الريدز والسنوات العجاف
عندما نتحدث عن نادي ليفربول، فنحن نتحدث عن أحد أعرق أندية إنكلترا والعالم، وأشهرها وأكثرها تتويجًا بالألقاب، فعمره يمتد لأكثر من 123 عامًا، وسجلاته تزخر بخمسة ألقاب أوروبية كبرى في كأس الأبطال، و18 لقبًا في الدوري الإنكليزي، و7 في كأس إنكلترا، فضلًا عن ألقابه الأخرى؛ (3 في كأس الاتحاد الأوروبي، ومثلها في السوبر الأوروبي، و8 في كأس رابطة المحترفين الإنكليزية، و15 في الدرع الخيرية).
ولكن، ماذا إذا نظرنا إلى تاريخ هذه الإنجازات؟ سنجد أن آخر ظهور لدرع الدوري الإنكليزي في ملعب الأنفيلد يعود لعام 1990! وآخر إنجاز أوروبي يعود لعام 2005، حين نجح رافا بينيتيز بصنع المعجزة في ملعب إسطنبول منهيًا صيامًا ليفربوليًا دام 21 عامًا على مستوى كأس الأبطال، وكذلك الحال بالنسبة لكأس إنكلترا الذي تعود آخر مرات الفوز به إلى عام 2006.
إنجاز وحيد – لا يصنف ضمن خانة الإنجازات الكبرى – حققه الريدز في السنوات الـ9 الأخيرة، هو الفوز بكأس رابطة المحترفين الإنكليزية عام 2012، وهي البطولة المصنفة في المركز الثالث والأخير محليًا من حيث الأهمية! فهل يكفي ذلك؟ بالطبع لا، لا يكفي لإرضاء عشاق الريدز المتعطشين، ولا حتى لإرضاء تاريخه الناصع الذي جعله يبدو كصرح شامخ من صروح كرة القدم عبر التاريخ، ولكن، أين هو الآن؟ أخشى أنه كان صرحًا من خيال فهوى!
يورغن نوربرت كلوب
ولد في مدينة شتوتغارت الألمانية عام 1967، ولعب لعدة أندية مغمورة أهمها ماينز، الذي دافع عن ألوانه كلاعب منذ عام 1990 وحتى عام 2001، حين قرر اعتزال اللعب والاتجاه للتدريب، بعد أن سنحت له فرصة نادرة لتدريب فريق ماينز الذي كان يلعب له، فاستلم دفة قيادة النادي، الذي ينشط في دوري الدرجة الثانية، بشكل مؤقت اعتبارًا من آخر فبراير عام 2001، ونجح في أولى مهامه بإنقاذ الفريق من شبح الهبوط إلى دوري الدرجة الثالثة، ليتم استبقاؤه كمدرب دائم، فيكافئ الرجل النادي الذي أولاه الثقة، بقيادته للصعود إلى دوري الدرجة الأولى لأول مرة في تاريخه موسم 2005 – 2006، وينجح في الصمود بين كبار البوندسليغا 3 مواسم متتالية، ليترك بعدها دفة تدريب ماينز، متجهًا صوب تحد أكبر مع ناد أقوى وأشهر، هو العملاق الألماني بروشيا دورتموند.
في النادي الأصفر والأسود ذي الجماهيرية العارمة صنع كلوب شهرته، وفيه حقق جميع إنجازاته كمدرب، حيث قضى بين جنباته 7 مواسم، اعتبارًا من صيف عام 2008، فاز خلالها بلقب الدوري الألماني مرتين متتاليتين عامي 2011 و2012، إضافة إلى فوزه بكأس ألمانيا عام 2012، وكأس السوبر الألمانية 3 مرات أعوام 2008، 2013، و2014، فضلًا عن قيادته أسود الفيستفالن إلى نهائي دوري أبطال أوروبا عام 2013، حيث خسروا بصعوبة أمام مواطنهم بايرن ميونيخ بهدف الهولندي أرين روبين في اللحظات الأخيرة.
هذه الإنجازات فضلًا عن المستوى الرائع الذي قدمه فريقه دورتموند، وضعته في مصاف أفضل مدربي العالم في السنوات الأخيرة، حيث اُختير من قِبل الفيفا كثاني أفضل مدرب في العالم لعام 2013، كما تُوج قبلها بجائزة أفضل مدرب في ألمانيا مرتين، عامي 2011 و2012، مما أغرى أفضل أندية العالم لاستقطابه، ولكنه آثر البقاء في بروشيا حتى نهاية الموسم الماضي، الذي أنهى فيه الدوري في المركز السابع المؤهل إلى الدوري الأوروبي بعد تجاوزه كبوة الذهاب، كما بلغ نهائي كأس ألمانيا حيث خسر أمام فولسبورغ، ليعلن بعدها تنحيه عن تدريب الفريق، مفضلًا التريث وعدم التوقيع لأي نادٍ جديد.
الأسباب الـ10 التي تدعو عشاق الريدز للتفاؤل بقدوم الألماني
في الـ7 من شهر أكتوبر الجاري، أعلن مسؤولو نادي ليفربول رسميًا إقالة الأيرلندي الشمالي برندان روجرز من تدريب الفريق، بعد مشوار دام ثلاثة مواسم ونيف، وتعيين الألماني يورغن كلوب كبديل له في هذا المنصب، في قرار أثار الكثير من الارتياح والتفاؤل لدى عشاق الريدز، الذين وجدوا في المدرب الألماني الخيار الأمثل لقيادة فريقهم في هذه المرحلة، سعيًا لاستعادة أمجاد النادي الغابرة، وذلك لـ10 أسباب سنحللها فيما يلي:
1- التوقيت: استلم كلوب دفة تدريب الفريق في توقيت مبكر نسبيًا من الموسم، يستطيع معه المنافسة على جميع البطولات الممكنة، ففي البريمير ليغ لم يلعب الريدز قبل مجيء كلوب أكثر من 8 مباريات، جمعوا خلالها 12 نقطة وضعتهم في المركز العاشر، وفي الدوري الأوروبي لعبوا مباراتين من أصل ستة في دور المجموعات، جمعوا خلالهما نقطتين من تعادلين، كما أن حظوظهم ما تزال قائمة في مسابقتي كأس الاتحاد وكأس الرابطة المحليتين.
2- لاعبو الريدز: يحظى كلوب بتشكيلة معقولة من اللاعبين ضمن صفوف الريدز، بإمكان أي مدرب كفء التعويل عليها لتحقيق النجاحات، فلديه حارس يُوثق به، هو البلجيكي سيمون مينوليه، وفي قلب الدفاع لديه عدة خيارات أبرزها السلوفاكي مارتن سكيرتل، الفرنسي مامادو ساخو، والكرواتي ديان لوفيرن، إضافة إلى الإيفواري المخضرم كولو توريه، وعلى الرواقين؛ هناك كل من ناثان كلاين، الإسباني ألبيرتو مورينو، والصاعد جوردان إيبي، كما يضم خط الوسط العديد من اللاعبين البارزين، كالقائد جوردان هندرسون، المخضرم جيمس ميلنر، البرازيلي لوكاس ليفا، والألماني – تركي الأصل – إيمري جان، إضافة إلى ثلاثي صناعة الألعاب المتميز المكون من البرازيليين فيليب كوتينيو وروبيرتو فيرمينيو ومعهما آدم لالانا، أما في الخط الأمامي فيمتلك عدة لاعبين بخصائص متنوعة، أبرزهم العملاق البلجيكي كريستيان بنتيكي، ومواطنه الشاب ديفوك أوريغي، إضافةً إلى القناص دانييل ستوريدج، الذي كان أحد أبرز أعمدة الفريق قبل أن تداهمه الإصابات، وهي نفسها من ستحرم كلوب من مجهودات الشابين جو غوميز وداني إنغز حتى نهاية الموسم.
3- التكتيك: يعتبر المدرب الألماني من أساتذة التكتيك على مستوى العالم، فقد قدم مع فريقه السابق دورتموند دروسًا في رسم خطط اللعب وتغييرها كلما اقتضت الحاجة، وكلنا يذكر كيف تغلب على مورينو مدرب ريال مدريد في معركة نصف نهائي الشامبيونز ليغ عام 2013، وكرر إبهاره مجددًا الموسم الماضي عندما أزاح بايرن غوارديولا من نصف نهائي كأس ألمانيا.
4- الاستفادة من أقل الإمكانيات: ضرب كلوب مثالًا حيًا على ذلك عندما نجح بقيادة نادي ماينز المتواضع الإمكانيات، للصعود إلى الدرجة الأولى والمكوث فيها طيلة فترة تواجده معهم، وحتى نادي دورتموند لم يكن في أحسن أحواله الفنية والمادية عندما استلم دفة تدريبه، إذ كان مبتعدًا عن الألقاب لفترة ليست بالقليلة، ولكنه استطاع استثمار الإمكانات المحدودة المتاحة لتحقيق أفضل المكاسب الممكنة، وهذا ما يُنتظر أن يفعله مع الريدز.
5- الشباب: يُعرف عن كلوب تشجيعه للعناصر الشابة واعتماده عليها، وهذا ما فعله مع دورتموند؛ عندما قام بتصعيد عدد كبير من ناشئي النادي إلى الفريق الأول كنوري شاهين، مارسيل شميلزر، سفين بيندر، إيريك دوروم، وغيرهم، وهذا ما سيجده متاحًا في ناد يمتلك قاعدة ممتازة من الناشئين، كجواو تكسيرا، جوردان روستير، جاك دان، كاميرون براناجان، وبيدرو شيريفيا.
6- الكاريزما: لدى الألماني ذي الـ48 عامًا شخصية مميزة تتميز بالقوة والذكاء ولا تخلو من الطرافة، وهذا ما لمسه كل من تابع أول مؤتمراته الصحفية بعد قدومه إلى بلاد الضباب، حيث أدهش الصحفيين والإعلاميين بأسلوبه السلس الطريف في التعامل مع أسئلتهم المحرجة، وهذا تمامًا ما يحتاجه مدرب ينشد النجاح في بلد اشتهر بإعلامه الفظ اللاذع.
7- ضغوطات أقل: لن يكلف مسؤولو الريدز وحتى جمهوره مدربهم الجديد إلا وسعه، ولن يطالبوه بإنجازات كبرى، في الموسم الحالي على الأقل، وسيكون إنهاؤه الدوري في أحد المراكز الأربعة الأولى المؤهلة إلى الشامبيونز ليغ كافيًا تمامًا لنيل رضى الجميع هناك.
8- تاريخ المدربين الأجانب: بكثير من الحنين والإعجاب يذكر عشاق ليفربول المدربين الأجنبيين الوحيدين – من خارج المملكة المتحدة – الذين قادا الريدز عبر تاريخه، وهما الفرنسي جيرار هولييه والإسباني رافاييل بينيتيز، وهذه نقطة تُسجل لصالح المدرب الألماني الذي يُنتظر منه السير على خطى سلفيه الناجحين.
9- دعم الإدارة: يحظى كلوب بمطلق الدعم من قِبل مدراء النادي، وعلى رأسهم جون هنري وتوم ويرنر، الذين فضلاه على أسماء تدريبية شهيرة كانت متاحة كأنشيلوتي وماتزاري، كما اعترفا بأنهما قاما بعدة محاولات سابقة للتعاقد معه، آخرها مطلع الموسم الحالي.
10- جماهير الأنفيلد: يُعرف عن جمهور الأنفيلد، فضلًا عن إخلاصهم لناديهم وتمسكهم بتشجيعه في السراء والضراء، علاقتهم الطيبة مع أغلب المدربين الذين تعاقبوا على تدريب الفريق، وهذا ما لمسه الألماني عبر الاستقبال الرائع الذي حظي به في أول ظهور له في الأنفيلد، حيث علت الهتافات واللافتات التشجيعية التي كُتب عليها “لن تسير وحيدًا يا كلوب”.