نفذ عدد من الأئمة المعزولين وإطارات المساجد المعفيين من مهامهم في تونس وقفة احتجاجية صباح اليوم الأربعاء أمام وزارة الشؤون الدينية بالقصبة، وطالب المحتجون المنضوون صلب المجلس النقابي للأئمة وإطارات المساجد التابع للمنظمة التونسية للشغل (منظمة نقابية) من رئيس الحكومة التونسية الحبيب الصيد بسرعة التدخل وإعفاء وزير الشؤون الدينية عثمان بطيخ من مهامه، على خلفية قرارات عزل عدد من الأئمة التي اتخذها الوزير مؤخرًا، متهمين إياه بانعدام المسؤولية بسبب القرارات الظالمة والتعسفية التي اتخذها في حق الأئمة وإطارات المساجد ورفضه للحوار مع الهياكل النقابية، وفق تعبيرهم.
وأكد محمد لسعد عبيد الأمين العام للمنظمة التونسية للشغل خلال هذه الوقفة أن الاحتجاجات ستتواصل للمطالبة بإقالة الوزير ورفع يده عن الأئمة الأكفاء وأن يتوقف عن إقالتهم بطريقة عشوائية وفوضوية، وفق قوله، وأوضح عبيد أن وزير الشؤون الدينية كان يفترض عليه أن يتفاوض مع هذا الهيكل النقابي قبل أن يتخذ قرارات “نوفمبرية” (في إشارة لنظام بن علي السابق) بعزل الأئمة المهيكلين والمنخرطين دون موجب، مشيرًا إلى أن عهد هذه القرارات ولى ومضى ولن يعود أبدًا، على حد تعبيره.
وأضاف عبيد أن باب التفاوض أُغلق نهائيًا مع الوزير وأن هذه الوقفة الاحتجاجية تمت لرفع شعار “ديقاج” (ارحل) في وجهه، معتبرًا إياه غير مؤهل ليكون على رأس وزارة الشؤون الدينية.
وهدّد الأئمة وإطارات المساجد المتواجدين في هذه الوقفة بتعميم احتجاجاتهم في كامل ولايات الجمهورية، واصفين قرارات العزل بالظالمة والتعسفية.
وفي بداية أغسطس 2015، عزلت وزارة الشؤون الدينية في تونس نورالدين الخادمي القيادي في حركة النهضة والوزير السابق من إمامة جامع الفتح أحد أكبر المساجد بوسط العاصمة تونس على خلفية اتهامه بـ”استغلال” منبر الجامع للترويج للفكر الجهادي، إلا أن الخادمي نفى بشدة تبنيه وترويجه للتطرف، إلى جانب عزل أكثر من 40 إمامًا آخر؛ ما خلق حالة من التوتر الكبير في العديد من المدن خاصة في سوسة (وسط) وصفاقس (جنوب)، ووصلت في صفاقس إلى حد رفض الصلاة وراء الأئمة الجدد وإنزالهم من المنابر وسط احتجاجات كبيرة.
هذه القرارات الصادرة عن وزارة الشؤون الدينية التونسية بعزل أكثر من 40 إمامًا خلفت خلافًا كبيرًا بين نقابة الأئمة الزيتونيين المؤيدة لعزل الأئمة والمساندة لقرارت الوزير عثمان بطيخ على اعتبار أن “الأئمة المعزولين وراءهم أطراف سياسية تقود معركتها الأخيرة من أجل إبقاء حظوظهم ومواقعهم في المساجد المنفلتة لأغراض سياسية”، وبين المجلس النقابي الوطني للأئمة وإطارات المساجد الرافض لهذه القرارات الواصف إياها بـ “تصفية حسابات” سياسية.
وسبق لوزارة الشؤون الدينية أن قالت إن قرار عزل عشرات الأئمة يأتي على خلفية “تبنيهم خطابًا تكفيريًا متشددًا والترويج للفكر الجهادي الذي شجع آلاف الشبان التونسيين للالتحاق بالتنظيمات المتطرفة في سوريا والعراق”، حسب قولها.
الأمر الذي ينفيه الأئمة المعزولون على اعتبار أنهم قاوموا الإرهاب بالكلمة والصورة وكان من المفترض أن يتم تكريمهم وشكرهم على ذلك بدلاً من عزلهم، مؤكدين سعيهم في خطبهم بعد الثورة إلى نشر الاعتدال والوسطية ومساهمتهم في امتصاص غضب الشباب المتديّن وتوعية الناس بعقيدتهم الدينية وشأنهم العام.
وتتهم بعض أحزاب المعارضة حركة النهضة الإسلامية في تونس بالسيطرة على المساجد حين توليها الحكم عقب الثورة وتعيينها لأئمة موالين لها، الأمر الذي تنفيه الحركة بشدة، معبرة عن رفضها لما أسمته “سياسة الانتقام والطرد العشوائي التي ينتهجها وزير الشؤون الدينية”، لافتة إلى أن هذه السياسة إذا تواصلت ستتحوّل إلى أداة الاستقطاب الرئيسية للإرهاب ومغذية لآلة الدعاية الإرهابية التي تعتمد على إقناع الشباب أنهم في مواجهة دولة معادية للإسلام والدين”، وذهبت النهضة إلى حد اعتبار هذه السياسة موروثة عن الديكتاتورية في توتير الأجواء في أماكن العبادة وزرع العداوة بين المواطنين، حسب بيان صادر عنها.
ويخشى العديد من الأئمة في تونس من عودة التضييقات على الحريات الدينية في البلاد تحت غطاء محاربة الإرهاب واجتثاث التطرّف، وزادت مخاوفهم من أن تضع السلطة يدها على المساجد بعد إعلان وزارة الشؤون الدينية عزمها إعادة تكليف أئمة محسوبين على نظام بن علي السابق وعزل أئمة حاليين.