“يرى الكثير من المحللين أن تعيين طارق عامر رئيس البنك الأهلي المصري السابق محافظًا للبنك المركزي هذا الأسبوع، خطوة لإرضاء رجال الأعمال والمصرفيين الذين تعارضت مصالحهم وزادت خلافاتهم مع سلفه هشام رامز”.
جاء هذا في سياق تقرير نشره موقع “ميدل إيست آي” البريطاني أمس الأحد، والذي ذكر فيه أن رامز محافظ البنك المركزي الذي تقدم باستقالته مؤخرًا قبل انتهاء فترة ولايته رسميًا في الـ 26 من نوفمبر المقبل، قد واجه انتقادات حادة بعد رفضه خفض سعر الجنيه المصري، وفقًا لتقارير إعلامية.
وأقدم رامز بدلاً من ذلك، وفقا للتقارير، على اتخاذ سلسلة من الإجراءات التي أثارت حفيظة أصحاب الشركات المحلية والذين اشتكوا من نقص العملة الصعبة اللازمة لسداد المدفوعات الخاصة بالواردات، وهبط احتياطي مصر من النقد الأجنبي إلى ما إجمالي قيمته 16.3 مليار دولار في سبتمبر المنصرم من 36 مليار دولار في العام 2011.
وصرح مسؤول مصري مؤخرًا أن “خلافات حادة اندلعت في الشهور القليلة الماضية بين هشام رامز وعديد من الوزراء حول أسلوب إدارته للسياسات النقدية المتعلقة بخفض الدين ومواجهة مستويات التضخم وارتفاع الأسعار”، وأضاف بأن “سياسات رامز طالما تسببت في إحراج الحكومة أمام الرأي العام بعد أن أدت إلى زيادة حادة في الأسعار وخفض سعر العملة أمام الدولار”.
وواجه رامز انتقادات شرسة بعد إلقاء اللائمة عليه في التراجع الحاد في احتياطي النقد الأجنبي على خلفية مشروع قناة السويس الجديدة الذي بلغت كلفته 8 مليارات دولار، وواجه البنك المركزي ضغوطًا متنامية لخفض سعر الجنيه في الوقت الذي ازدهرت فيه السوق السوداء لتصبح شريان حياة بالفعل للشركات غير القادرة على الوصول إلى الدولار عبر القنوات الرسمية.
وأقدم رامز على خفض سعر الجنيه في شهري يناير وفبراير، مبقيًا على سعر العملة قويًا عند 7.53 أمام الدولار وذلك حتى يوليو عندما سمح لسعر العملة بالانخفاض مجددً، وجاءت الجولة الأخيرة من جولات خفض سعر الجنيه في سبتمبر الجاري مع استقرار العملة عند 7.93 أمام الدولار.
لكن يشير خبراء مصرفيون إلى أن تلك الخطوات لا تزال غير كافية ومتأخرة جدًا، إلى درجة قول بعضهم: “لا أحد يعرف ماذا يفكر فيه رامز؛ فالأجواء ضبابية”، وأجمع الخبراء على أن رامز قد بات مُصِرًّا على سحق السوق السوداء حتى ولو على حساب الاقتصاد المحلي الذي يكافح من أجل العودة إلى مسار النمو”.
وعاد من أيد جهود رامز لتحقيق الاستقرار للجنيه ليبدأ في مراجعة حساباته في فبراير الماضي عندما قرّر محافظ البنك المركزي تطبيق ضوابط مصرفية، من بينها تحديد سقف للإيداعات الدولارية بـ 50 ألف جنيه؛ ما قضى على السوق السوداء بعد أن عجزت الشركات في العثور على مكان لإيداع الدولارات التي حصلت عليها عبر قنوات غير رسمية.
وأجبرت تلك القيود البنكية أيضًا المصارف على تقديم دولارات لاستيراد السلع الإستراتيجية، مما أثار غضب وحفيظة مستوردي السلع الكمالية.
وتراجعت الصادرات بنسبة 19% في التسعة شهور الأولى من العام 2015، مع تأكيدات بعض الشركات المصنعة أن القيود المفروضة على العملة تجعل من الصعب عليهم فتح خطابات ائتمان لتوريد بعض المواد الخام.
ويرى المراقبون أن تعيين طارق عامر الذي من المتوقع أن يصدر قرارًا بإلغاء السياسات التي انتهجها سلفه رامز، يمثل انتصارًا كبيرًا لأباطرة الأعمال في مصر، موضحين أن الرجل سبق له العمل في بنوك رائدة إضافة إلى عمله نائبًا لمحافظ البنك المركزي، عامر كان أيضًا زميلاً سابقًا لجمال مبارك نجل الرئيس الأسبق حسني مبارك، ولمع نجمه في السنوات الأخيرة من حكم المخلوع.
في المقابل، يرى خبراء أن تغيير السياسة النقدية لمصر مسألة حساسة من الناحية السياسية ولن تكون مهمة سهلة أبدًا على محافظ المركزي الجديد، ولفت الخبراء إلى أن الخيارات المطروحة أمام عامر صعبة مع مواجهة البنك ضغوطًا متنامية لخفض سعر العملة، ولاسيما منذ التباطؤ الذي تشهده عملات الأسواق الناشئة، لكن يتخوف البعض من أن ترضي تلك الخطوة الشركات ولكنها تقود في الوقت ذاته إلى زيادة معدلات التضخم في بلد يعتمد على الواردات ويبلغ تعداد سكانه حوالي 90 مليون نسمة.
وفي النهاية، فإن التغييرات الاقتصادية الجريئة ربما لا تكون مستساغة سياسيًا في مصر، حيث تسعى الحكومة إلى تحقيق الاستقرار ومنع أسباب اندلاع احتجاجات في الشوارع والتي أسهمت في الإطاحة برئيسين في ثلاث سنوات.
المصدر: ميدل إيست آي – تقرير: مصر العربية