الاقتصادية الخاصة بالدول التي تحصل عليها وأبرز تلك الشروط:
شروط البنك الدولي
يضع البنك الدولي عادة عدة شروط تتعلق بالسياسات الاقتصادية بالدول التي تحصل على قروض منه، أغلبها تتعلق بإجراءات تقشفية تؤثر في المقام الأول على الفقراء، قبل غيرهم، وهو ما أشار إليه الدكتور فخري الفقي، المدير السابق بصندوق النقد الدولي أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة، في تصريح صحفي، حيث أكد الدكتور فخري أن الصندوق يشترط تطبيق برنامج إصلاح اقتصادي واجتماعي، ما يعني رفع أسعار السلع والخدمات وأسعار الطاقة، وهو ما قال محللون اقتصاديون إنه سيتحمله المواطن المصري البسيط، والأجيال المقبلة.
يأتي ذلك في ظل إحصائية نقلها جهاز الإحصاء المصري كشفت أن المصريين يعيشون على 1.3 دولار، وأن 4 ملايين مصري يعانون “الفقر المدقع”.
وكانت مصر قد رفضت شروطًا وضعها البنك الدولي من أجل قروض مشابهة عام 2011، وعلق حينها هشام رامز، نائب محافظ البنك المركزي آنذاك، قائلًا: “لن نتلقى بالقطع تعليمات من أي جهة، سنضع البرنامج الذي نراه في صالح مصر، لن نتلقى أي تعليمات”.
كما وصف دبلوماسي أوروبي لموقع الجزيرة آنذاك الشروط التي يضعها البنك الدولي للاقتراض بالشروط الصعبة نظرًا لما يطلبه من إجراءات إصلاحية، وأشار الدبلوماسي حينها أن صندوق النقد الدولي يطلب عادة أن تتعهد مصر بإجراءات لخفض عجز الميزانية.
مصر على طريق دول شرق أسيا
تجاوز البعض شروط النقد الدولي ليحذر من تأثير القروض بعيدًا عن ارتباطها بالتقشف، محذرين من فخ وقعت فيه دول شرق أسيا بسبب قروض البنك، حيث أشار الاقتصاديون في تقرير نشر عام 2013 بجريدة الحياة السعودية أن مشاريع البنية التحتية المقترحة من البنك الدولي والتي يدعمها بالقروض لتنفيذها في مصر غير مجدية اقتصاديًا.
تلك التحذيرات أكدها حينها الاقتصادي الدكتور عبدالرحمن الصنيع حيث قال إن ما حصل في أسيا سيحصل في مصر، وأضاف صنيع أن “المشاريع التي يحددها البنك الدولي لهذه الدول غير منتجة كتطوير البنية التحتية والطرق وخلافه، وغالبية هذه القروض قصيرة المدى وذات فوائد، وعندما يحل موعدها ستضطر للاقتراض ثانية لتسديد القروض السابقة، وتغرق في دوامة التسديد للبنك الدولي”.
واتفق الخبير الاقتصادي الدكتور محمد شمس أن الدول التي تقترض من البنك الدولي تتبع السيناريو نفسه، الذي رسمه البنك الدولي لمثيلاتها في الأزمة الأسيوية عام 1997 (ماليزيا، تايلاند، كوريا الجنوبية والفيليبين) التي لم تخرج من الفخ حتى الآن، “باستثناء ماليزيا التي حظيت برجل اقتصادي مهاتير محمد، ويجب أن تسعى هذه الدول لئلا تظل رهينة للبنك الدولي، وأرجو أن تضع سداد قروضها كأولوية قصوى”.
يذكر أن القروض الأخيرة التي حصلت عليها الحكومة المصرية تتعلق بمشاريع البنية التحتية التي حذر الاقتصاديون من القبول بها في عام 2013.
الحكومة المصرية تبدأ الإعلان عن إجراءاتها التقشفية
يبدو أن الحكومة المصرية لم تضيع وقتًا، وبدأت بالتمهيد لتنفيذ سياسات البنك الدولي في مصر والتي ستؤثر بلا شك في الفقراء أكثر من غيرهم، فخرجت تصريحات من الوزراء وأنباء عن تحركات اقتصادية تشي بقرب البدأ في تلك السياسات.
وكانت أبرز تلك التصريحات تصريح لوزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي توجهت به لأكبر فئة تحتاج للدعم في مصر، وهي فئة أصحاب المعاشات، وذلك عقب ساعات قليلة من الإعلان عن القرض أكدت فيه أنه لا يمكن للحكومة أن تستمر في تحمل سداد أموال المعاشات، وقالت “الوالي” في تصريحها إن الحكومة المصرية ستعمل على إصلاح جذري وحقيقي لمنظومة المعاشات في مصر.
وأشارت الوزيرة إلى أن الوزارة تعمل حاليًا على جمع كل التشريعات والقوانين المتعلقة بمنظومة التأمينات والمعاشات لإعداد قانون جديد موحد لتنظيم تلك العملية.
لم تقتصر التصريحات على وزيرة التضامن الاجتماعي فسرعان ما لحق بها المهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية، حيث قال في مؤتمر أخبار اليوم الاقتصادي أمس الخميس إن إعادة تسعير الطاقة بمكوناتها (البنزين والسولار والغاز)، باتت حاجة ضرورية ومُلحة.
وأضاف الملا أن الحكومة لا تزال تدعم المنتجات البترولية، التي تضخ للمواطنين بالسوق المحلية حتى الآن، بالرغم من تراجع أسعار النفط العالمية لأكثر من 50%، مضيفًا: سعر لتر السولار وبنزين فئة 92 يُكلف الدولة 4 جنيهات، في حين يتم بيعه للمواطنين بنصف الثمن تقريب، وتعد تصريحات الملا إعلان صريح عن توجه الحكومة المصرية لإلغاء دعم البنزين بشكل كامل.
وعلى الرغم من أن الصورة في قرض مصر الأخير من البنك الدولي حتى الآن غير واضحة، إلا أن المؤكد حتى الآن أن هناك قروض سابقة أقربها الذي اتفقت عليه مصر في الرابع من أكتوبر الجاري، ويبدو أن أثارها على المصريين وعلى الاقتصاد ستظهر قريبًا.