فيما تتواصل الغارات الجوية المختلفة على الأراضي السورية التي تقودها الولايات المتحدة تارة وروسيا تارة أخرى حديثًا، بعدما نسقا سويًا أمر توجيه ضربات عسكرية جوية لأهداف في الداخل السوري وضمنا عدم اعتراض سلاحيهما الجوي بعضهما البعض، وكذلك يتواصل القتال الدائر على الأرض بين مجموعات أكبر وأعصى من أن تحصى بين أذرع إيرانية وفصائل معارضة سورية مسلحة ومجموعات تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وفصيل جبهة النصرة الذي يُقاتل تحت لواء القاعدة، وسط هذه المعركة غير المحددة الملامح التي تعقدت بالقرار الروسي بالتدخل العسكري المباشر على الأراضي السورية، جاء الدور على جولة دبلوماسية أخرى في إحدى عواصم الغرب للنظر في الوضع السوري الراهن، حيث دعت مجموعة من الدول أطلقت على نفسها اسم “الدول المعنية بالأزمة السورية” إلى اجتماع عُقد أمس في العاصمة النمساوية “فيينا”.
وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أعطى ملمحًا عن هذا الاجتماع قبيل عقده، حينما صرح خلال مؤتمر صحافي عقده مع نظيره الألماني فرانك فالتر شتاينماير، في برلين، يوم الخميس الماضي، قال فيه إن الدول التي ستشارك في الاجتماع التي ستعقده الرباعية الدولية في فيينا، قد اتفقت على ما أطلق عليه “مبادئ مشتركة” حول مستقبل الوضع في سوريا.
كيري كان قد وعد بعقد لقاء مع نظرائه السعودي والتركي والروسي على هامش اجتماع فيينا، وهو ما تم بالفعل، وذلك بغية الوصول إلى رؤية مشتركة حول مصير الأسد في المستقبل السوري المزمع مناقشته، لكن يبدو أن “عقدة الأسد” لم تحل في هذا الاجتماع.
حيث ظهرت نتائج هذا اللقاء باهتة على وجوه المشاركين فيه، بما فيهم جون كيري وزير الخارجية الأمريكي الذي صرح بأنهم اتفقوا على التشاور مع كل الأطراف والسعي لعقد اجتماع جديد أوسع يأمل أن يكون في أقرب وقت، لاستكشاف ما إذا كان هناك توافق كاف لبدء ما أسماه “عملية سياسية جادة” في سوريا.
كما أجاب كيري على أسئلة الصحفيين بعد هذا الاجتماع بنوع من المطاطية الشديدة، حيث قال: “أنا مقتنع تمامًا بأن اجتماع فيينا نجح في الخروج ببعض الأفكار التي لن أكشف عنها، لكن يحدوني الأمل في أنها تنطوي على إمكانية تغيير الوضع في نهاية المطاف”، إذن لا أحد يعرف على ماذا اتفقت الدول المعنية بالأزمة السورية.
بينما جاءت تصريحات وزير الخارجية السعودي عادل الجبير مخالفة لما ذكره كيري من تصريحات متفائلة، إذ أكد الجبير أن الخلافات لا تزال قائمة حول موعد رحيل الأسد، وهو نفس الأمر الذي يمكن أن يُستنتج من تصريحات وزير الخارجية الروسي سيرجي، لافروف الذي شدد على رفض روسيا تنحي بشار الأسد، حيث صرح لافروف للصحفيين في فيينا أن “مصير بشار الأسد ينبغي أن يقرره الشعب السوري”، وهو ما يعكس بوضوح أن الأمر ما زال في محله وأن اجتماع فيينا لم يخرج بجديد حتى الآن.
ما يمكن أن يُطلق عليه البعض بالجديد هو مطالبة بعض القوى لا سيما روسيا بضم مصر وإيران إلى هذه المحادثات في الموعد المقبل، وذلك ما أكدته تصريحات لافروف التي قال فيها “طلبنا أن تجرى الاتصالات المستقبلية بصورة أكثر تمثيلاً”، وذلك بمعنى مشاركة إيرانية ومصرية في المحادثات المقبلة على وجه التحديد.
لم تبد الولايات المتحدة ممانعة في هذا الأمر، حتى أن بعض المتابعين تكهنوا بأن اللقاء القادم بين هذه القوى قد يشمل إيران ومصر، وهو ما رفض الوزير الأمريكي التصريح بشأنه مؤكدًا عدم وجود رغبة في إقصاء أي طرف، مصرحًا بقوله: “أن نخطئ بإشراك الأطراف أفضل من أن نخطئ بإقصائها”.
يُنظر إلى هذا اللقاء بعين حساسة، كونه الاجتماع الأول الذي يُعقد على هذا المستوى بعيدًا عن إشراف الأمم المتحدة، حيث ضم الدول الأكثر تأثيرًا في الأزمة، كما تجدر الإشارة إلى أن الإعلان عن عقد هذا الاجتماع في فيينا، أتى عقب زيارة للرئيس السوري بشار الأسد إلى موسكو للقاء فلاديمير بوتين الرئيس الروسي، في أول تحرك له خارج البلاد منذ اندلاع الثورة السورية في العام 2011.
على هامش هذا كانت هناك اجتماعات ثنائية بين وزراء خارجية الدول المعنية بالأزمة السورية كان أبرزها اللقاء الثنائي بين وزير الخارجية الروسي ونظيره الأردني ناصر جودة، حيث خرج اللقاء بتطور جديد على مستوى العلاقات الروسية الأردنية فيما يخص الأزمة السورية، إذ تم الإعلان عن “تنسيق” العمليات العسكرية في سوريا بين روسيا والأردن تحت راية “مكافحة الإرهاب”.
هذا الأمر يعني أن روسيا تريد زيادة لحلفائها في الجوار السوري لتأييد وجهة نظرها للحل في سوريا، وذلك عبر دعم دول من الجوار للتنسيق العسكري في توجيه ضرباتها إلى المعارضة السورية تحت مزاعم “قتال داعش”، بينما تؤكد المصادر الأمريكية والتركية أن القوات الروسية المتواجدة في سوريا تستهدف حماية الأسد في المقام الأول.
كذلك عرضت روسيا تجميد القتال مع الجيش السوري الحر، وفك الحصار المتبادل، وهي دعوة جريئة من الروس تستهدف بالأساس اكتساب تأييد مبدئي على الأرض بين أطياف المعارضة السورية بدلًا من استعداء الجميع، حيث أكدت روسيا أن القوات الجوية الروسية مستعدة لتقديم غطاء للجيش السوري الحر التي تراه مدعومًا من القوى، وذلك بهدف الاشتراك مع الروس لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
هذه العروض الروسية التي يراها البعض سخية في هذا التوقيت تحمل في طياتها إجبار للجميع دون استثناء على القبول بوجهة نظرها منفردة في الحل في سوريا، التي تتحدث عن إجراء انتخابات برلمانية، وتشكيل حكومة انتقالية، وانتخابات رئاسية بعد انتهاء ولاية الأسد الحالية بتعهد روسي مكتوب، كما تقضي في مرحلة مقبلة إعادة دمج الفصائل المتقاتلة على الأرض إلى الجيش السوري النظامي، وذلك بضم الميليشيات السورية الحليفة للنظام، وكذلك دمج الفصائل المعارضة المسلحة التي تتوافق مع هذه الرؤية الروسية وفي مقدمة استهدافهم الجيش الحر.
تتضمن خطة الروس التي عُرضت مؤخرًا أيضًا تشكيل جبهة دولية تُقاتل كل الفصائل التي ترفض هذا الحل بلا استثناء تحت مزاعم “الحرب على الإرهاب”، وهي خطة روسية محكمة لإجبار الجميع على القبول بها، ولكن السعوديين حتى الآن يرفضون هذا الأمر بشكل مطلق، كما أن الأتراك يريدون جدية في مناقشة مصير الأسد بعيدًا عن هذه الخطة الروسية.
وفي النهاية كافة الأطراف المشاركة في هذا الاجتماع تتحدث عن تسوية النزاع السوري سلميًا، وفي نفس التوقيت لا يتوقف أي منهم عن الحشد العسكري لزيادة وتيرة القتال على الأراضي السورية، وهو ما دفع بالمملكة العربية السعودية مؤخرًا لإرسال رئيس هيئة الأركان السعودي إلى تركيا في زيارة رسمية له، يُعتقد أنها لن تبتعد كثيرًا عن مناقشة الوضع العسكري في سوريا بعد هذه المماطلات الدبلوماسية.