كان الأمر الإضافي والمهم، الذي دعا واشنطن إلى التحرك باتجاه عملٍ ما، من أجل تهدئة الأوضاع الدموية القائمة في نواحٍ من الضفة الغربية والقدس المحتلة، وبعد تلقيها نسبة عالية من اليأس بشأن حصول أيّة إمكانية لعودة الحياة إلى طبيعتها، هو شعورها بأن القيادة الفلسطينية ليست لها سيطرة مطلقة على تلك الأوضاع، باعتبارها هبّة شعبية قامت بمعزلٍ عنها، وبالتالي تتحسّب لأن تصل الأمور إلى مرحلة تكون أكثر حرجًا، خاصة وبعد إهمالها ملف الصراع القائم، منذ وصول المفاوضات السياسية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي إلى طريقٍ مسدود، أواخر أبريل من العام الماضي.
لكن ما يحِدّ من يأسها، هو شعورها بأن لديها ثقةً كاملة بشأن مقدرتها على احتوائها كافة الأزمات، والخاصة بالقضية الفلسطينية، ويُسهّل عليها بأن أمامها الآن شخصين متلهفين جدًا للعودة إلى ما قبل تلك الهبّة، ومعنيين أكثر من أي وقت مضى باستئناف المفاوضات حتى برغم تواجد اتهامات متبادلة بأن الآخر هو سيّد التحريض على العنف وسببه الأول.
فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يُريد بواسطتها، جعل نهاية للأحداث والخروج بأقل الخسائر، رغبةً منه في استرجاع الهدوء من ناحية والفرار من الناحية الأخرى من أن يضطرّ إلى إدخال مُنغّصيه وأنداده من المعارضة، في متن حكومته الهشّة والآيلة للسقوط منذ أول أمرها، برغم نجاتها من حجب الثقة عنها، عدّة مرات سابقة.
كما أن من شأنها مُساعدة الرئيس الفلسطيني أبو مازن على استعادة السيطرة على الأوضاع الداخلية، كونه لا يفضّل الدخول في انتفاضة ثالثة ويؤيّد بدلًا عنها، تأسيس مقاومة شعبية سلميّة، خاصة وأن ذهنه ملئ بالشعور، بأن حماس تريد تأجيجها، باعتبارها لديها فرصة برأسين: كسب أوراق إضافية بشأن التهدئة المنتظرة مع إسرائيل، والتقليل من سيطرة السلطة الفلسطينية على الضفة الغربية، إلى أقل نقطة.
وزير الخارجية الأمريكي جون كير” الذي قامت واشنطن بدفعه نحو الأزمة، والذي من المفترض أن يسوق أمام الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، مقترحات من أجل التهدئة، بدا مرتبكًا ومشوشًا بشأن كيفية التعاطي معهما، خاصة بعد إذعانه لـ “نتانياهو” بإلغاء فكرة عقد لقاء قمّة تجمعه وأبومازن بحضور الملك الأردني عبدالله الثاني بعد أن أبدى الأردنيون موافقتهم على استضافتها، مستعيضًا عنها بضرب موعدٍ للقائين منفصلين، كل على حِدة، أحدهما في الغرب معه، والآخر في الشرق مع أبومازن.
فالسيد كيري يعلم بأن نسبة أن تُسفر مقترحاته عن شيء “مهم” تبدو ضعيفة، والتي بحسبها تتمحور في خفض مستوى العنف، عدم تغيير الوضع القائم في الحرم القدسي، تجميد الاستيطان لفترة ما، استئناف المسيرة السياسية، وحتى في ضوء الموافقة على استئناف المسيرة، فعلاوة على التجربة السابقة، عندما فشل لقاء شرم الشيخ، الذي كان يهدف إلى إنهاء انتفاضة الأقصى في أكتوبر عام 2000، برغم وجود اليسار في الحكم، فإن عمليات الابتزاز المكثّفة التي تعرّض لها وهو في طريقه لعقد اللقاء، قد آتت أُكُلها.
حيث تراجع عن تصريحات سابقة تمس بإسرائيل، وبالتالي أدّت إلى توفير غطاءٍ جيّدٍ للتصعيد، وبغض النظر عن قضية الأقصى حيث تبدي إسرائيل ميلًا ملحوظًا – وإن كان مُغلفًا في لعبة ما – وذلك من أجل عودة الهدوء إلى قواعده بسلام، فهناك محافل دولية ومحلية، تخشى من أنها لا يمكنها تجميد الاستيطان، إلاّ إذا كان شفاهةً فقط، بسبب ارتباطه بحياة الحكومة وبحياتها هي نفسها.
يجدر الفهم مما سبق، بأن الفلسطينيين بشكلٍ عام، لا يجب عليهم تعليق آمالٍ جيّدة على مساعي كيري، باعتبارها ثرثرة وحسب، حتى برغم تسليمهم له إخطارًا يُفيد بأن إسرائيل هي المعتدية، فعلاوةً على أنها وكما مر بنا، تم ابتزازها مسبقًا، فإن كيري نفسه يأخذ موقفًا مخالفًا لهم ولرغباتهم، ويأتي ذلك في ضوء ما تُكنّه إدارة باراك أوباما، التي داومت على تحذير السلطة من الانجرار نحو اتخاذ قرارات منفردة، متماهيةً مع الكونغرس الأمريكي الذي أعرب عن تعاطفه مع إسرائيل وندد بالسلطة الفلسطينية وهدد بمعاقبتها ماليًا وسياسيًا.
كما أن الإسرائيليين ما فتئوا يكشفون، عن أنهم لا يكترثون بشكل جاد بشأن الهبّة الفلسطينية الدائرة، باعتبارها أحداثًا طارئة ستنتهي من تلقاء نفسها قريبًا، ولن تُقلقهم كثيرًا أية خطوات تقوم بها السلطة الفلسطينية وإن تعلّقت باستحضار أحد خياراتها المتاحة – في نظرها على الأقل -، وخاصةً ذلك المتمثّل في تعاملها مع إسرائيل كدولة قائمة، وليست كسلطة ضعيفة، باعتبارها لديهم خطوات منفردة.