“اقترف البشر أخطاء كثيرة ولكن أسوأ جريمة اقتُرفت على الإطلاق هي التخلي عن الأطفال، وإهمال ينبوع الحياة”، هكذا قالت الشاعرة والدبلوماسية غابرييلا ميسترال.
زادت في الآونة الأخيرة حدة الاضطرابات السياسية والصراعات في بلدان الربيع العربي وفي الكثير من دول العالم، وأصبح العنف وسيلة مشروعة في تعامل الحكومات مع شعوبها، غافلين عن النتائج الكارثية (النفسية والجسدية) الناتجة عن ممارسة العنف على الأطفال، وترسخ تلك المشاهد في أذهانهم طوال عمرهم، ويتمثل ذلك في قصف المدارس وتدميرها أو تحويلها إلى ثكنات عسكرية كما يحدث في سوريا، وإرغام الأطفال على القتال وحمل السلاح، وحرمانهم من حق التعليم، منتهكين أبسط حقوقهم، ضاربين بالمواثيق الدولية عرض الحائط.
خطر تأثير الحروب والصراعات على التعليم
مع تفاقم مشكلة توفير المساعدات الإنسانية من غذاء ومأوى ومياه صالحة للشرب ورعاية صحية للمتضررين، تم تجاهل مشكلة تعليم الأطفال والخطر الذي نواجهه؛ ففشل الدولة والمنظمات المعنية في توفير التعليم لهؤلاء الأطفال سيخلف عنه أجيال غير متعلمة وغير مهيأة للمساهمة في تعافي مجتمعاتهم.
ففي سوريا ووفقًا لتقرير منظمة اليونيسيف، والذي أصدرته مؤخرًا، أوضحت فيه أن نحو 3 ملايين طفل نزحوا داخل سوريا، من بينهم مليون طفل أضحى خارج المدارس، بينما يحصل حوالي 255 ألف طفل داخل سوريا على تعليم غير رسمي، أما في شمال مالي، فالصراع الجاري أدى إلى غلق ما لا يقل عن 115 مدرسة، وتعطيل الدراسة لسبعمائة ألف طفل، من بينهم مائتا ألف لا يستطيعون الذهاب إلى المدرسة.
لا بد وسط تلك الحروب والصراعات من تهيئة نفسية للطفل، نظرًا لما يعانيه من صدمات نفسية قاسية تؤثر على عملية الإدراك، فالرعاية النفسية ينبغي أن تُدرج ضمن المساعدات الإنسانية، ولا يمكن أن نتجاهلها، وأتحدث هنا على الجانب الإنساني وليس السياسي، ومع تقديم الدعم والتمويل المناسب لتلك المناطق المتضررة، سيكون من اليسير توفير الأمن للمدارس والمعلمين والعاملين بها، وهناك أفكار مُبتكرة بحاجة إلى التطبيق، كتوفير أماكن لتعليم الأطفال مؤمنة من أي هجمات، وأيضًا توفير مصادر تعليمية لهؤلاء الأطفال، وباستطاعتنا استخدام شبكة الإنترنت لتوفير محتوى علمي بمساعدة المنظمات المعنية، ومحاضرات تعليمية، فسوف تؤدي تلك الخطوة إلى إحداث تقدم ملموس في العملية التعليمية.
تجاهل العالم لأزمة التعليم في المناطق المتضررة
عدم اتخاذ خطوة حاسمة بشأن أزمة التعليم وتجاهل تعليم الطفل، سيحاول بالفعل بدون بذل أي جهود بالتعلم ذاتيًا، ولكنه سيخلق لغة خاصة به وهي لغة العنف، وستكون اللغة السائدة في تعاملاته؛ فالأطفال لن يظلوا أطفالاً إلى الأبد، فبتطبيق قواعد وقوانين دولية، سوف يستطيع كل كيان أو مؤسسة دولية العمل بحرية، لتعليم أكبر عدد ممكن من الأطفال.
فحرمان المزيد من الأطفال من حقهم في التعليم لا يعرقل نموهم الفكري فحسب، بل أنه يقلل الفرص المتاحة لهم في المستقبل أيضًا، ومن الضروري أن يتخذ المجتمع الدولي خطوات لتمكين هؤلاء الأطفال من الحصول على التعليم المناسب، ويجب تقديم المساعدات والدعم إلى المنظمات الدولية لتعمل بحرية، وللعمل على حل تلك المشكلة ومحاولة القضاء عليها نهائيًا، فهي ليست بمشكلة عويصة للغاية.