ترجمة وتحرير نون بوست*
دوما ما كانت إيران تعتبر عامل “الدين” أداة مساومة جيدة في التأثير على منافستها الإقليمية الرئيسية: المملكة العربية السعودية. في الماضي، استخدمت الدعايا الإيرانية التمييز ضد الأقلية الشيعية في السعودية بشكل كبير للضغط على المملكة. هذا أخبر المحللين السعوديين أن تلك الأقليات الدينية (الشيعية) قد تُستخدم من قبل إيران في أي مواجهة محتملة مع الرياض. وفقا لحسابات “الاستراتيجيين السعوديين”، هذه المجموعات يراها الإيرانيين كطابور خامس محتمل داخل المملكة.
فيما يتعلق بالطابور الخامس، وفي مقابلة كاشفة مع أحد المحللين الإيرانيين البارزين بخصوص مشكلات العالم العربي، قال محمد صادق الحسيني في افتتاحية صحيفة “خبر” الإيرانية، أن أي حل للمسألة الشيعية في السعودية سيكون متسقا مع المصالح الإيرانية. وقال أنه يعتقد أنه طالما كان الشيعة في خطر شديد، فقد يتمردوا ويثوروا في أي وقت، وبقية السيناريو سيسير بهذا الشكل: البحرين وأجزاء من اليمن والمناطق الشيعية في السعودية، سيتوحدون مع الإسماعيلية في إيران، سيشكلون ما مجموعه أكثر من ٧٥ مليون شخص، ما يمكنهم من إنشاء إمبراطورية ضخمة. ربما يبدو هذا السيناريو ضربا من الخيال، إلا أن السعوديين لا يرونه مغرقا في الخيال.
المحلل الإيراني في الحقيقة كان يتحدث عن سيناريو يعتقده آل سعود في الرياض، وهو إحياء فكرة الدولة الشيعية العربية، والتي يجب أن تقع تحت تأثير طهران، حتي الركن اليمني الذي يضم -بعيدا عن اليمن نفسها- مناطق عسير ونجران في السعودية.
بخلاف الشيعة الاثنا عشرية، الإسماعيليون يعيشون في تلك المناطق، ولديهم هيكل قبلي، فهم من قبيلة بني يام، ويعيش جماعات صغيرة من الإسماعيلية حول الدمام، المدينة الرئيسية في المنطقة الشرقية. عدد الاسماعيلية الموجودون في السعودية يتراوحون بين ٤٠٨ ألفا وفقا لتعداد السعودية عام ٢٠٠٤، إلى مليون نسمة (وفقا لمصادر شيعية)، ويبدو الرقم الأخير هو الأقرب
العدد الدقيق لأتباع الإسماعيلية غير معروف، ومن الصعب للغاية حسابته بسبب طبيعة الطائفة الإسماعيلية المغلقة، فعلى عكس الاثنا عشرية، يميل الاسماعيلية لإخفاء انتماءهم الديني، حيث يضعون “التقية” موضع التطبيق، بهذه الطريقة يمكنهم زيارة مساجد السلفية والمشاركة في الصلاة. في الحقيقة لا يكسر الإسماعيليون أي روابط تربطهم بمجتمعهم أو ببقية المجتمعات، ويستمرون في الحفاظ على دينهم في السر
ولهذا تحديدا فلم يكن لشيوخ السلفية أي تأثير عليهم، وحالات التحول من الإسماعيلية إلى السنة نادرة جدا، فتحولهم يعني كسر كل العلاقات القبلية وخسارتها، إلا أن السلفيون لم يتخلوا أبدا عن خططهم في دعوة الإسماعيلية إلى السنة. في ٢٠٠٨ صدرت فتوى ضد الشيعة قيل فيها أن الإسماعيليون يقفون جنبا إلى جنب مع النصيرية والعلويين في سوريا ويشكلون أسوأ المجتمعات الباطنية.
حالة الإسماعيلية في نجران، لم تحصل على الكثير من الاهتمام الإعلامي الدولي أو بين منظمات حقوق الإنسان، ومع ذلك فإن سبب التوتر السياسي المتنامي هناك ليس النشاط الدعوي السلفي، لكن إجراءات التمييز ضدهم. لقد نفذت السلطات السعودية سياسة ناجحة نسبيا باحتواء معارضة الاسماعيلية من خلال منح سخية لشيوخ القبائل وقادة المجتمع مقابل الولاء للنظام. إلا أنه ومع تعيين الأمير مشعل بن سعود، حاكما علي نجران في ١٩٩٧، بدأ المشهد في التدهور بشدة. لقد مُنع الاسماعيليون في عهده من الآذان للصلاة في مساجدهم، أو للاحتفال بيوم عاشوراء أو بعرض أي مظهر من مظاهر عبادتهم. وفي عام ٢٠٠٠ ثارت انتفاضة من الاسماعيليين الذين شعروا بأن السلطات لم تمتثل لشروط اتفاق انضمام نجران إلى السعودية، والذي نص على حريتهم الدينية. خلال اضطرابات إبريل/نيسان عام ٢٠٠٠ تصاعدت المواجهات لتشمل مواجهة مسحة مع الشرطة وأجهزة الأمن.
حاولت السلطات السعودية السيطرة على الأمر بتنفيذ عدة تدابير من شأنها أن تؤثر إيجابيا على الإسماعيلية، إلا أن النتيجة المرجوة لم تتحقق. في سبتمبر /أيلول من ٢٠٠٦، قام قرابة ٣٠٠ شخص بتنفيذ مظاهرة لوقف القمع المتواصل وإطلاق سراح المعتقلين الذين كانوا لا يزالون في قبضة السلطات منذ عام ٢٠٠٠
من بين المشاكل العديدة التي يواجهها الإسماعيليون، هي محاولة من جانب السلطات لتغيير ديموغرافية منطقة نجران والبنية العرقية والدينية فيها، لقد بدأ برانمج سري لتسكين القبائل اليمنية السنية في محافظة حضرموت في السعودية ومن ثم تجنيسهم.
علاوة على ذلك، اعطت السلطات كل الصلاحيات للسنة، بما فيها السماح لهم بحمل السلاح. وغض الطرف عن الأزمات المتكررة مع السكان المحليين من الاسماعيلية. في ٢٠٠٦ قدم مجموعة من الإسماعيليين عريضة للملك عبدالله لوقف تسكين ١٠ آلاف شخص يمني في السعودية وخاصة على طول الطرق الرئيسية المحيطة بمدينة نجران، وطلبوا منه وقف هذا المشروع المتعمد الذي يهدف إلى تذويب الأقلية الشيعية في أغلبية من أهل السنة.
في الحقيقة الحل الذي انتهجته السعودية أدى لمشاكل من نوع آخر، فهذه القبائل التي جنستها السعودية كانت هي نفسها التي جندت منها القاعدة معظم عناصرها والتي ارتكبت عمليات داخل المملكة لاحقا.
ومع تغير الوضع الجيو سياسي على الحدود السعودية اليمنية مع الاشتباكات المسلحة بين الحوثيين من الشيعة الزيدية والحكومة اليمنية، والتي شاركت فيه الحكومة السعودية في ٢٠٠٩ شعرت الرياض بقلق بالغ من زيادة نشاط الاجهزة الاستخباراتية الايرانية والتي تعمل على زعزعة الاستقرار في المناطق الشيعية.
لاحقا أقر الملك عبدالله بأنه لم يتمكن من إقامة علاقات جيدة مع الطائفة الاسماعيلية، لكن مع اختيار ابنه مشعل محافظا لنجران، بدأ في عدد من التدابير الاستباقية للحد من التوترات، منها تنفيذ عدد من المشروعات الاجتماعية ومشروعات البنية التحتية مثل إعادة بناء المطار المحلي، وتحسين الطرق، وجلب استثمارات للمنطقة و بناء جامعة جديدة
السعودية استمرت في محاولة تجنب المواجهات مع الاسماعيليين، وظهر ذلك جليا في حادثة إهانة الإسماعيليين على فضائية “أوطان” السعودية، والتي يمتلكها رجل الأعمال السعودي عبدالرحمن الطيار، ما حدا بالملك عبدالله ليغلق القناة لاحقا بعد طلبات قدمها الإسماعيليون.
هذه السياسات لم تكن كافية لإرضاء الإسماعيليون، هم يطالبون في الحق في شغل الوظائف العامة والدبلوماسية، والعمل في مجالات عامة أخرى مثل القانون والتعليم كما يطالبون دائما بوضع حد لتجنيس اليمنيين في السعودية.
بطبيعة الحال، من السابق لأوانه الحديث عن النزعات الانفصالية الناشئة في نجران، خلافا للمنطقة الشرقية. بل إنه من المبكر أيضا أن نستخلص استنتاجات حول تشكيلة النظام الاسماعيلي المعارض الذي يتشكل الآن في المنطقة.في هذه المرحلة، النوايا الطيبة لا تزال هي الضامن الوحيد من حكم آل سعود لحقوق الإسماعيلية، خاصة مع تزايد الاستقطاب الديني في المملكة. المشكلة ليست في إيران فقط، لكن أيضا مع السياسة التي لا هوادة فيها والتي يعتنقها الوهابيين في الرياض تجاه الأقليات الدينية، وخاصة أولئك الذين يمكنهم أن يكونوا مرتبطين بشكل أو بآخر بطهران، بكلمات أخرى: الشيعة الإثنا عشرية والإسماعيلية.