باقية وتتمدد وان قتل قادتنا واعتقل زعماؤنا، هذا ما يردده منظرو وأنصار الجماعات الجهادية بلا استثناء في معظم كتاباتهم وتدويناتهم المنتشرة على شبكات التواصل الاجتماعي وفي المقابل يرى آخرون أن القضاء على هذه الجماعات يتطلب التخلص من قواعدها وقياداتها.
بعد مقتل أمير تنظيم القاعدة أسامة بن لادن ظهر قطبان أحدهما يتحدث عنه تاريخه الجهادي “أيمن الظواهري” والآخر مازال تاريخه وسيرته الذاتية لم تحسم بعد عند المراقبين وعند مقاتلي التنظيم أنفسهم “أبو بكر البغدادي”. فكل ما نعلمه عنه أنه كان سجينا سابقا في معتقل بوكا ضمن العديد من السجناء البالغ عددهم حسب بعض المصادر 24,000 معتقل من العرب السُنة الذين خدموا في الجيش وأجهزة الاستخبارات في عهد صدام ولم يكن جميعهم من الجهاديين عند دخولهم المعتقل ولكن الكثير منهم أصبحوا كذلك عندما غادروه.
لم يخطر ببال قيادات القاعدة اللذين عبروا في مراسلاتهم السرية عن رضاهم المبدئي عن تعيين أبي بكر البغدادي أن يكون هذا الرجل فاجعة له بعد 3 سنوات من اختياره من قبل مجلس شورى دولة العراق الاسلامية أميرا لدولتهم.
فبعد أن كان البغدادي واضع حجر أساس تكوين الفرع السوري للقاعدة “جبهة النصرة” ومقاتليه في صحاري الأنبار بعد طردهم من المدن العراقية من قبل الصحوات السنية والقوات الحكومية، أصبح اليوم في قتال مع من دعمهم سابقا وأضحت الصحاري مدنا سنية امتد اليها سلطانه في كل من سوريا والعراق معلنا عن هدم الحدود بعد انتهاء مرحلة هدم الأسوار.
فشهر يونيو 2014 لم يكن شهرا كباقي شهور السنة التي تتعاقب دوريا، فبعد أن أعلن أبو بكر البغدادي في التاسع من نيسان/ إبريل 2013 عن تأسيس “الدولة الإسلامية في العراق والشام” استيقظ العالم فجر الثلاثاء 10 يونيو/ حزيران، 2014، على وقع صدمة سقوط مدينة الموصل في محافظة نينوى على يد التنظيم، وبات يتحدث عن دولة حقيقية في حيز العوالم الواقعية، ولم يكد المجتمع الدولي يستفق من آثار الصدمة حتى ظهر الناطق باسم الدولة أبو محمد العدناني في 29 حزيران/ يونيو 2014 مع دخول أول أيام شهر رمضان معلنا قيام دولة “الخلافة”.
لقد نجح البغدادي وتنظيمه بعد اعلانهما “الخلافة الإسلامية” في أن يكونا قبلة جهاديي العالم بأسره، فوفقا لتقرير أعدته لجنة مجلس الأمن في الأمم المتحدة وصل عدد المقاتلين الأجانب الذين توجهوا للقتال مع الجماعات الجهادية في سوريا والعراق ودول أخرى، إلى 25 ألف مقاتل، ينتمون إلى أكثر من 100 دولة و71 بالمائة منهم خرجوا من بلدانهم بين منتصف عام 2014، وآذار/ مارس 2015 والتحق غالبيتهم بتنظيم الدولة الاسلامية.
لم يكن العراقي ذو التوجه العقدي السلفي وابن سامراء ابراهيم بن عواد البدري المكنى بأبي بكر البغدادي يمثل خطرا كبيرا على العالم بأسره عندما تم تعيينه أميرا على دولة العراق الاسلامية ولو كان يمثل خطرا على الأمن القومي العالمي لما سمحت له الولايات المتحدة الأمريكية بالخروج من معتقل بوكا الذي سجن فيه لسنوات، أما الان فقد أصبح الرجل ذو العمامة السوداء أخطر “ارهابي” في العالم والمطلوب رقم واحد لأكثر من ستين دولة تتنافس فيما بينها لأجل الظفر به حيا أو ميتا ورصدت من أجله ملايين الدولارات ونشطت لتعقب آثاره معظم الاستخبارات.
من المؤكد أن الحرب على التنظيم لن تنتهي بسرعة كما يظن البعض فلا يزال البغدادي محتفظا بأوراق عديدة تحوي في طياتها سيناريوهات بديلة ربما تشبه تلك الأوراق نظيرتها التي عثر عليها مقاتلو الجيش الحر في منزل العقل المدبر لاستراتيجيات التنظيم “حجي بكر” والتي نشرت جزء منها صحيفة دير شبيجل الألمانية.
فبحسب ما جاء في الوثائق فان قوة التنظيم الأساسية تكمن في الايدولوجيا المتماسكة والهيكل التنظيمي الصلب والسيطرة الميدانية والمقاتلين والتاريخ والخبرة الميدانية الواسعة لقياداته ما يمكنه من التحرك والنشاط وفق خطط مسبقة.
صحيح أن تجارب الجهاديين في حكم مناطق جغرافية محددة قد فشلت في الماضي. ويبدو أن ذلك حدث بسبب نقص خبرتهم في مجال إدارة الأقاليم والدول كما يقول الخبير في الجماعات الجهادية حسن أبو هنية لكن يبدو أيضا أن مخططي تنظيم الدولة كانوا لفترة كبيرة على وعي بنقطة الضعف تلك، وقد عملوا على التغلب عليها فأسسوا نظاما أكثر استقرارا ومرونة مما يبدو عليه.
ورغم الكم الهائل من القصف الذي دمر عدة أهداف واستهدف بعض قيادات الصف الأول والثاني في تنظيم الدولة الاسلامية إلا أنه ظل مسيطرا على الأرض مدافعا تارة ومهاجما تارة أخرى، مخالفا بذلك التوجه العام الذي انتهجه تنظيم القاعدة المركزي.
فقد أظهرت مراسلات بعث بها ناصر الوحيشي إلى “أبو مصعب عبد الودود” زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وكشف عنها الصحفي «روكميني كاليماتشي» في مدينة تمبكتو في مالي مشاركة “الوحيشي” بعض الدروس التي تعلمها والأخطاء التي سقطت فيها منظمته مع “عبد الودود” والقاعدة في بلاد المغرب داعيًا إياهم إلى عدم تكرار نفس الأخطاء، وقد جاء في احدى الرسائل أن القاعدة لا تهدف إلى إعلان إمارة إسلامية في جنوب اليمن وقال فيها «حالما تمت سيطرتنا على المناطق، تم توجيه النصيحة إلينا من قبل القيادة العامة هنا ألا نقوم بالإعلان عن إنشاء أية إمارة أو دولة إسلامية هنا، وذلك لعدد من الأسباب: أولها أننا لن نكون قادرين على التعامل مع الناس على أساس أننا دولة لأننا لن نكون قادرين على توفير كافة احتياجاتهم، لأن دولتنا ستكون في غاية الهشاشة. الثاني: الخوف من الفشل، في حال أن العالم سوف يتآمر ضدنا كما هو متوقع. وفي حال حدث هذا فسوف يبدأ الناس في اليأس ويعتقدون أن التجربة الجهادية غير مثمرة…».
من المؤكد أن توصيات الأمير السابق لتنظيم أنصار الشريعة اليمني ونائب الظواهري ناصر الوحيشي الذي قتل في شهر يونيو الماضي كانت تعني تنظيم الدولة بشكل كبير قبل سيطرته على مدينة الموصل والاستيلاء على آلاف العربات المدرعة والدبابات وعشرات الآلاف من القطع الحربية بالإضافة الى مئات الملايين من الدولارات وآلاف الأوقية من الذهب التي خولت له اعلان ما أسماه بالخلافة الاسلامية لكن هل يمكن أن يحافظ على هذه الخلافة رغم الحملة الدولية التي يتعرض لها؟ وهل يمكن أن يكون استهداف البغدادي وقتله بوادر نهاية وتفكك وتبدد “لدولة الخلافة الإسلامية”؟
استنادا الى ما سبق ذكره يمكننا القول ان قتل القائد الأول في تنظيم الدولة الاسلامية وأول “خليفة للمسلمين” من بعد سقوط الخلافة العثمانية عام 1924 كما يعتبره أنصاره سيكون له وقعا عظيما على مقاتلي التنظيم وقياداته وأنصاره ولكن على المستوى العسكري لن يكون له بالغ الأثر في تغيير نتائج الصراع على المدى القصير لأن جنود “الدولة الإسلامية” سيدفعهم الثأر الى الانتقام لخليفتهم وسيسمون معاركهم باسمه وبكنيته على غرار عدد من المعارك التي خاضوها وأطلقوا عليها أسماء قياديين كبار قتلوا على غرار غزوة أبو مهند السويداوي في شهر مايو الماضي والذي ارتبط اسمه بمعركة الرمادي التي أحكم فيها التنظيم سيطرته على أهم مدن محافظة الأنبار وغزوة أبي حسان الخثعمي والتي انتهت بسيطرته أيضا على مدينة القريتين التابعة لمحافظة حمص.
فاذا كان قياديان من التنظيم ينتميان الى الصفوف الوسطى قد أخذ التنظيم “بثأرهما” في فترة زمنية قصيرة فما بالك بزعيمها الذي سيكون مقتله بلا شك شعلة من أجل السيطرة على مدن ومحافظات أخرى في كل من العراق وسوريا.
فهل يكون البغدادي في إعلان دولته؟ أم أن القيادي في قاعدة اليمن ناصر الوحيشي في رسالته لأبي مصعب عبد الودود كان مصيبا أكثر من البغدادي؟
نُشر هذا المقال لأول مرة في سي ان ان