بعد خيبة أمل لغياب فيلم “Minions” وطول تردد، قررنا أخيرًا أن نشاهد فيلم “Inside Out” أي “من الداخل للخارج”، قمنا بشراء التذاكر وذهب أحدنا لشراء البوشار الذي لم يكن جاهزًا بعد، فوعد البائع أن يحضره إلينا فور أن يجهز، رافقنا الحاجب إلى مقاعدنا بعد أن أصر على الوقوف والتأكد أننا في المقعد الصحيح، كنت سأظن أنها خطوة إيجابية وأن الحاجب يؤدي عمله بإخلاص وإتقان شديد ولا يرغب أن يحصل أي إشكال بين الحضور على المقاعد؛ لولا أن العدد الكلي لمن كان في الصالة لا يتعدى السبعة أشخاص! وابتدأ الفيلم.
“Inside Out” هو فيلم كارتوني ثلاثي الأبعاد، إنتاج مشترك لكل من شركتي والت ديزني وبيكسار.
يأتي الفيلم بفكرة أن الإنسان يولد وتولد معه مشاعر أساسية تستمر معه ويكون لها الأثر الأكبر على سلوكه وتشكيل شخصيته، يستند الفيلم لنظرية العالم “بول إيكمان” التي كانت نتيجة لدراسة 40 سنة حول المشاعر الأساسية، وقد حصرها إيكمان بـ 6 مشاعر محددة وقابلة للقياس ويتشارك فيها جميع البشر حتى أولئك الذين يسكنون في الأماكن النائية التي لم تصلها الحضارة بعد؛ هذه المشاعر هي “الفرح، الحزن، الخوف، الغضب، الاشمئزاز، والثقة”، في الفيلم قرر الكاتب “بيت دوكتير” استبعاد الثقة واستمر بالخمس مشاعر المتبقية كخمس شخصيات رئيسية في أحداث الفيلم.
تدور أحداث الفيلم حول الفتاة “رايلي” ذات الأحد عشر عامًا، التي تمر بمرحلة ما قبل المراهقة فتتغير شخصيتها وتستلم مشاعرها الدفة في تغيير سلوكها وتسيير أحداث الفيلم.
تنتقل أسرة رايلي إلى مدينة أخرى ويصعب عليها أن تتأقلم مع حياتها الجديدة وتندمج في المدرسة، فتعاني من الإحباط والتشوش، هذه هي القصة من الخارج، أما من الداخل فشخصية فرح هي المسيطرة على تنظيم الأمور داخل عقل رايلي وهي التي توجه المشاعر الأخرى وتعمل على حفظ الذكريات السعيدة لرايلي واسترجاعها متى أوشكت رايلي على الحزن أو المرور بظروف صعبة، تحدث المفاجأة عندما تضيع شخصيتي فرح وحزن فتخرجان من العقل إلى منطقة اللاوعي، وهنا تتولى الشخصيات المتبقية: غضب، اشمئزاز وخوف تسيير سلوك رايلي، فتتحول شخصيتها من فتاة مرحة وسعيدة إلى فتاة غاضبة ومشوشة.
خطرت فكرة الفيلم للمؤلف في 2009، عندما بدأ سلوك ابنته بالتغيير لتصبح انعزالية وأكثر خجلاً في مرحلة ما قبل المراهقة، احتاجت الفكرة لـ 4 سنوات لكي تتطور وتأخذ أبعادها ومحاورها الأساسية، أما الأحداث، فقد كتب للفيلم 9 نسخ مختلفة متناقضة، عمل المؤلف على تجميع أفضل ما فيها ليخرج لنا بهذا الفيلم المتميز.
أصعب ما واجه المؤلف وفريق العمل في البداية هو كيفية التسويق لفيلم بأفكار سيكولوجية معقدة كالمشاعر واللاوعي، إلا أن الناتج النهائي كان فيلم درامي – كوميدي يناسب الكبار والصغار؛ حيث إن الكوميديا التي يعرضها تتنوع ما بين الكوميديا البسيطة التي تناسب الأطفال والكوميديا الناضجة التي تناسب الكبار.
ما سهل انتشار الفيلم ومنحه فرصة المشاهدة قبل الحكم؛ هو افتتاح عرضه في مهرجان كان السينمائي، حيث لاقى صدى عالمي متميز كفل له ترقب الجماهير لعرضه تجاريًا.
بعد تدني مستوى أفلام الأنيميشن في السنوات الأخيرة، مقارنة مع موجة الصعود التي شهدتها الأعوام ما بعد 2005، جاء فيلم “Inside Out” بقوة ليرفع الرهان من جديد، خلال أقل من شهرين من تاريخ إطلاقه، حصد الفيلم أكثر من 700 مليون دولار أمريكي، أي 6 أضعاف الميزانية التي صنع منها، متغلبًا بهذا الرقم على أعلى إيرادات حققها فيلم أنيميشن ياباني وهو “المخطوفة”، وضاربًا في الأسبوع الأول من إطلاقه الرقم القياسي السابق لفيلم “آفاتار” بـ 90 مليون دولار.
لم يكن النجاح التجاري هو النجاح الأوحد للفيلم، حيث إن الفيلم نال استحسان النقاد وتلقى مراجعات نقدية ممتازة، يعد الفيلم من أفضل الأفلام التي أُطلقت في 2015، ويتوقع النقاد أن يكون من ضمن الأفلام التي تنافس على جائزة الأوسكار 2016 لفئة أفضل فيلم، بالإضافة طبعًا لجائزة أفضل فيلم كارتوني المضمونة له.
إذا ما رُشح “Inside Out” لجائزة أفضل فيلم فسيكون هو ثالث فيلم كارتوني يرشح لهذه الجائزة بعد فيلميّ “الحسناء والوحش” و”قصة لعبة”، لكن هل سيفوز بها فيكون أول من يحصدها؟ علينا أن ننتظر قليلاً لنعرف.
انتهى الفيلم وتركنا الصالة ونحن في قمة السعادة لأننا لم نغادر بعد اكتشافنا أن فيلم “Minions ” لم يكن موجودًا، ونحن نتوجه خارجًا، امتدت فجأة يد تحمل البوشار في وجوهنا، قرر البائع وقد نسي موعده معنا منذ أكثر من ساعة ونصف أن يحاول الآن، علَنا نقبل بشرائه.