قبل كل دورة انتخابية نيابية جديدة، يعود الجدل مجددًا عن حق المغترب الأردني في التصويت بالخارج، والتساؤل عن أسباب منعه.
وقد ازداد الحديث مؤخرًا بالتزامن مع طرح مشروع قانون الانتخاب الجديد، ويرى كثير من المغتربين بأن المشاركة السياسية من أبسط حقوقهم، كونهم يشكلون أهم روافد الاقتصاد الأردني من خلال تحويلاتهم ومشاريعهم.
“أردن الإخبارية” تطرح في ملفها الجديد تساؤل: “لماذا يحرم المغترب الأردني من حقه الانتخابي أسوة بغيره في بلدان أخرى، غربية وعربية؟ ومن الجهة المسؤولة عن ذلك؟”، وتقدم لقرائها إجابة أكثر وضوحًا من خلال تتبع أهم النقاشات والدراسات والمقالات والتقارير الإعلامية المحلية والدولية التي عنيت بهذا الشأن.
الحكومة: الكرة بملعب النواب
قال وزير الدولة للشؤون السياسية والبرلمانية خالد الكلالدة إن مشاركة المغتربين في الخارج رهن بموافقة مجلس النواب الذي رفض مبدئيًا التصويت الإلكتروني وهي البوابة الأوسع لمشاركة المغتربين في الانتخابات، مشيرًا إلى أنه من المبكر أن يشارك المغتربون في الانتخابات لمنع المشككين من الاتهام بالتزوير.
وأضاف خلال حلقة نقاشية نظمها مركز هوية وتحالف نزاهة لمراقبة الانتخابات في 16 سبتمبر الماضي بمركز جامعة كولومبيا الشرق أوسطي للأبحاث، أن الحكومة ارتأت أن ترسل إلى مجلس الأمة مشروع قانون انتخاب جديد، وليس معدلًا، مما يعطي الحق لأعضاء مجلس الأمة البحث في جميع مواده، موضحًا أن الأنظمة الانتخابية في العالم تجاوزت المئة وكل نظام وضع ليلبي طبيعة وخصائص واحتياجات المجتمع الذي وضعت فيه.
وفي معرض رد رئيس الوزراء على العديد من ملاحظات النواب حول مشروع قانون الانتخابات الذي بدأ مجلس النواب مناقشته في قراءة أولية في 13 سبتمبر الماضي، قال الدكتور عبدالله النسور: “إننا نحب تصويت المغتربين الأردنيين؛ لكن هذه العملية ستكون مكلفة جدًا، بالإضافة إلى أن اختيار الدول التي توضع فها صناديق انتخابات قد يكون مدخلا لتوجيه التهم للحكومة بأنها اختارت هذه الدولة، ولم تختر تلك وبالتالي فإن هذا الأمر صعب على الحكومة تنفيذه في هذه المرحلة”.
وبخصوص المطالبات بتصويت المغتربين قال وزير الدولة لشؤون الإعلام محمد المومني إن من الصعوبة اللوجستية في تصويت المغتربين حيث يتواجد الأردنيون في 173 دولة في حين أن للأردن سفارات في 52 دولة حول العالم.
“النواب” رفَضَ في السابق
حمَّلت الحكومة سابقًا مجلس النواب مسؤولية تصويت الأردنيين المغتربين، وقد رفض النواب إدراج نص يقضي بتصويت المغتربين الأردنيين في الانتخابات النيابية في 17 يونيو 2012.
وقال وزير التنمية السياسية الأسبق نوفان العجارمة خلال أولى جلسات مجلس النواب “حكم مثل هذا يمكن أن يكون داخل النص” – ويقصد مشروع القانون – منوهًا بأن القانون يُعرف ولا يضيف حُكمًا.
وكان النائب مبارك الطوال عضو حزب الجبهة الأردنية الموحدة طالب في حينها بأن يكون للأردني المغترب حق في المشاركة بالانتخابات، وقال “يجب أن يصوت الأردني في الخارج سواء أكان طالبًا أو تغرب للقمة العيش”، وجاء في اقتراح النائب الطوال أن المغتربين في دول العالم يصوتون في انتخابات بلدانهم، موجهًا تساؤله للنواب “لماذا لا نثبت ديمقراطيتنا للعالم طالما نحن ذاهبون للإصلاح الشامل؟”.
من جهته أوضح رئيس اللجنة القانونية النيابية محمود الخرابشة قبل التصويت من قِبل النواب على الموضوع بأن المغتربين يشملهم الانتخابات إن كان هنالك إمكانية لإشراك الأردني في الخارج، وذلك بحسب تقرير صحفي لوكالة عمون نشر في حينها.
من جهته، طالب النائب زكريا الشيخ مؤخرًا بإيجاد صيغ تضمن حق المواطنين الأردنيين المغتربين في الخارج من الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات النيابية القادمة، واقترح الشيخ إحالة مشروع قانون الانتخاب إلى لجنة مؤقتة من أعضاء مجلس النواب تشكل بالانتخاب المباشر لدراسة قانون الانتخاب على أن تقوم اللجنة بإجراء حوار وطني واسع على كافة المستويات والمحافظات، مشددًا على أن تكون اللجنة المؤقتة برئاسة أحد النواب القانونيين المخضرمين، وعضوية 24 نائبًا ليكون إجمالي أعضاء اللجنة 25 عضوًا، وأن يدرس القانون بهدوء دون اجتهادات فردية للوصول إلى الصيغ الأمثل لأكبر توافق وطني ممكن.
الخيطان: خبرة حكومية معدومة
تتركز مطالب المغتربين على فتح مراكز اقتراع في السفارات الأردنية التي يتواجد فيها الأردنيون بكثافة، كدول الخليج والولايات المتحدة الأمريكية، على غرار دول كثيرة في العالم.
وقد تردد هذا المطلب في مؤتمر المغتربين الذي نظمته وزارة الخارجية مؤخرًا، وتساءل بعض المشاركين: “لماذا تطلبون منا المشاركة في نهضة البلد الاقتصادية، وتحرموننا من حقنا في المشاركة السياسية؟”.
ويرى الكاتب فهد الخيطان في مقاله “تصويت المغتربين” المنشور بصحيفة الغد في 14 سبتمبر الماضي أن خبرة السلطات الرسمية في هذا المجال معدومة تقريبًا، مشيرًا إلى إمكانية الاستفادة من تجارب دول شقيقة وصديقة تملك رصيدًا في هذا الميدان، وأضاف قانون الانتخاب الحالي، وأقصد قانون الصوت الواحد، ما كان ليجعل المهمة ممكنة في ضوء طبيعته، ونظام تقسيم الدوائر الصغيرة، لكن القانون المقترح يوفر فرصة أفضل بعد أن تجاوز الصوت الواحد وتبنى صيغة الدوائر الكبرى”.
ويطرح الخيطان إشكاليات من الممكن مواجهتها بعملية التصويت في الخارج، بقوله: لكن في القانون الجديد، ومهما كان نوعه، فإن المرشحين هم من يواجه المشكلة وليس الناخبين، والأرجح أن المرشحين المقتدرين والأغنياء سينالون حصة الأسد من أصوات المغتربين، وأوضح بينما تستطيع قائمة انتخابية مدعومة ماليًا من القيام بجولات انتخابية في دول الاغتراب، سيعجز غيرهم عن إرسال حزمة “بروشورات” في البريد إلى القواعد الانتخابية “المغتربية” وسيكون الاعتماد في هذه الحالة على التواصل عبر الإنترنت، لاسيما مواقع التواصل الاجتماعي، وهي في كل الأحوال أقل تأثيرًا من التواصل الوجاهي، خاصة في مجتمعاتنا العربية”.
وألمح الخيطان إلى تحفظات شديدة في أوساط المؤسسات الرسمية على فكرة تصويت المغتربين، مردها القلق من اتجاهات الكتلة الأكبر من المغتربين وتوجهاتها التصويتية، وأكثر من ذلك خضوعها لقوى وجماعات سياسية غير أردنية، مرجحًا أن تكون هذه التحفظات صحيحة، وهي على الأرجح كذلك؛ لكن لا يمكن إهمال المسألة، وينبغي التعامل معها كتحد يستحق المواجهة، بمعنى آخر، يتوجب على الدولة، إذا ما أرادت حقًا مشاركة المغتربين في تنمية وتطوير بلدهم اقتصاديًا، دمجهم سياسيًا، و”أردنة” توجهاتهم، عوضًا عن تركهم تحت تأثير أطراف خارجية.
ودعا بخاتمة مقاله إلى التفكير بحزمة إجراءات للتسهيل على المغتربين القدوم إلى الأردن والمشاركة في الانتخابات، مثل تسيير رحلات طيران بأسعار مخفضة في يوم الاقتراع، ووسائل نقل مجانية لمراكز الاقتراع في المحافظات، وغيرها من الحوافز التي تشعر الأردنيين المغتربين بأنهم شركاء في الوطن، وليسوا مجرد أرقام في الموازنة.
تخوف من المرشح البرامجي
يسبب صوت المغتربين أو الدعوة إليه حساسية لدى أطياف سياسية أردنية، باعتباره ترفًا إصلاحيًا مرة وغير قابل للتطبيق مرات أخرى؛ لكن في المجمل يخشى أن يذكر السبب الحقيقي، بحسب الكاتب عمر كُلاّب.
ويرى كُلاّب في مقاله المنشور بصحيفة الدستور تحت عنوان “صوت المغتربين ومُزدوجي الجنسية” المنشور بصحيفة الدستور في 14 سبتمبر الماضي أن السبب الرئيس لمنع تصويت المغتربين وجود خشية من تحرر أصواتهم من قواعد اللعبة السياسية الداخلية والضغط الاجتماعي والعائلي وبالتالي هو صوت أقرب إلى المرشح البرامجي من المرشح الذي لا يجتاز حضوره حاجز غرفة نومه وحارته وهم الغالبية من المرشحين والنواب منذ هطول بركات قانون الصوت الواحد على الساحة السياسية الأردنية، فصوت المغترب لن يُشترى ولن يكون محكومًا للمنسف والكنافة داخل المقرات الانتخابية، وفق تعبيره.
وأضاف كُلاّب في مقاله إن القانون الانتخابي المعروض الآن للنقاش يحمل بذرة خير نتمنى أن تترعرع من خلال النقاشات الوطنية التي سيقوم بها مجلس النواب سواءً من خلال اقتراح لجنة خاصة لمناقشته أو من خلال اللجنة القانونية لتطويره وتقوية جذره الديمقراطي، وأبرز معلم إصلاحي يمكن أن تسجله اللجنة المكلفة بفتح الحوار الوطني عليه هو إقرار تصويت المغتربين في الدول التي يتواجد فيها عشرة آلاف مغترب فأكثر وعلى الدول ذات الأقلية من المغتربين التصويت في أقرب دولة إليهم.
دول تسمح ومعايير ديمقراطية
تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وفنلندا والنرويج من أهم الدول العالمية التي تسمح بالتصويت الخارجي، ومن البلدان العربية العراق والبحرين والجزائر ومصر بحسب موسوعة شبكة المعرفة.
ففي الولايات المتحدة، تنظم الانتخابات على مستوى الولايات والمقاطعات، ويصوت الناخبون مباشرة في هيئة إدارة الانتخابات المحلية (عادة عن طريق السفارة) التي تقوم بتوصيل صوتهم الانتخابي إلى الولايات والمقاطعات التابعين لها.
وفي فرنسا، يدلي الناخبون في الخارج لجميع الانتخابات الوطنية، ويقومون بالانتخابات عن طريق وكلاء المرشحين المحليين في الخارج، ويسمح للمغتربين الفنلنديين بالتصويت في الانتخابات الوطنية والمحلية، لكن تشترط بالنسبة للانتخابات المحلية ألا يكون قد مر على الناخب أكثر من عام بعيدًا عن المنطقة الانتخابية التابع لها، وتشترط النرويج ألا يمر على الناخب في الخارج أكثر من عشر سنوات للانتخاب على المستوى المحلي.
وقد شارك العراقيون في الخارج في انتخابات مجلس النواب العراقي، حيث أقام مكتب الهجرة الدولي مراكز للتصويت في 14 دولة تضم جاليات عراقية كبيرة العدد، وسجل ما يزيد 280 ألف عراقي في الخارج اسمه في سجلات التصويت، وهو ما يقترب من ربع عدد من يحق له المشاركة في الانتخابات، كما يمارس الناخبون الجزائريون المقيمون في الخارج حقهم في التصويت لدى الممثليات الدبلوماسية والقنصلية الجزائرية في بلدان إقامتهم.
وفي 10 أكتوبر/ نوفمبر 2011 أعلنت اللجنة العليا للانتخابات البرلمانية في مصر فتح باب التسجيل للمصريين في الخارج على موقعها على شبكة الإنترنت، وفي السفارات والقنصليات المصرية لمدة عشرة أيام اعتبارًا من تاريخ الإعلان تمهيدًا للسماح للمغتربين بالتصويت في انتخابات مجلس الشعب التي بدأت في 28 أكتوبر/ نوفمبر من العام نفسه تنفيذًا للحكم القضائي الذي ألزم الحكومة بمنح حق التصويت للمغتربين.
ويوم أمس السبت 17 أكتوبر توجه المصريون المقيمون خارج بلادهم، إلى صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم في المرحلة الأولى من الانتخابات البرلمانية، حيث تجري عمليات التصويت في 139 سفارة وقنصلية لمصر بالخارج على مدى يومين متتاليين.
وقد جاء في المادة 25 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1976 “يكون لكل مواطن، دون أي وجه من وجوه التمييز الحقوق التالية، التي يجب أن تتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة:
أ- أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية.
ب- أن ينتخب وينتخب، في انتخابات نزيهة تجرى دوريًا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين.
ج- أن تتاح له، على قدم المساواة عمومًا مع سواه، فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده”.
وبينت المادة أن حق جميع المواطنين في الانتخاب ليس حقًا مطلقا، ويستند هذا الحق في الغالب على معايير مرتبطة بالعمر، الجنسية، الإقامة، الأهلية العقلية، والصحيفة الجنائية، ومن ناحية الإقامة، يمكن لهذه المتطلبات أن تأخذ شكلين بالنسبة للدول التي لا تسمح بالتصويت الغيابي، تشترط الدولة بصفة عامة إثبات الإقامة في الدائرة الانتخابية في الموعد المحدد قبل الانتخابات وفي يوم الانتخابات.
المصدر: أردن الإخبارية