نشرت صحيفة “وول ستريت جورنال” تقريرًا أعده سعيد شاه وآدم إنتوس، جاء فيه أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما رغم مقابلته رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف في البيت الأبيض، الخميس، فإن المسؤولين الأمريكيين الكبار سيعقدون في الشهر المقبل مفاوضات مع من يقول كثير من الناس إنه من يقرر في القضايا التي تهم واشنطن، وهو الجنرال راحيل شريف.
وطغت سلطة الجنرال شريف على زعماء البلد المنتخبين في مسائل السياسات الأمنية بما في ذلك الحرب ضد طالبان، وعملية السلام الأفغانية، وبرنامج البلاد النووي، بحسب ما يقول المسؤولون والمحللون.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول أمريكي كبير قوله إن “الكيانات المدنية ليس لديها إمكانية تحقيق بعض الأمور في الوقت الحالي”، وعن شريف قال: “يستطيع تحقيق المطلوب”.
وتحول الجنرال شريف الذي لا تربطه علاقة قرابة برئيس الوزراء نواز شريف إلى شخصية محبوبة وذات شعبية، من خلال مقارعته للإرهاب، وإعادة الأمن لمدينة كراتشي، التي تعدّ أكبر وأعنف مدينة في باكستان؛ وهو ما قوى من وضع الجيش في بلد لا تزال الديمقراطية تجد فيه صعوبة أن تتجذر، وقالت إن التحسن في الوضع الأمني في باكستان واضح جدًا، فعدد ضحايا الإرهاب من المدنيين والعسكريين في طريقه ليكون الأدنى هذا العام منذ عام 2006، بحسب موقع الإرهاب في جنوب أسيا، الذي يحصي عدد الضحايا، يشار إلى أن هذا ساعد بدوره على الانتعاش الاقتصادي.
وينقل التقرير عن رئيس اتحاد تجار كراتشي (وهو اتحاد لصغار التجار)، محمد عتيق مير، قوله إن “الله في السماء وهنا على الأرض راحيل شريف”، وهناك لوحات إعلان في المدينة تحمل إعلانات يدفع تكلفتها التجار المحليون مكتوب عليها: “شكرا لإنقاذ كراتشي يا راحيل شريف”.
وكان الجنرال شريف قد تحدث في المعهد الملكي للدراسات المتحدة في لندن، وقال إن سوء الإدارة في باكستان “خلقت فراغًا”؛ ما اضطره للعب دور “العسكري – رجل الدولة”، بحسب أحد الحاضرين.
إلا أن مستشارًا كبيرًا لرئيس الوزراء الباكستاني يرى أن حكم باكستان هو “مشروع مشترك” بين القيادة المدنية المنتخبة والقيادة العسكرية، بينما وصفها دبلوماسي غربي بـ “تحالف غير متكافئ” يميل الآن نحو القوات العسكرية، فمنذ أن استقلت باكستان عام 1947، نافس رجال الجيش الأقوياء الزعماء المدنيين المنتخبين، وتبادلوا قيادة البلاد معهم.
وتصر الحكومة المدنية على أنها متمكنة تمامًا، فقال وزير الدفاع خواجة محمد آصف: “رئيس الوزراء هو من يجلس في مقعد القيادة، وهو من يرتب التوازن بين المؤسسات”، وقال ضابط باكستاني كبير إن “الجنرال يتعرف على ثغرات في الأمن، وينبه الحكومة إليها، كما هو الحال في أي بلد يلعب الجيش فيه دورًا”.
ويقول السياسيون والمحللون الباكستانيون، إن نفوذ الجيش تزايد، وتم إنشاء محاكم عسكرية لمحاكمة المدنيين المتهمين بالإرهاب، كما أن هناك تمثيلاً للجيش في “لجان القمة” التي تشرف على الأمن الداخلي في كل أنحاء البلاد.
وعلقت صحيفة “دون” الإنجليزية في افتتاحيتها على زيارة رئيس الوزراء لواشنطن: “من المقلق للحكم المدني والمشروع الديمقراطي أن السيد شريف ظهر بمظهر الشخصية الهامشية بشكل متزايد في تشكيل سياسات الأمن الوطني والسياسات الخارجية”.
ويعتقد مسؤولون أمريكيون سابقون وحاليون بأن رئيس الوزراء تنازل عن سلطات معينة تتعلق بالأمن للجنرال شريف، بينما يركز رئيس الوزراء على الاقتصاد والقضايا الأخرى، وقالوا إن رئيس الوزراء يبدو مرتاحًا لهذا الاقتسام للمهام، وإن الجنرال شريف يدعم المؤسسات المدنية، وفي لقاء قريب في روالبندي قال الجنرال شريف للوفد الأمريكي الزائر إنه يهمه ألا يظهر على أنه القوة الرئيسية الفاعلة، بحسب مسؤول أمريكي كان حاضرًا.
وتتعلق زيارة رئيس الوزراء بصفقة شراء ثماني طائرات “إف – 16″، لدعم جهود الباكستان في مكافحة الإرهاب.
وقال المسؤولون إن لقاء رئيس الوزراء مع أوباما في البيت الأبيض في غياب الجنرال شريف، يهدف إلى الأهمية التي يضعها البيت الأبيض على تمكين الحكومة المدنية الباكستانية، ولكن باعتبار تاريخ البلد والدور الذي لعبه الجيش، ويقول المسؤولون الأمريكيون إن التحول إلى قيادة مدنية في كل الأمور سيأخذ وقت.
وحاز الجنرال شريف (59 عامًا) على تأييد للخطوات التي اتخذها دون تردد كما كان يفعل من سبقه من القيادات، وهناك توقع بأن يتم التمديد له في رئاسة الأركان بسبب الشعبية الكبيرة التي يحظى بها، وكان قد فتح العام الماضي جبهة أخرى مع المقاتلين، شمال وزيرستان على الحدود الأفغانية، التي كانت بمثابة ملاذ لطالبان باكستان والثوار الأفغان والقاعدة، وهو تحرك كانت أمريكا قد طلبته ورفضه رئيس الوزراء.
وقامت القوات العسكرية بمحاربة من تصفهم “الجهاديين” و”عصابات الإجرام” في عاصمة البلاد التجارية كراتشي، وعلى الرغم من أن الحملة اعتمدت على ما يصفه ناشطو حقوق الإنسان بالإعدام خارج نظام القضاء، إلا أنه أكسب الجنرال شريف شعبية ومديحًا.
كما أن للجنرال شريف حضور على المستوى العالمي، حيث قابل رئيس الوزراء البريطاني في مقره في وقت سابق من هذا العام، وقابل وزير الخارجية الأمريكي العام الماضي، وحصل على وسام “ليجون أوف ميريت” الأمريكي لإسهامه “للأمن والسلام”.
وعندما قام الرئيس الأفغاني أشرف غني بزيارته الأولى لباكستان بعد انتخابه العام الماضي، ذهب من المطار إلى مقر الجنرال شريف في روالبندي قبل أن يذهب إلى إسلام أباد القريبة، لمقابلة القيادة السياسية، ولكن المسؤولين في واشنطن وكابل والهند لا يزالون يتهمون المؤسسة العسكرية وعلى رأسها الجنرال شريف باستمرارها في السياسة الباكستانية بإعطاء طالبان أفغانستان وغيرها من المجموعات المسلحة ملاذًا آمنًا، واستخدامها قوة تحارب بالنيابة في أفغانستان والهند.
وحذّرت أمريكا الجنرال شريف بأنها ستجمد 300 مليون دولار مساعدات عسكرية إن لم تقم باكستان بوضع حد لأنشطة شبكة حقاني، وهي مجموعة متمردة مع طالبان، ومتهمة بمسؤوليتها عن عدد من الهجمات القاتلة في كابول.
وترى أمريكا أن الحقانيين ذراع للمخابرات العسكرية الباكستانية، كما أنه تم اختيار أحد الحقانيين لمنصب نائب الرئيس في اجتماع لطالبان في باكستان في وقت سابق من هذا العام، ويصر الجيش الباكستاني على أنه يحارب جميع المتطرفين، وقال الجنرال شريف هذا الشهر في لندن، بحسب المتحدث باسمه: “نحن ضد استخدام مجموعات بالنيابة ولن نسمح بذلك على أرضنا”.
وقال الرئيس أوباما الأسبوع الماضي إن أمريكا حريصة أن تستخدم باكستان علاقاتها الجيدة مع طالبان لتشجيع مفاوضات السلام بين طالبان والحكومة الأفغانية.
ويقول المسؤولون في أفغانستان وأمريكا، إن الجنرال شريف كان خلف الاختراق الذي حصل في محادثات السلام في وقت سابق هذا العام، عندما اجتمع عدد من كبار المسؤولين في طالبان مع ممثلين عن الحكومة الأفغانية في منطقة قريبة من إسلام أباد.
واعتقد الكثيرون بعد انتخاب رئيس الوزراء نواز شريف في 2013 بأنه حان الوقت للمدنيين أن يفرضوا أنفسهم، وأن القيادات العسكرية التي كان يعاب عليها أنها تقف مكتوفة الأيدي تجاه الإرهاب ستأخذ مقعدًا خلفيًا، وقام رئيس الوزراء بمحاولة التفاوض مع المتمردين في وزيرستان وانفتح على الهند وسعى لمحاكمة برويز مشرف بتهمة الخيانة.
ووقف الجيش ضد رئيس الوزراء ومع قائده السابق برويز مشرف، وقام الجنرال شريف بمهاجمة المتمردين في وزيرستان، بعد هجوم مطار كراتشي، وبعد ذلك في صيف 2014 قام عمران خان وحزبه بالاعتصام بحجة أن الانتخابات كانت مزورة، وأن نواز شريف وصل إلى رئاسة الوزراء بالتزوير.
المصدر: وول ستريت جورنال – ترجمة: عربي 21