لم يكن تولي الملك سلمان الحكم في السعودية ذا أثر ملموس على الواقع الحقوقي في السعودية حتى الآن، فما زالت تركة الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز حاضرة في جميع المساحات الحقوقية.
تبرز قضايا معتقلي الرأي على الساحة بقوة، حيث تتم إدانتهم بتهم لها أوجه تفسير متعددة ضاربة بذلك جميع المبادئ القانونية المقيدة ليد السلطات والحامية لحرية الرأي والتعبير.
وتوجه المنظمات الحقوقية العالمية العديد من الانتقادات تجاه التشريعات التي تزعم السعودية بأنها تطبق الشريعة الإسلامية فيها، لهذا يتجنب العديد طرح أية آراء معارضة تجاهها حتى لا يتم توجيه تهم على أسس دينية قد تهدد حياتهم ومكانتهم الاجتماعية وغير ذلك.
معتقلو الرأي
توجه السعودية عددًا من قوالب التهم الجاهزة ضد الأصوات التي تطالب بإجراء إصلاحات حقوقية، فهي لا تسمح بالتعبير عن أية آراء لا تروق للسلطات، خانقة بذلك جو الحريات العام، وهي تشترك مع دول عربية أخرى في عدم إجرائها أي إصلاحات أو تغيير في الممارسات تجاه هذه الثروة المهمة للوطن.
على أثر قدوم الملك الحالي تشجع بعض من الكتاب والإصلاحيين في الانتقاد العلني لسياسيات خاطئة سابقة، قوبلت بالمنع من الظهور أو الحبس، فعلى سبيل المثال تم توقيف الكاتب السعودي زهير الكتبي عن الكتابة والظهور في وسائل الإعلام ثم تم اعتقاله بطريقة مهينة من قِبل قوة ملثمة حكومية، بسبب انتقاده في لقاء تلفزيوني لإخفاقات حكومية.
من جانب آخر يمضي معتقلو “إصلاحيو جدة” سنوات من عمرهم في السجون، حيث تعدت أحكام السجن التي صدرت بحقهم أكثر من 220 سنة، ومعظم من تم محاكمته في هذه القضية لهم آراء لا تروق للسلطات وناشطين حقوقيين لهم مواقف بارزة في دعم الإصلاح في البلد.
في أكتوبر من العام الجاري أصدرت المحكمة الجزائية في السعودية حكمًا بالسجن لعشر سنوات وبالمنع من السفر عشرًا أخرى مثلها بحق عبدالكريم الخضر أحد أعضاء جمعية “حسم” السعودية، سبقه بنفس الشهر كذلك حكمًا بالسجن بتسع سنوات والمنع تسع سنوات أخرى من السفر بحق عبدالرحمن الحامد.
في الغالب فإن السلطات توجه تهم فضفاضة غير محددة يمكن تفسيرها على عدة أوجه، على شاكلة “نزع الولاية”، “استعداء المنظمات الدولية ضد المملكة”، “إثارة الرأي العام”، “الافتئات على ولي الأمر”، و”نشر الفوضى من خلال الدعوة إلى التظاهر”.
قضايا الإعدام
حسب منظمات حقوقية عديدة منها العفو الدولية، فقد مثل النصف الأول من عام 2015 حفلة إعدام كبيرة، فخلال الستة أشهر الأولى من العام الجاري نفذت السعودية أكثر من 102 حالة إعدام متجاوزة في ذلك جميع حالات الإعدام المنفذة في عام 2014 والبالغة 90 حالة فقط.
تتمسك السعودية بمزاعم صوابها في التنفيذ، مدعية أنها تطبق الشريعة الإسلامية وتطبق هذه العقوبة حتى على الجرائم غير العنفية وغير المميتة وفي ساحات عامة أمام جمهور كأنه جمهور كرة القدم إلا أن التصوير ممنوع في الأخيرة.
تشترك المملكة مع دول أخرى مثل إيران والعراق والصين بأنها من الدول الأكثر تنفيذًا لأحكام الإعدام في العالم، وهي كذلك من الدول التسعة الأعضاء في الجامعة العربية والذين ينفذون عمليات إعدام.
تستند الأحكام الصادرة في عدد من قضايا الإعدام إلى محاكمات غير عادلة تفتقر إلى أبسط الضمانات الواردة في القوانين والمواثيق الحقوقية، فبعضها يكون بمحكمة غير علنية وأخرى دون حضور محامي الدفاع وغيرها يكون مستندًا على اعترافات تم انتزاعها تحت التعذيب والإكراه.
في اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل الملزمة للسعودية بعد انضمامها إليها في 1996 فإن أحكام الإعدام لا تصدر لمن قام بأفعال جرمية تحت الثامنة عشر من عمره،ولكن في العام الحالي قامت محكمة الاستئناف بالتصديق على حكم بالإعدام على ثلاثة أشخاص تم اعتقالهم وتوجيه تهم لهم وهم قصر، حيث تم القبض عليهم في مسيرات مناهضة للحكومة، وعلى الرغم من وجود مزاعم بانتزاع الاعترافات تحت وطأة التعذيب إلا أن ذلك لم يمنع من إصدار القرار بالإعدام بقطع الرأس وعرض الجثمان على المارة.
تشريعات تشرعن للانتهاكات
تقتضي مكافحة الإرهاب إجراءات استثنائية للدولة تمكنها من ردع المتطرفين، لكن هذا لا يبيح للدولة الانتهاك أو التعدي على الحقوق اللصيقة بالإنسان.
ما يزال العمل بالأمر الملكي الخاص بمكافحة الإرهاب معمولًا به، ويقصد بالأمر الملكي بأن إرادة الملك المباشرة والمنفردة أصدرت أمرًا فيه بصيغة محددة يحمل توقيع الملك.
وقد حدد الأمر الملكي العقوبة بمدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد عن 20 سنة بحق أي شخص قام بالانتماء للتيارات أو الجماعات وما في حكمها الدينية أو الفكرية أو المتطرفة أو المصنفة كمنظمات إرهابية داخليًا أو إقليميًا أو دوليًا، أو تأييدها أو تبني فكرها أو منهجها بأي صورة كانت، أو الإفصاح عن التعاطف معها بأي وسيلة كانت، أو تقديم أي من أشكال الدعم المادي أو المعنوي لها، أو التحريض عى شيء من ذلك أو التشجيع عليه أو الترويج له بالقول أو الكتابة بأي طريقة.
وتتفق معظم وثائق الأمم المتحدة المتعلقة بمكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان على الحاجة إلى استخدام ألفاظ وعبارات محددة في قوانين مكافحة الإرهاب وتحذر من العبارات العامة والفضفاضة التي قد تسمح للسلطات باستغلال القانون وتجييره لانتهاك حقوق أشخاص بعينهم.