ترجمة وتحرير نون بوست
وفقًا لدراسة علمية جديدة، ستشهد دول الخليج في الشرق الأوسط، ومعاقل صناعة النفط العالمية، موجات حر غير مسبوقة تتجاوز حدود البقاء البشري، في حال لم يتم وضع ضوابط للتغير المناخي في تلك المناطق.
موجات الحر الشديدة ستؤثر على أبو ظبي ودبي والدوحة والمدن الساحلية في إيران، كما أنها ستشكل تهديدًا خطيرًا لملايين الحجاج في المملكة العربية السعودية عندما يصادف موعد الحج في فصل الصيف، وتشير الدراسة إلى أن موجات الحر الشديدة، والتي لم تشهد مثلها الأرض في أي وقت مضى، ستبدأ في عام 2070، بحيث ستصبح الأيام النادرة الشديدة الحر التي تشهدها تلك المناطق اليوم، حدثًا شبه يومي في ذلك الوقت.
“نتائجنا توضح وجود نقاط إقليمية ساخنة محددة، سيؤثر فيها تغير المناخ بشدة على السكنى البشرية في المستقبل، في حال عدم خفض الانبعاثات الكربونية بشكل ملائم” كتب البروفيسور جيريمي بال والبروفيسور الفاتح الطاهر من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في مجلة نيتشر لتغير المناخ.
وجاء في البحث بأن المناخ التي ستشهده تلك المناطق في المستقبل سيكون مماثلًا بشدته للمناخ المتطرف الذي تشهده صحراء شمال عفار اليوم، والتي تقع على الجانب الأفريقي للبحر الأحمر، وهي منطقة خالية من المستوطنات البشرية الدائمة بشكل تام، ولكن الأبحاث أظهرت أيضًا بأن العمل لخفض انبعاثات غازات الدفيئة الآن يمكن أن يساعد على تجنب هذا المصير القاتم.
لطالما حاولت الدول الغنية بالنفط والغاز في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة المملكة العربية السعودية، إحباط المفاوضات الدولية حول تغير المناخ، رغم أن منطقة الخليج، وهي المنطقة التي تشهد نموًا سكانيًا متزايدًا بشكل هائل، أصيبت في عام 2015 بواحدة من أسوأ موجات الحر على الإطلاق، حين تجاوزت درجات الحرارة الـ50 درجة مئوية، مما أدى إلى موت الكثير من الأشخاص.
يقول البروفيسور الطاهر: “نأمل بأن تكون هذه المعلومات مفيدة لإثارة الاهتمام بموضوع تخفيض الانبعاثات الكربونية ضمن بلدان المنطقة، فهذه الدول لها مصلحة حياتية قصوى في دعم التدابير التي من شأنها أن تساعد في الحد من تركيزات غاز ثاني أكسيد الكربون في المستقبل”.
كشف البحث الجديد كيف يمكن للقياس المدمج لدرجات الحرارة، أي القياس الذي يجمع بين درجة الحرارة والرطوبة والذي يدعى درجة الحرارة الرطبة، أن يزداد في حال استمرت انبعاثات الكربون بالانبعاث بذات المقادير الحالية، مما سيسفر عن رفع درجة حرارة كوكب الأرض بمقدار 4 درجات مئوية خلال هذا القرن.
في حال وصلت درجات الحرارة الرطبة إلى ما يفوق الـ35 درجة مئوية، فإن الحرارة والرطوبة العاليتان ستجعلان الحياة مستحيلة حتى بالنسبة لأكثر الأجسام البشرية تكيفًا، لأن هذه الدرجة لا تسمح للجسم البشري بأن يبرّد نفسه عن طريق التعرق، والتعرض لهذه الدرجات المرتفعة من الحرارة كافٍ لإحداث آثار وخيمة على الإنسان خلال ست ساعات فقط، أما بالنسبة للبشر الأقل تكيفًا، فإن وصول درجات الحرارة الرطبة إلى ما دون الـ35 درجة كافٍ بحد ذاته لإحداث الموت، علمًا بأن درجة الحرارة الرطبة في منطقة بندر ماهشار في إيران وصلت في يوليو إلى 35 درجة مئوية، وهي الدرجة التي تمثل مزيجًا من 46 في درجة حرارة الطقس و50% في درجة الرطوبة.
استخدم العلماء نماذج مناخية قياسية كمبيوترية لإظهار أن درجات الحرارة الرطبة القاتلة يمكن أن تحدث في كل عقد أو عقدين بعد عام 2070 ضمن معظم مناطق ساحل الخليج، إذا لم يتم كبح ظاهرة الاحتباس الحراري، وأوضحت دراسة مستخدمة مقياس درجة الحرارة العادية، بأن درجة الـ45 مئوية ستصبح الحد الأقصى الصيفي المعتاد في مناطق الخليج، مع وصول درجات الحرارة ضمن بعض المناطق، كمدينة الكويت، إلى 60 درجة مئوية في بعض السنوات.
بالقرب من ساحل البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية، حيث تقع مكة المكرمة وجدة، لا يتوقع العلماء بأن تصل درجات الحرارة الرطبة إلى ما يفوق الـ35 درجة، ولكنها ستقارب الـ 32 أو الـ 33 درجة، وهذا سيجعل من الحج مغامرة خطرة للغاية، كما يقول العلماء، حيث يذكر الطاهر “ضمن هذا النوع من الظروف المناخية القاسية، ستكون ممارسة الطقوس الدينية الخارجية، كوقوف عرفة، الذي يتضمن التعبد في موقع خارج مكة من شروق الشمس وحتى غروبها، أمرًا صعبًا للغاية”.
الحجاج يسيرون على طريق منى قرب مكة المكرمة، في سبتمبر 2015
مكيفات الهواء قد تكون قادرة على حماية الناس داخل المباني المغلقة، وسكان الدول الخليجية النفطية الغنية قد يكونون قادرين على تحمل تكلفة ذلك، ولكن ينبه العلماء بأن الدول الأقل ثراءً ستعاني من هذه التغيرات المناخية الجذرية؛ ففي اليمن، على سبيل المثال، ستصل درجات الحرارة الرطبة إلى 33 درجة، “في هذه الظروف، التغير المناخي سيؤدي إلى الوفاة المبكرة للطبقة السكانية الأضعف، وخاصة الأطفال وكبار السن”، يقول العلماء.
ومع ذلك، فإن اتخاذ إجراءات عالمية لخفض انبعاثات الكربون سيحد من وصول درجات الحرارة الرطبة إلى هذه الحدود، وحينها ستشهد المملكة العربية السعودية زيادات طفيفة للغاية في درجات الحرارة، حيث يقول العلماء: “دول الخليج ستحصل على فوائد جمة من خلال دعم الجهود العالمية لخفض الانبعاثات”.
“عواقب موجات الحر الرئيسية على صحة البشر ظهرت واضحة من خلال معاينة عدد القتلى في موجات الحر الأخيرة مثل موجة حر شيكاغو في عام 1995، أوروبا 2003، 30.000 حالة وفاة، روسيا 2010، 50.000 حالة وفاة”، قال عالم المناخ البروفيسور كريستوف شار من جامعة ETH زيورخ، سويسرا، والذي لم يشارك في الدراسة، وتابع موضحًا بأن الدراسة الجديدة “تتعلق بفئة أخرى من موجات الحر التي قد تكون قاتلة لجميع المتضررين، حتى بالنسبة للأفراد الشباب والأكثر تكيفًا، وحتى ضمن الظروف الخارجية الظليلة والمهواة بشكل جيد”.
يقول شار بأن الدراسة الحديثة أظهرت بأن خطر التغير المناخي قد يكون أكثر شدة وقسوة على البشر مما كان يعتقد سابقًا، كما أن هذا التغير قد يحصل في وقت أسبق مما نتوقعه بكثير، وتابع موضحًا: “البحث يدلل على شدة أهمية جهود التكيف والحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمي لسكان منطقة الخليج والبحر الأحمر”.
دول الخليج ستتأثر بشكل خاص بارتفاع درجات الحرارة الرطبة، تبعًا لكون أنماط الطقس القياسية ضمنها تتضمن سماء صيف صافية، تسمح للشمس بالمرور لتدفئة مياه الخليج بشدة، والتي ترتفع حرارتها بشكل كبير لكونها ضحلة، على عكس المحيطات والبحار العميقة، وهذا التسخين ينتج رطوبة عالية للغاية، مما يعني بأن المدن القريبة من الساحل ستكون الأكثر تأثرًا.
العيش في موجات الحر الخليجية الحالية
تبعًا لكوني نشأت وترعرعت في دبي، فقد كان الشيء الذي أتطلع له دائمًا هو مغادرة البلاد في فصل الصيف.
الصيف كان يعني العودة إلى مسقط رأسي في الإسكندرية في مصر، للابتعاد عن درجات الحرارة الجهنمية التي قد تصل إلى 50 درجة مئوية في دبي، خاصة وأن الذهاب للشاطئ ليس خيارًا ملائمًا، إلا إذا كنت تتمتع بحرق باطن قدمك أثناء مشيك على الرمال الملتهبة بغية السباحة في مياه البحر الفاترة، أو ترغب في حرق جلدك نتيجة لقيظ حرارة الشمس الحارقة.
الصيف هو شيء يتوجب التعامل معه في دول الخليج بحذر شديد، وذلك من خلال محاولة ضمان بقاء وقتك الذي تقضيه في الخارج في حدوده الدنيا، لأن ارتفاع نسبة الرطوبة في المدن الساحلية، مثل دبي، سيحيل ملابسك إلى خرق قماش مغمورة بالعرق في غضون دقائق قليلة.
الصيف في دول الخليج يعني التنقل بشكل دائم ضمن المواقع التي تتضمن مكيفات الهواء، من شقتك، إلى سيارتك، إلى السوبر ماركت أو مراكز التسوق، أو إلى مسكن أصدقائك المبردة أيضًا، كما أن العيش ضمن درجات الحرارة العالية يعني بأنك لن تحتاج أبدًا لاستخدام سخان للمياه بغرض الاستحمام، لأن المياه ستكون ساخنة على الدوام، بل حتى ستكون حارقة إذا تجرأت على الاستحمام في فترة منتصف النهار.
الآن ومع حلول شهر رمضان المبارك في فصل الصيف، أحاول أن أبقي ساعات نشاطي النهاري، وهي ساعات الامتناع عن شرب الماء، في حدودها الدنيا، لقد سبق لي وأن أديت مناسك الحج والعمرة، حيث أديت فريضة الحج في مناخ فبراير البارد، والعمرة في حرارة الصيف الحارقة، ولا أستطيع أن أتخيل كيف يمكن أن يتم سحق الملايين من الحجاج وهم يطوفون حول الكعبة تحت قيظ الحر الحارق.
الصيف في أماكن أخرى من المنطقة قد يكون صعبًا للغاية ولا يطاق لأسباب مختلفة، فمثلًا الصيف في بيروت، وهو المكان الذي أعيش فيه الآن، كان معتدلًا نسبيًا، ولكن هذا الفصل يقترن على الدوام بنقص المياه وانقطاع الكهرباء الممتد لعدة أيام متتالية، مما يجبرك على دفع ثمن الاشتراك الباهظ بمولدات الكهرباء الخاصة، للحفاظ على المواد سريعة التلف مثل اللحوم أو الألبان من الفساد، وهذا الوضع قد يجبرك أيضًا على النوم فوق بلاط السيراميك لتبريد نفسك، وفي هذا العام، ترافق هذا كله بأزمة القمامة المتراكمة والمتعفنة بعد أن ضربتها حرارة الشمس الحارقة، إثر فشل الحكومة اللبنانية المزمن في حل أزمة النفايات.
هذه المشاكل غير موجودة في دول منطقة الخليج، كون التيار الكهربائي المستمر يساعد على الحفاظ على درجة الحرارة، من خلال مكيفات الهواء، في نطاقها المقبول، ولهذه الأسباب كنت متشككًا عندما مُنحت قطر حقوق استضافة كأس العالم لكرة القدم، فأنا لم أكن قادرًا على لعب كرة القدم خارج الملاعب المغلقة المكيفة في الصيف منذ فترة لا يعلمها إلا الله.
* الفقرة الأخيرة من تحرير كريم شاهين من بيروت
المصدر: الغارديان