كان من المفترض أن تكون مقالتي تلك هي الأخيرة في سلسلة “انفجار الإخوان”، مقالة تتحدث عن الصف الإخواني ودوره في أزمات الجماعة كشريك أساسي مع القيادة، ولكن ما يحدث لطلاب الإخوان في الخارج استدعى أن أغير مسار المقال، وأن ندق ناقوس الخطر.
مع الانقلاب العسكري في الثالث من يوليو من العام 2013 أخذ الحراك الطلابي زخما مرتفعا، قدم الطلاب “جامعات – ثانوي” فيه صورة بطولية يمكن وضعها في كتب ملحمية، حراك تعامل معه النظام العسكري بكل شراسة وانحطاط، فقتل على مدار عامين 228 طالبا، واعتقل 3500 طالب تقريبا، بينهم 7 حكمت عليهم بالإعدام، و12 قامت باغتيالهم وتصفيتهم خارج إطار القانون، وفصلت من الجامعات 883 طالباً، منهم على الأقل 470 طالبا مفصولون نهائيا.
معظم هؤلاء المفصولون نهائيا محالون لمحاكمات وصدرت ضد كثير منهم أحكام مغلظة بتهمة ارتكاب جرائم عنف، وضف على هؤلاء طلاب الثانوي المتهمين في قضايا مماثلة والذين يتجاوز عددهم الـ200 تقريبا.
نحن نتحدث إذن عن 600 طالب تعرضوا لتنكيل مزدوج، منع من التعليم، ومنع من الحرية، بحسب احصاءات تقريبية فإن 400 من هؤلاء الطلاب، قرروا الهرب من المطاردة الأمنية إلى مكان آخر تماما، ولم يكن أمامهم سوى السودان كممر أولي لهم أو لبعضهم حتى يستطيعون الوصول إلى ماليزيا أو تركيا أو قطر.
عامان ويزيد عن الانقلاب والمجزرة والهروب والمطاردة والأحكام، وطلاب الجماعة خصوصا الفقراء منهم وهم يتعدون الـ300 يعيشون ظروف إنسانية صعبة، خصوصا الذين أوقعهم حظهم العاثر أن يظلوا في السودان. وجودهم في السودان لم يكن رفاهية منهم، فكلفة التعليم في قطر أو تركيا وماليزيا باهظة للغاية، ولا يستطيعون تحملها، كما أن مكتب الرابطة الإخوانية بالخارج، والذي يتخذ من لندن مقرا، و يرأسه الأخ إبراهيم منير، وله مندوب في السودان هو الأخ محمد البحيري ويعاونه الأخ محمد الحلوجي لم يشكلوا إلى الآن لجنة واحدة تبحث في شؤون الطلاب المطاردين في السودان، فقط اكتفوا بتسكينهم في معسكرات إيواء كمساكن المدينة الجامعية “ولكن للأسف بصورة أكثر سوءا”.
مكتب إخوان الخارج حاول مساعدة الطلاب بتشكيل اللجنة التي تبحث شؤونهم ولكن رئيس المكتب “أحمد عبدالرحمن” تعرض لتوبيخ وتحويل للتحقيق من إدارة “الرابطة” لتدخله في ما أسموه “عملها المنوط بها”.
في السودان تقريبا يتواجد 200 طالب، لهم مشرف تربوي وآخر للإعاشة، وليس لديهم مشرف تعليمي يباشر توفير المنح الدراسة لهم والتواصل مع الجامعات والمدارس لاستكمال تعليمهم.
يروي أحد مشرفي الطلاب في السودان أن طالبا أصيب بآلام حادة نتجية متاعب في معدته وتطلب الأمر تدخلا جراحيا عاجلا، وهو الأمر الذي يستلزم بالتأكيد مالاً، تواصل مع مكتب “الرابطة” في السودان فتلكأوا في دفع مصاريف العملية الجراحية واضطر مشرفو الطلاب للاستدانة لدفع تكاليف العملية.
الطلاب كانوا قد تفاعلوا مع أزمة إدارة الجماعة في مصر والتي تداخل فيها أمين عام الرابطة الأخ إبراهيم منير بتأييد طرف الأخ محمود عزت، هذا التداخل الطلابي أزعج ممثلو الرابطة في السودان، وبدأت مجموعة من التضييقات تمارس عليهم، وإهانتهم بأنهم عالة عليهم، رغم أن هؤلاء الشباب هم الذين حملوا رؤوسهم على أكفهم أمام رصاص العسكر من أول يوم للانقلاب.
التضييقات المالية و غياب الرعاية الصحية والتعليمية، بحسب مشرف تربوي للطلاب وسيلة “الرابطة” للضغط على الطلاب ووقف تنسيقهم مع أي طرف غيرهم، خصوصا وأن مكتب قسم الطلاب في مصر مُنع من التواصل معهم، وكذلك مكتب إخوان الخارج.
في إحدى اللقاءات الأخيرة التي جمعت بين ممثلو إشراف الطلاب وبين مكتب الرابطة في السودان، لقاء نقل فيه المشروفون طلبات الطلاب فتعرضوا للإهانة من الأخ “الحلوجي” وقال لهم “أنا ديكتاتور واللي مش عاجيه يشرب من البحر” ثم طرد المشرفين من اللقاء.
يرى أحد المشرفين أن نجاح فريق الثورة من الإخوان في الداخل المصري في الوصول إلى إقرار واقع جديد، واقع كبل يد الإخوة القدامى خصوصا الأخين محمد عبدالرحمن ومحمود عزت ومسؤولا قطاعي الشرقية والدقهلية، ومنح يرى أن هذا النجاح هو الذي دفع بإدارة الرابطة في لندن بقيادة الأخ إبراهيم منير لمواجهة مؤيدي فريق الثورة في الخارج “حتى وإن كان هذا الفريق عليه ملاحظات إدارية ولديه أخطاء تنظيمية وأنه جزء من المنظومة القديمة الفاشلة”.
مواجهة الرابطة لفريق الثورة في الخارج بدأ بعمل لائحة جديدة، وأنباء عن انتخابات جديدة، وتقليص لصلاحيات مكتب إخوان الخارج، والتحكم في مسارات العمل السياسي والإعلامي وبالتأكيد التمويل.
ما حدث بالداخل كان أمرا صعبا على فريق “الرابطة” تقبله، فمثلا مكتب إداري الإسكندرية الذي أُنتخب مسؤوله ممثلا لقطاع “الإسكندرية – البحيرة” بعدما خالف هذا المسؤول قرار مكتبه الإداري وجلس مع الاخ محمد عبدالرحمن قام بتنحيته وغقالته من مهامه كمسؤول للمكتب الإداري، هذه واحدة، الثانية أن مسؤول قطاع وسط الدلتا بعدما شككت لجنة مراجعة الإجراءات الانتخابية المشكلة من قبل الأخ محمد عبدالرحمن في نتيجة انتخابات مسؤول القطاع، وهو المسؤول الذي كان موقفه حادا للغاية من رفض الأخ محمود عزت لنتجية انتخابات مسؤولي القطاعات التي أجريت في نهاية رمضان الماضي، لجنة الإجراءات قررت إعادة الانتخابات، ولكن القطاع أعاد انتخاب الأخ نفسه.
نجاح فريق الثورة أيضا تمثل في إدخال مسؤولي قسم الطلاب ولجنة الحراك لإدارة الجماعة، كما مثلت عودة الأخ محمد كمال للإدارة دعما لفريق الثورة خصوصا وأنه له تأثير جيد على قطاعي شمال وجنوب الصعيد، كل هذا بالإضافة لقطاع القاهرة المتماسك من البداية وموقفه المؤيد للثورة.
يمكن اعتبار أزمة طلاب الخارج في السودان جزءا من الحالة ككل، فبعدما فشلت “الرابطة” في الداخل قررت توحيد الجميع تحت رايتها، وإخماد إي محاولة تكرر نموذج الإدارة في مصر، وعليه كان الطلاب هم الضحية. وبدلا من أن تقدم لهم الجماعة الرعاية التعليمية والصحية والنفسية تمارس عليهم ضغوطا لكي يصمتوا وإلا فإنهم سيطردون من مساكنهم ويوقفون دعمهم ماديا ومعيشيا، الطلاب بدورهم أصدروا ثلاث بيانات ودشنوا هاشتاجا حمل وسم “يسقط الكفيل” ولكنهم وللصراحة يتحركون بخوف، فمن أين يأكلون ويسكنون إذا قررت “الرابطة” قرارا سلبيا بشأنهم. وضع صعب.
طلاب الإخوان في الخارج أو حتى هؤلاء المتميزون بالداخل هم كنز الجماعة في المستقبل، طلاب يستطيعون أن يتعلموا كل شيئ، علوم أمنية، سياسية، دبلوماسية، طبية، هندسية، يستطيعون أن يكونوا البناء الحقيقي القادم للجماعة. وللأسف مضيعو الفرص يواصلون مآسيهم بحق الجماعة وصراعهم على رئاسة التنظيم لا تنميته عبر ثروته البشرية الضخمة.