مخرج الأفلام الوثائقية الإيراني، هاني بقباني، نُقل خبر مقتله في سورية منتصف شهر أغسطس الماضي، دون ذكر أي تفاصيل، ودون الإجابة عن أسئلة بديهية من قبيل كيف ولماذا وماذا كان يفعل، حيث اكتفت وسائل الإعلام العالمية بنقل ما ذكرته وكالة أنباء فارس بأن “مدنيا إيرانيا قتل في سورية في كمين نصبه مقاتلو المعارضة عندما كان يصور فيلما وثائقيا حول الجيش السوري”.
لواء داوود، المقاتل في صفوف المعارضة السورية، مدَّ شبكة بي بي سي بمقاطع فيديو عالية الجودة صورت بعدسة هاني بقباني، وقام فريق صحفي عالي الخبرة، ومتخصص في هكذا تحقيقات، بتحليلها مثبتا – دون أن يترك مجالا للشك- حقائقا عديدة، من بينها أن هاني بقباني لم يكن مدنيا، وأن هاني بقباني كان يحمل في يده كلاشنكوف لحظة مقتله برصاص لواء داوود.
مدير المخابرات الإيرانية في سورية، إسماعيل علي تقي حيدري، الذي نقل خبر مقتله منتصف شهر أغسطس، فات وسائل الإعلام أن حيدري قتل في نفس اليوم الذي قتل فيه هاني بقباني، لتعود شبكة بي بي سي اليوم، وتثبت أن هاني بقباني، كان في مهمة خاصة في سورية، تتمثل في تصوير فيلم وثائقي عن كتيبة عسكرية إيرانية يقودها إسماعيل حيدري، وذلك لصالح القيادة العليا للحرس الثوري الإيراني، ولتثبت أيضا – بالفيديو والصور والمستندات- أن بقباني وحيدري قتلا في نفس المعركة.
وأهم ما كشفته الفيديوهات التي عثر عليها لواء التوحيد داخل آلة التصوير الخاصة بهاني بقباني، هو الدليل القطعي، الذي لا يمكن لعاقل أن ينكره، عن وجود قوات عسكرية إيرانية في سورية، وهو الأمر الذي لا تزال القيادة الإيرانية تنفيه مؤكدة بأن وجودها يقتصر على النصيحة والمشورة.
أحد مقاطع الفيديو، التي بثت لأول مرة على بي بي سي، ألتقطت داخل غرفة للاتصالات، تظهر فيها أجهزة اتصالات كثيرة يقوم باستخدامها عسكري إيراني.. ورغم غضب العسكري الإيراني من حمل هاني للكاميرا داخل الغرفة التي يمنع فيها التصوير، إلا أنه لم يتمكن من إخراجه، بسبب حمله لبطاقة تمنحه صلاحية التصوير في أي مكان وتمنع الإيرانيين كما السوريين من التضييق عليه.
في أحد المقاطع الأخرى، ظهر حيدري، وهو الشخصية الرئيسية في الفيلم الذي كان هاني يعده، وهو يفسر لهاني رؤيته للصراع القائم في سورية قائلا: “في صفنا نحن يوجد السيد حسن نصر الله، توجد إيران، معنا مجاهدون من إيران، مجاهدون من العراق ومن لبنان، معنا أيضا مجاهدون من أفغانستان..”، ثم أضاف: “في صفهم هم من يوجد؟، إنها إسرائيل، السعودية، قطر، تركيا، أميركا، فرنسا.. كل هذا يظهر أننا في جبهة الحق”.
ومن النقاط التي لفتت انتباه المحللين الذين استعانت بهم بي بي سي، هي أن حيدري ومساعديه يتقنون اللغة العربية، وهو ما يعني –حسب المحللين- أنهم ذوو خبرة في العمل في الدول العربية، في لبنان والعراق وفي غيرهما، كما لم يستبعد المحللون أن تكون الوظيفة الأساسية لحيدري هي تدريب المليشيات العربية، وهو الأمر الذي أكدته مقاطع فيديو أخرى.
ففي مقطع فيديو آخر يظهر حيدري وهو يزور معسكر تدريب، يشرف عليه إيرانيون، ويتدرب فيه سورييون معظمهم من العلويين والشيعة وبعضهم الآخر من المسيحيين، وذلك لتخريج مليشيات جديدة تابعة لما بات يسمى ب”جيش الدفاع الوطني”.
وفي آخر المشاهد التي بثتها بي بي سي، صور هاني البقباني خروج المجموعة التي كان معها إلى منطقة وصلتهم معلومات أن قوات المعارضة ستتجه إليها، وهناك ظهر هاني البقباني وهو يحمل كلاشنكوف، كما صور المجموعة الإيرانية وهي تعد أسلحتها وعتادها المتطور للإطاحة بمجموعة المعارضة –لواء داوود-، غير أن النهاية كانت لصالح المجموعة المعارضة، حيث قتل هاني وهو يصور المعركة، وكذلك حيدري وعدد من أعضاء المجموعة.
ما لم تنتبه له شبكة بي بي سي ومحللوها، هو الغاية الحقيقية لقيام الحرس الثوري بتصوير توجه قوات إيرانية إلى سورية، وتصوير المعارك التي خاضوها، وتصوير تفاصيل حياتهم في سورية وحتى غرف نومهم، وتصوير قادة إيرانيين وهم يتجولون في أحياء سورية ويفسرون رؤيتهم للصراع وما إلى ذلك، هو أن هذه الفيديوهات، بالإضافة إلى استخدامها حاليا في السر لتقييم الوضع في سورية، ربما ينوي الحرس الثوري الإيراني استخدامها في المستقبل للاحتفال بنصر إيراني في سورية.
يمكن متابعة الوثائقي حول جيش إيران السري عبر موقع ال BBC