بين حكم داعش ونقد أحلام مستغانمي ما عاد الدين دينًا، وما عاد النقد الأدبي نقدًا، وإن بدأت مجتمعاتنا تخلو من شيء، فقد بدأت تخلو من عمق التفكير ومن بصيرة فذة تحقق الحكمة من كل وجه وفي كل وجه، وأكثر من ذلك ما عادت تتقن ما تريد أن تقوله ولا ما تريد أن تجليه، فغدا قولنا وفعلنا فيه من المسخ ما فيه لأن فيه من الهوى الطَّيار (الذي لا يقر بأحد في قرار) ما يُرى ولو كان لا يُرى.
ولعلي أزعم وأنا بين نقد أحلام مستغانمي من صديقتنا الطيبة وبين ثلاث عشرة غرامة تضعها داعش في بعض مناطق سيطرتها على المخالفين، في إحدى الصحف الإلكترونية، أن ما أرْدانا إلى هذا المستنقع هو البداية، هو الاستعمار الذي لم ينته لليوم، مدارسنا وكيف تربينا فيها وماذا تعلمنا؟! ومن ثم فها نحن على أساسه ننتج وعلى كل صعيد.
لستُ شخصًا متشائمًا ولم أكن يومًا ولا أحب الندب كما لا أطيق النقد الجارح للآخرين ولو مارسته يومًا فقد ندمت عليه أيام مع قلة ما مارسته، ولكنني أتحدث عما هو أعمق، عن السطحية عندما تُصبح عمقنا وتُصبح فهمنا المذهب.
وأنا أرى هذا الفيديو لصاحبته الطيبة تنتقد فيه روايات أحلام مستغانمي، رأيت حالة تهكم واضحة لا معنى ولا مغزى منها سوى التسفيه والله تعالى وحده أعلم، شيء ما اترفع أن اتهم به صديقتنا، ولكني أتحدث عن الحديث ذاته؛ ولم أر نقدًا أدبيًا بطريقة علمية تنفع وتجلي وتفيد وتضع السالب مقابل الموجب، لست من محبي الأديبة مستغانمي كما أنني لست من الحاقدين عليها، لي عليها انتقادات كما أرى في أدبها وجهًا آخر من الجمال، ولست هنا بصدد الحديث عن ذلك، ولكني وعن طريق الأقدار، كنت أشاهد الفيديو ثم بعد سويعات كنت أقرأ بيان داعش في غرامتها الثلاث عشرة، فتفاجأت من نسبة التشابه في سطحية تفكيرنا، رغم أن الموضوعان لا علاقة لأحدهما بالآخر إلا المشترك السطحي في تناول أفهامنا للحدث.
أما لماذا فهذا ما أود شرحه وقوله وهو مغزى حديثي، ولكني أود التوضيح قبلًا أنه مما يحق لداعش إنصافًا أن تضع غراماتها وقواعدها على مناطق سيطرتها، فهنا هي تحكم كما حكمت علينا بريطانيا مثلًا استعمارًا طويلًا للَّحظة، لم ينته شأنه فأوردتنا موارد السطحية في الاغتراف، ولا اغتراف، هذه هي حال الدنيا؛ من يحكم يُحَكِّم رأيه ومستندات عقله، لكننا وبما أننا أبناء هذا الدين وهذه الأمة فهل في هذه الغرامات إشعارًا لنا بحكم الله فينا أم أنها إشعار بالديكتاتور الذي سيطر فينا ومنا وعلينا، فأراد أن ينبئنا بتفاصيل حركتنا، فمتى كان التخلف عن الصلاة بـ 39 جلدة ؟! ومتى كان الكشف عن العينين بـ 2000 ليرة سورية؟! في عهد عمر الفاروق أم في عهد محارب المرتدين الصديق؟! لأن الاستشهاد بغيرهم سيصبح ضربًا من التفكير والاجتهاد يُحرم على عَالَمٍ عربي، أنتج الاستعمار فيه خِواء؟! ومتى كان الحديث عما يشغل النساء وزاد من نسب الطلاق في الأسر العربية والمجتمعات بأدب مفعم برقيه البلاغي إشكال مرضي؟! وقد كان عليه السلام يعرف الشعر الجاهلي سمعه ويسمعه ولم يعيبه يومًا، فحركة الأدب في الحياة سائرة مع وعي الناس بأحاسيسهم فكيف إذا كانت أحاسيسهم مأسورة من كل وجه، فلم يبق لها إلا وجه التفريغ العاطفي؟! لست أدافع مرة أخرى عن مستغانمي، بل لعلي انتقدها، أو لعلي أضع المجتمع أمام نفسه وهو يحبها ويكرهها في آن لأنها تعريه ولأنه غدا يعشق العُري، تمامًا كما أصبح من ردة فعله أن يهاجم لأنه اعتاد أن يكون في موقع الدفاع عن نفسه دائمًا بكل الظلم الذي أحاط به، فمنعه أن يعيش وفق خياراته واختياراته، فكان رهينة للجبر والإجبار، فلم يعد ينتج إلا الهجوم على كل مُنتج لا يتوافق مع الديكتاتور الذي فيه.
الديكتاتور الذي فينا هنا مربط الفرس، الديكتاتور الذي فينا، فلم أر بحسب وعيي حتى هذه اللحظة غير ذلك الديكتاتور الصغير الذي ينمو مع نمو مجتمعاتنا بالقهر منذ طفولتها وطفولتنا، لم أر غير ذلك الديكتاتور الذي يسيطر علينا في تصرفاتنا، فهو الذي يجعلنا نرفض، نهاجم، نتشدد، ونفرض تشددنا على الآخر، والديكتاتور الذي فينا هو ذاته أول العلم، وهو ذاته أول مبادئ السطحية، إذا علمناه جيدًا وحللنا شخصيته بالمنطق السديد عندها سنمنح أحلام مستغانمي كنموذج ومثال قدرها في النقد وقدرها في المدح، وعندها سنمنح أنفسنا فرصة فهم الدين، وسنمنح الدين قدرته الهائلة على الترحيب بالمقبلين عليه اختيارًا لا جبرًا، ناهيك عن الجبر على تنفيذ السنن، لأنه قبل أن يأتي إلى الدنيا بقواعده كانت قاعدة الخلق التي استند عليها هي حرية الاختيار مفهوم لا نعيه البتة إلا في ديباجات الكتب، ويستخدمه الديكتاتور فينا بدكتاتورية مقيتة أو سطحية فارغة، جارًا وأبًا وأختًا وصديقًا وكنيسةً ومنبرًا.
أول العلم أن نفهم لماذا أنجبتنا مدارسنا ديكتاتوريين وقد كنا نعيش فيها مقهورين، وذلك هو بالضبط تناقضنا، فليبدأ نقاشنا أو إصلاحنا من أول العلم، أول العلم بأنفسنا، ما الذي حدث؟
وعلى هامش ما يحدث من حرب، لن تكون القدس منتهى النصر، تحرير القدس هو بالضبط بداية المعركة.
الرابط الأول
هل تستحق روايات أحلام مستغانمي كل هذه الضجة؟
الرابط الثاني
13غرامة يفرضها “داعش” في أماكن سيطرته على المخالفين ..تعرف عليها.