ترجمة وتحرير نون بوست
يوم الأربعاء الماضي، وصلت إلى جامعة ويتواترسراند التي أعمل فيها، ولكن تعذر دخولي إلى هناك، فبعض المداخل الرئيسية للحرم الجامعي الذي يقع في وسط جوهانسبرغ كانت موصدة، أما المداخل الأخرى فقد تم إغلاقها وحراستها من قِبل الطلاب، الجامعة كانت تتوقع حصول احتجاجات بسيطة لا تدوم أكثر من ساعتين، ولكن بدلًا من ذلك، تواجهت، قبل أسبوع من الامتحانات، بإغلاق تام للحرم الجامعي نتيجة للحشد الاحتجاجي الكبير الذي ينوف عن 2000 شخص، حيث تم إغلاق الحرم منذ ذلك الحين.
الطلاب في جامعة ويتس، كما هي معروفة محليًا، خرجوا احتجاجًا على ارتفاع أسعار التعليم الذي أدى إلى حرمان الفقراء منه، فبالنسبة للكثيرين من هؤلاء الدخول إلى إحدى الجامعات يُعد انتصارًا، ولكن البقاء بها يُعد معجزة بحد ذاته.
بشكل عام، لا تقوم الجامعات والحكومة الجنوب أفريقية بما هو متطلب وكافٍ لمساعدة الطلاب الفقراء، وهم بالغالب من المواطنين السود، للبقاء في الجامعات وإكمال دراساتهم الجامعية، حيث كان الدافع الأساسي لاندلاع الاحتجاجات يتمثل باقتراح زيادة الرسوم بنسبة 10.5%، وهو الأمر الذي من شأنه أن يجبر بعض الطلاب الفقراء على الخروج من الجامعات وعدم دخولها لباقي حياتهم؛ فمبلغ الـ10000 راند، حوالي 750 دولار، المقترح تقديمه كرسوم تسجيل جامعي، سيمنع العديد من الطلاب الحاليين من التسجيل، وسيؤدي إلى خسارة بعضهم للتمويل أو للمنح الدراسية التي يحوزونها، لذلك، وخلال أسبوع واحد فقط، تصعّدت مطالب الطلاب من إلغاء زيادة الرسوم في ويتس، لتتحول إلى مطالبة الحكومة بالالتزام بتمويل التعليم العالي علنًا، علمًا أن الحكومة درست هذا الإصلاح في عام 2012 ولكنها لم تفصح عن نتائج هذه الدراسة للعلن.
بالمحصلة، أعلن الرئيس جاكوب زوما يوم الجمعة الماضي، بأن اقتراح زيادة الرسوم لن يتم تطبيقه في عام 2016، وهذا الإعلان يُعد انتصارًا عظيمًا، ولكنه ليس سوى بداية لصراع أكبر وأعمق؛ فالحكومة لم تلتزم بتغطية العجز الذي ستواجهه الجامعات نتيجة لإلغاء اقتراح الزيادة، فضلًا عن أنها لم تفصّل خططها المرسومة لتمويل التعليم العالي على المدى الطويل، لذا، وفي يوم السبت، صوّت طلاب ويتس لمواصلة إغلاق الجامعة حتى تنفذ الحكومة مطلبهم بالتعليم المجاني.
هذه القضايا تعد مهمة وضرورية بالنسبة للطلاب الذين تشبه حالتهم حالة ليبو، وهي امرأة سوداء تبلغ من العمر 19 عامًا، تدرس في عامها الثاني في ويتس، حيث تستيقظ ليبو في حوالي الساعة الخامسة في صباح كل يوم لتستقل حافلة مأجورة صغيرة مكدسة بالركاب من وسط بلدتها إلى وسط المدينة، ومن هناك تستقل حافلة صغيرة أخرى إلى الحرم الجامعي، أو قد تضطر لتقطع هذه المسافة سيرًا على الأقدام إذا كانت أوضاعها المالية لا تسمح بركوب الحافلة، وفي وقت الغداء، تقوم بجمع بقايا الطعام، وإن لم تجده ستضطر لأن تكمل يومها بلا طعام، لأن الطعام في الحرم الجامعي مكلف، وفي بعض الأحيان تضطر أيضًا للوقف في طابور طويل لمدة ساعة ونصف الساعة على الأقل أمام مختبر الحاسوب، فعندما يكون الإنترنت متوفرًا فقط على هاتفك الجوال، وجهاز الكمبيوتر الوحيد الذي تستطيع الوصول إليه يقع في الحرم الجامعي، فستضطر حينها إلى كتابة مقالاتك ضمن المختبر خلال فترة زمنية محدودة للغاية، وبحلول المساء، تكون ليبو جائعة ومتعبة، وتنتظرها رحلة شاقة تقطع من خلالها مسافات طويلة لتصل إلى منزلها، المؤلف من غرفة نوم واحدة تتقاسمها مع جدتها وشقيقتيها.
وضع ليبو لا يعد فريدًا من نوعه، فجامعة ويتس تضم حوالي 10.000 طالب يستحصلون على مساعدات مالية، والعديد من الطلاب الآخرين يناضلون لدفع الرسوم لكونهم ليسوا فقراء بما فيه الكفاية للاستحصال على مساعدة الدولة، وبشكل عام، يوجد حوالي 500.000 طالب جامعي على المستوى الوطني، وحوالي نصف هؤلاء يستحصلون على قروض رسمية من الدولة، مما يجعلهم عرضة للتعثر في دفع الرسوم، ويتركهم في عوز دائم لتغطية نفقات المعيشة.
في جميع أنحاء البلاد، ما يزال طلاب الجامعات وأسرهم يشعرون بإرهاصات الفقر الموروثة من نظام الفصل العنصري، والذي كان يضمن وصول السكان البيض للوظائف، ويترك للسود نظامًا تعليميًا دون المستوى يهدف إلى خلق قوة عمل منخفضة المهارة ومنخفضة الأجر، وحينئذ كان الطلاب السود ممنوعين من حضور جامعات النخبة، وعدد قليل فقط من العائلات السوداء، وخاصة تلك التي تتمتع بصلات جيدة، يمكنها تحمل تكاليف التعليم الخاص، والـ20 عامًا التي أعقبت سقوط نظام الفصل العنصري لم تكن كافية لتغيير هذا الواقع، سيّما في ظل الفشل الذريع الذي مُني به المؤتمر الوطني الأفريقي في توفير التعليم الأساسي والثانوي اللائق لطلاب جنوب أفريقيا.
استطاع طلاب ويتس الوصول إلى جماعات أخرى ضمن جامعات جنوب أفريقيا، حيث أغلقت الاحتجاجات يوم الأربعاء الماضي حرم جميع الجامعات في مختلف أنحاء الدولة، وباستخدام وسائل الإعلام الاجتماعية والقوة الجسدية، استطاعوا إشعال حوارًا وطنيًا يتمحور حول قيمة التعليم العالي وحق الفقراء بالوصول إليه، كما استطاعت مجموعة مؤلفة من حوالي 300 إلى 1000 طالب احتلال المبنى المركزي في حرم ويتس، في حين يحضر الآلاف يوميًا للمشاركة في المسيرات في جميع أنحاء المدينة، ومن هذا المنطلق، استطاع طلاب الجامعات فتح إمكانية اندلاع عصيان مدني مرة أخرى، واليوم يبدو الجو العام في حرم ويتس الجامعي وكأنه مشهد من فيلم الرقيق في باريس للمخرج برتولوتشي في عام 1968، وعلى الرغم من أن هذه الأخبار كان ينبغي أن تتصدر عناوين الإعلام، ولكن الإعلام امتنع عن تغطيتها بالشكل الملائم.
الأخبار التي طفقت في وسائل الإعلام كانت تركز على عنف هذه التظاهرات، وهو الأمر الذي لم يحدث أبدًا على أرض الواقع؛ فالتقارير الصحفية السائدة، برامج الهاتف الإذاعية، وسائل الإعلام الاجتماعية، والمحادثات العادية، فاضت بأحاديث عن عنف المظاهرات، والناس تتحدث عن الترويع، الحشود العنيفة، والشعور بالتهديد والخوف، ولكن لم تذكر أي وسيلة إعلامية بأن هذه الحشود أغلبها من السكان السود، لأنهم ليسوا بحاجة للتركيز على هذه النقطة.
من الصعوبة بمكان أن يتم ربط العنف بهؤلاء الطلاب بعد أن تمت مطاردتهم من قِبل الكلاب البوليسية، إطلاق الرصاص المطاطي عليهم، مهاجمتهم بالغاز المسيل للدموع وقنابل الصوت، واعتقالهم لأنهم تجرأوا على الاحتجاج أمام البرلمان، ولكن مع ذلك، الشعور المبطن في مخيلة الناس يتمثل بأن معاملة المحتجين بهذه الطريقة هو أمر صحيح ومستحق تمامًا وليس مستغربًا، سيمّا في ظل عنف الطلاب المفترض في استيلائهم على المباني، مقاطعتهم لمسارات الطلاب الآخرين التعليمية، وسوء سلوكهم بشكل عام.
في يوم الاثنين الماضي، حاول سائق أبيض دهس طلاب نظموا اعتصامًا ضمن طريق مزدحم، وإثر محاولته تلك، أقدمت مجموعة صغيرة من المعتصمين على مطاردته، وأُصيب السائق وتم إعطاب سيارته، ولكن بصرف النظر عن هذه الحادثة، لم يلحظ أعضاء هيئة التدريس أي أعمال عنف من جانب الطلاب، رغم رشهم برذاذ الفلفل من قِبل مسؤولي الأمن، صدمهم بالسيارات والدراجات النارية من قِبل الطلاب الأثرياء، الذين هم بأغلبهم من البيض، وإيذائهم ونبذهم بألقاب عنصرية من قِبل عناصر الشرطة البيض.
لماذا إذن ينسب العديد من سكان جنوب أفريقيا العنف لهؤلاء الطلاب؟ الجواب بسيط للغاية، فحتى اللحظة، وفي بلد يتمتع بأغلبية سوداء، تحرك مجموعة كبيرة من الشباب السود في مجموعات يعني شيئًا واحدًا فقط للخيال العام المذعور، إنه تهديد يتعين قمعه وزجره، وهذا الأمر ظهر بأجلى صوره في الأسبوع الماضي؛ عندما قامت مجموعة من الطلاب السود في جامعة كيب تاون، الخائفين على سلامتهم أمام وحدات الشرطة السوداء التي تقدمت لإيقافهم، بدعوة زملائهم الأبيض لتشكيل درع بشري، وعندما فعلوا ذلك، تراجعت الشرطة إلى الخلف؛ ففي جنوب أفريقيا، وفي القرن الواحد والعشرين، مازالت الأجساد البيضاء الهائجة غير مهددة بالقتل، على عكس الأجساد السوداء الهائجة التي لا تعني حياتها شيئًا بالنسبة لقوات الأمن.
جنوب أفريقيا تعاني اليوم من الانكماش الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والجريمة، مما يجعلها قاب قوسين أو أدنى من السقوط في الهاوية، وبالنسبة للعديد من الأسر، دفع رسوم تسجيل تبلغ 750 دولارًا هو أمر شبه مستحيل، علمًا أن توسيع نطاق الوصول إلى التعليم العالي ليس جزءًا من حلم إشتراكي، بل إنه جزء حيوي من تحقيق الاستقرار في البلاد، ولكن حتى الآن، العديد من سكان جنوب أفريقيا لا يرون ما رأيته خلال الأسبوع الماضي، فهم لا يرون الانضباط المثير للإعجاب، الفكر السياسي الدقيق، والالتزام العميق بالمستقبل الأفضل، إنهم لا يسمعون التجانس الكبير في أغاني النضال ضد الفصل العنصري التي ولدت من جديد، ولا يشعرون بالفرح والتضامن أو الأمل، بل إن ما يشعرون به هو الخوف، وما يسمعونه هو الاضطراب، وما يرونه هو التهديد بالعنف، فقط لا غير.
المصدر: نيويورك تايمز