جلس أبو أحمد، سائق سيارة الأجرة الذي يبلغ من العمر 60 عاماً، متهالكاً على كرسي في مقهى بالقرب من ساحة التل في قلب مدينة طرابلس بشمال لبنان، قلقاً على ما يبدو حول مصير ابنه، عمر أبو شنب وزوجته وأطفالهما الثلاثة، الذين غادروا إلى اليونان في طريقهم إلى ألمانيا.
“لا أعرف شيئا عنهم، كل ما أعرفه هو أن ابني جمع حوالي 8000 دولار وغادر طرابلس، تلقينا مكالمة منه قائلاً بأنه الآن في الجزر اليونانية، وما عدا ذلك، لم يردنا أي أخبار منه” قال أبو أحمد.
مخاوف الرجل الكهل لها ما يبررها، خاصة في أعقاب التقارير التي تفيد بأن اللاجئين الذين يستقلون قوارب الموت لقوا حتفهم أو فُقدوا قبل وصولهم إلى أوروبا خلال رحلتهم المحفوفة بالمخاطر من تركيا إلى اليونان.
أحدث مأساة حلّت بالأسر اللبنانية في البحر، حدثت الأسبوع الماضي عندما انقلب قارب يحمل عائلات لبنانية في طريقهم إلى اليونان من تركيا، مخلفاً سبعة قتلى على الأقل، ومن بين الـ12 شخصاً من أفراد أسرة صفوان اللبنانية، الذين غادروا لبنان في محاولة للبحث عن طريقهم نحو اليونان ومن ثم إلى ألمانيا، قلة فقط تم العثور عليهم على قيد الحياة.
كما انتشر الذعر بين سكان منطقة المينا في طرابلس، إبان التقارير، التي تبين بألا أساس لها من الصحة، والتي تتحدث عن غرق قارب آخر يحمل أفراداً من عائلة لبنانية أخرى، عائلة صيداوي، قبالة الشواطئ اليونانية.
عائلة صفوان وصيداوي ليسوا العائلات اللبنانية الوحيدة التي حاولت القيام بالرحلة المحفوفة بالمخاطر إلى أوروبا بحثاً عن مراع أكثر اخضراراً، حيث تشير التقارير الواردة من شمال لبنان، وخصوصاً من طرابلس، عن موجات مكثفة من الهجرة الجماعية التي تعقد العزم للوصول إلى ألمانيا والدول الاسكندنافية.
وفقاً لشهود عيان في طرابلس، سماسرة الهجرة في شمال البلاد يعملون على تزوير أوراق ثبوتية لمواطنين لبنانيين لتحويلهم إلى لاجئين سوريين، الأمر الذي يسهّل حصولهم على اللجوء في البلدان الأوروبية، وتكلفة تزوير الأوراق تتراوح ما بين 100 إلى 750 دولار أميركي.
اُبتلي شمال لبنان بالفقر والحرمان وزيادة معدلات البطالة، بالإضافة إلى حوادث الاقتتال الطائفي، مما دفع الكثير من الأشخاص لتجريب حظوظهم خارج البلاد.
الطابور الطويل الذي يصطف خارج مديرية الأمن العام في طرابلس يدلل على أن طلبات الحصول على جوازات سفر فاقت الأعداد المألوفة، حيث يطّرد عدد الأشخاص الذين يلتمسون الحصول على جوازات السفر بشكل كبير، وقالت مصادر أمنية بأن عدد الأشخاص الذين غادروا من منطقة المينا وحدها وصل إلى حوالي 3000 شخصاً، ووجهتهم المفضلة هي ألمانيا، البلد الأقوى اقتصادياً في أوروبا.
كما أقر مختار محلة الحدادين في طرابلس، ربيع مراد، بأن الآلاف من طلبات جوازات السفر قد وصلت إليه وإلى مخاتير المحلات الأخرى في طرابلس، وتابع مضيفاً: “إن الطلب على أوراق جواز السفر المقدمة من قبل كامل أفراد الأسرة أصبحت كثيرة للغاية، وصلاحياتنا القانونية تقتصر على وضع اللمسات الأخيرة على هذه الأوراق وتسليمها إلى أصحابها”، مردفاً بأن وضع حد لهجرة اللبنانيين من الشمال تقع على عاتق أجهزة الدولة والأمن.
محمود حداد، أحد نشطاء المجتمع المدني، أكد على مغادرة أكثر من 3000 لبناني من منطقة المينا، ومغادرة أكثر من 25.000 لبنانياً من طرابلس، مدفوعين بالوضع الاجتماعي والاقتصادي المتدهور في المدينة، ومشيراً إلى أن نحو 50 شخصاً يغادر طرابلس كل يوم، وموضحاً ذلك بقوله: “هناك مافيا منظمة تعمل على مساعدة سكان طرابلس للهجرة بالتعاون مع المافيا التركية، حيث يتم تقسيم العمل إلى قسمين، أولاً تزوير الجنسية السورية لخروج اللبنانيين، وثانياً التستر على جنسيتهم اللبنانية”.
وأضاف حداد شارحاً بأن مافيا الهجرة تحاول الاستحصال على تصاريح الإقامة وتصاريح العمل للبنانيين في ألمانيا دون الحاجة إلى تقديم أوراقهم الثبوتية.
وبغية شرح المعاناة التي تواجه اللبنانيين في محاولاتهم للوصول إلى أوروبا، يقول حداد بأن الرحلة الشاقة تبدأ من مرفأ طرابلس أو من مطار بيروت ليصل المهاجرون إلى إزمير، الميناء التركي الذي يُعتبر الطريق الأساسي للتهريب نحو الآلاف من الجزر اليونانية، والجزيرة الأهم هي جزيرة ميتيليني، الجزيرة اليونانية القريبة جداً من الشاطئ التركي، ومن ثم يتجه اللاجئون من اليونان نحو مقدونيا ومنها إلى صربيا وأخيراً إلى هنغاريا (المجر)، قبل أن يقرروا إما الدخول إلى ألمانيا أو متابعة الرحلة إلى السويد.
وأضاف حداد بأنه نتيجة لقوانين السويد الصارمة في إعطاء تصاريح الإقامة، فإنها تشهد إقبالاً “ضعيفاً” نسبياً من قِبل اللاجئين، أما ألمانيا فتستوعب العدد الأكبر من اللاجئين من سكان الشمال، وهو الأمر الذي يشجع اللبنانيين للتوجه قدماً نحو ألمانيا.
في الوقت الذي تشكل فيه ألمانيا حالياً الوجهة المفضلة للبنانيين، تسري شائعات في طرابلس حوا خطط أستراليا لفتح أبواب الهجرة لأولئك الذين يسعون لها في بداية الشهر المقبل.
وفي ذات السياق، أكدت المنظمة الدولية للهجرة بأن أكثر من 590.000 لاجئ ومهاجر وصلوا إلى شواطئ أوروبا منذ يناير من العام الجاري، في حين أودت رحلات الهجرة المحفوفة بالمخاطر بحياة أكثر من 3000 شخصاً بين قتيل ومفقود، والجدير بالذكر بأن ما يقارب 450.000 شخصاً من إجمالي عدد اللاجئين الذين حطوا الرحال في أوروبا وصلوا من اليونان.
أخيراً دعت أثينا ومن خلفها الأمم المتحدة الاتحاد الأوروبي لفتح المزيد من المعابر القانونية للاجئين اليائسين الفارين من الحرب والاضطهاد، لكي لا يضطروا للمخاطرة بحياتهم بغية الوصول إلى بر الأمان.
المصدر: ديلي ستار