عاد تنظيم “القاعدة في جزيرة العرب”، إلى الظهور بشكل لافت في المشهد باليمن، بعد تراجع نسبي لنشاط المتطرفين لوحظ على مدى الأشهر الماضية، بالرغم من أن فرص الظهور كانت مواتية، قياسا بالوضع حاليًا.
وتزامن الصعود المطرد للتنظيم المتشدد، جنوب اليمن، في ظل تباعد المواقف في الوقت الراهن واستمرار الضغوط الدولية من أجل التوصل إلى صيغة حل بعيدًا عن اشتراطات الجانب الحوثي، وأيضًا بموازاة تصاعد لعمليات العسكرية التي تنفذها قوات التحالف العربي على مسارين جوي وبري لمساندة قوات الحكومة الشرعية، ضد قوات صالح والحوثيين، في مناطق شمال البلاد.
وأثار توقيت الظهور اللافت للمجموعات الجهادية في اليمن، لاسيما في المناطق التي استعادت الحكومة المعترف بها دوليًا السيطرة عليها، تساؤلات عدة، حيال الأطراف المستفيدة، وأيضًا عن حجم الإرباك المترتب على المساعي الحكومية لإعادة بسط النفوذ، وإدارة الوضع في المناطق المحررة.
في حين سلطت العودة المفاجئة لعناصر القاعدة وتصدر المشهد في هذا البلد المضطرب سياسيًا وأمنيًا، الضوء على تحد جديد يواجه الحكومة الشرعية، بجانب الصراع السياسي والعسكري مع قوات صالح والمسلحين الحوثييّن، في وقت حمل إشارات عن جهات محلية حركت المتطرفين، في عدن التي تعد مركزًا ثانيًا، بعد الرياض، لإدارة المواجهة مع الطرف الانقلابي.
ويعزز هذه العلاقة، الهجوم الأخير الذي استهدف فندق القصر بمدينة عدن، بالتزامن مع وجود نائب الرئيس ورئيس الوزراء خالد بحاح بداخله، وتبنى تنفيذه تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في بيان مقتضب نُشر بأحد الحسابات التابعة له في “تويتر”، بجانب إقرارات لقياديين سابقين في القاعدة، ألمحت بوضوح بتلقي التنظيم لدعم مادي وعسكري مصدره صالح.
ويقف صالح – كما هو الحال بالنسبة لزعيم الحركة الحوثية – في منطقة رمادية حيال “الإرهاب” كفكر وسلوك، إلا أنه درج على التوظيف المراوغ لهذا الملف، طيلة فترة حكمه لليمن، قبل أن يعود للعب بذات الورقة، في خضم الصراع المستمر منذ أربع سنون.
وواكب التحرك العلني لفصائل تنهج العنف الأيدلوجي في مدينة عدن، قيام مجموعات مسلحة تتبع جماعة “أنصار الشريعة” الفرع المحلي لما يعرف بـ “قاعدة الجهاد في جزيرة العرب” بالسيطرة على مقار حكومية، في أبين المجاورة، إلى جانب إعدام مسلحو التنظيم لعدد 19 جنديًا يتبعون أحد معسكرات الجيش الموالي للحكومة الشرعية في حضرموت جنوب شرق اليمن .
إرباك الحكومة الشرعية
زاد حضور القاعدة على نحو مقلق في عدن، من حالة الإحباط لدى كثير من اليمنيين الذين يتطلعون لتحجيم وجود التنظيمات المسلحة، لصالح تثبيت سلطة الدولة، وبسط نفوذها على كامل الجغرافيا اليمنية.
ومن شأن استئناف التنظيم المتطرف للنشاط المسلح، أن يربك الجهد السياسي والعسكري، للسلطة الشرعية بدعم كامل من دول التحالف العربي بقيادة السعودية، لجهة تقويض الواقع الذي فرضه الحوثيون وصالح بقوة السلاح.
وبالنسبة إلى التوقعات المستقبلية، يعتقد أن يحل “أنصار الشريعة” هدفًا تاليًا لحملة عسكرية تلوح في الأفق، بيد أنه يظل من الصعب التكهن بموعد ساعة الصفر، في الوقت الذي تستمر فيه المعركة مع الحركة الحوثية، وفيما الغموض يلف مآلاتها حتى اللحظة.
وفي ظل مخاوف دولية من تنامي قوة العناصر المتشددة وخاصة تنظيم القاعدة وداعش واتهامات خصومه لحكومته بالتحالف مع الجماعات المتطرفة حاول بحاح إرسال تطمينات للعالم، حيث قال إنه بذل جهودًا جادة على جميع الأطراف لمكافحة الإرهاب، لكنه اعتبر سيطرة الحوثيين وصالح على العاصمة وعدد من المدن وفر بيئة مناسبة للإرهاب.
وفي غضون عودته من العاصمة السعودية الرياض، إلى مدينة عدن، كشف نائب الرئيس اليمني ورئيس الحكومة خالد بحاح عن أولويات الحكومة على المدى القريب، وجاء إخراج القاعدة من مدينة المكلا عاصمة محافظة حضرموت شرق البلاد، ضمن هذه الأولويات.
ويلحظ أن حكومة بحاح تتجنب، في الوقت الراهن، فتح جبهة مواجهة جديدة مع التنظيم الأصولي، وذلك بدافع الرغبة بعدم تشتيت الجهد العسكري لجهة استعادة الدولة من قبضة قوات صالح والحوثي، وإنهاء الانقلاب، على أن التهديد الذي يشكله القاعدة، في اليمن، ليس حديث اللحظة، حيث تعود جذوره إلى مطلع عقد التسعينات من القرن الماضي.
رفع منسوب القلق الدولي
في المقابل، يعتمد زعيم الحوثيين أسلوبًا مغالطًا حيال الموقف من تنظيم القاعدة والتنظيمات الأخرى، في حين يحرص على مجاراة الموقف الأمريكي من الجماعات المشابهة، وصولاً إلى استعمال ملاحقة الإرهاب، غطاءً لتسويغ الحرب الخاصة التي يخوضها ضد اليمنيين، وإكسابها نوع من المشروعية.
غير أنه يظل من الصعب على الحركة الحوثية، استمالة المجموعة الدولية أو انتزاع مواقف مؤيدة، من خلال الرقص على إيقاع “مكافحة الإرهاب”، خاصة وأن المسار العنيف الذي تسلكه، يجعل من البداهة التعامل معها بنفس الآلية التي يُعامل بها تنظيم القاعدة والمجموعات المرتبطة.
ويلعب خصوم الحكومة الشرعية، على وتر القلق الخارجي المتعاظم، من التواجد المحدود للمتطرفين داخل مدينة عدن، قياسًا بما كان عليه الوضع في السابق، حيث يربط أنصار صالح والحوثي، بين المغادرة القسرية لمدن في الجنوب، وعودة عناصر التنظيم الأصولي إلى مسرح الأحداث هناك.
ولعل اختيار التنظيم للإعلان عن نفسه، من المناطق الخاضعة عمليًا لسيطرة الحكومة الشرعية، قد أثار الشكوك مجددًا حول علاقة صالح بالتنظيمات المتطرفة، انطلاقًا من كونه أبرز المستفيدين من العودة المفاجئة للمتشددين، في هذا التوقيت بالذات.
ولأن طرف الانقلابيين يتعرض لضغوط عسكرية ودبلوماسية كبيرة ويحاول خلال الفترة الحالية تحقيق قدر من المكاسب؛ فقد أعاد الحوثيون الحديث على أنهم في الوقت الذي يقبلون فيه بالانخراط في محادثات السلام، فإنهم مستمرون بالقتال ضد من يصفوهم بـ “الدواعش”، وهو منطق يحاول محاكاة الإستراتيجية الأمريكية، وبالتالي استمالتها.
غير أن ما هو راجح أن المجتمع الدولي لم يعد بمقدوره القبول باستمرار الحوثيين بتقويض فرص الحل للأزمة في اليمن، لما يمثله من خطر على الأمن والسلم الدوليين، إذ وجدت الجماعات المتطرفة في الحرب مناخًا ملائمًا للتمدد والانتشار.
كما أن تدفق السلاح إلى الأطراف المتحاربة – مصدر السلاح دول إقليمية كإيران، أو مخازن قوات الجيش المؤيدة للرئيس السابق – سيحول هذا البلد القريب من أهم مناطق إنتاج النفط في العالم والذي يشرف على مضيق باب المندب الذي تُنقل عبره نحو أربعة ملايين طن من النفط العالمي، إلى جانب أن فرع تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية والذي يتخذ من اليمن مقرًا له هو أنشط فروع التنظيم الذي نفذ هجمات إرهابية في أوروبا والولايات المتحدة والشرق الأوسط، إلى بؤرة لصراع طويل الأمد وساحة للتنافس بين الجماعات العنيفة، ذات التوجهات الأيدلوجية المختلفة.