الألم – وخصوصا الألم المزمن – هو الشيء الأكثر إزعاجًا لمعظم الأشخاص على اختلاف أعمارهم وأنواعهم وحالتهم الصحية ومسببات أمراضهم، يبقى الألم هو هذا الشيء المزعج الذي قد تختلف صوره من شخص لآخر ولكن يتفق الجميع على تأثيره السيء للغاية، حسنًا دعونا نتعرف على هذه القصة الرائعة لأول من تصدى بجدارة لهذا المرض، وكان سببًا في تغيير حياة ملايين البشر للأفضل.
جون ج. بونيكا، والذي كان يدعى في بداية حياته بجوني بول والكرز، وهو اسم مستعار اضطر لاستخدامه لكي يخفي شخصيته الحقيقية كطالب في كلية الطب، كان جون بونيكا يستخدم اسمه الوهمي جوني بول لأنه كان يعمل متخفيًا في سيرك متنقل لكي يستطيع التكفل بمصاريف تعليمه، والطريف في الأمر أنه كان يقوم بفقرة المصارع البلطجي الذي قد يقتل من يقابله من أجل دولار واحد، كان يصارع الأشخاص في فقرته، كان يتسبب في الألم ويعالجه في نفس الوقت، في أحد أيام العمل بالسيرك سقط مروض الأسود مغشيًا عليه ولكن كان من حسن حظه وجود جون بونيكا الذي قام بالإسعافات الأولية وأنقذ حياته.
تخرج بونيكا من كلية الطب عام 1942 وتزوج بعدها حبيبته إيما، التي تعرف عليها أثناء إحدى مبارياته، وعندما جاء يوم ولادة طفلهم الأول ذهب بونيكا مع زوجته إلى المستشفى، كانت إيما تصرخ وتتوجع من كثرة الألم؛ مما جعل الطبيب المختص يطلب من مساعده الطبيب المتدرب أن يسّكن آلام إيما عن طريق الأسلوب المعتمد وقتها وهو حقنة الكحول، ولكن نظرًا لقلة خبرة الطبيب المتدرب فقد أخطأ في طريقة الحقن مما جعل حنجرة إيما تتهيج واختنقت وبدأ لونها يشحب، وهنا تدخل بونيكا سريعًا ودفع هذا الطبيب المتدرب بعيدًا عن طريقه، وأنقذ حياة زوجته، وكانت هذه هي نقطة التحول المفصلية في حياة بونيكا؛ فقرر من هذه اللحظة أن يوهب حياته من أجل دراسة علم التخدير ولكن قبل أن يدرس هذا التخصص كان يجب أن يلتحق بالتدريب العام.
بدأ بونيكا العمل في المركز الطبي العسكري بماديجان قرب تاكوما، الذي يعتبر أحد أكبر المستشفيات العسكرية في أمريكا، ويحتوي على 7700 سرير، كان بونيكا هو المسؤول الأول عن كل ما هو متعلق بالتحكم بالألم، وكان عمره 27 عامًا فقط.
أثناء عمل بونيكا بالمركز الطبي لاحظ بوضوح هذا التعارض بين ما درسه وبين الحالات التي يشرف عليها، كان بونيكا قد درس أن الألم عبارة عن جهاز إنذار أولي لوجود مرض يتطلب التدخل، ولكنه لاحظ أنه مثلًا بعد التدخل وبتر ساق مصابة يظل الألم موجود، كما أنه لاحظ أيضًا أن الألم يوجد في بعض مناطق الجسم التي تبدو سليمة؛ وهنا قرر بونيكا أن يغوص أكثر في دراسة طبيعة الألم.
دخل بونيكا إلى المكتبة وقرأ المراجع الطبية باهتمام شديد وكان يضع علامة على كل صفحة وجد فيها كلمة ألم، ولكن خيبة الأمل أصابت بونيكا فمن ضمن 14000 صفحة لم تُذكر كلمة ألم إلا في 17 صفحة ونصف فقط، تعجب بونيكا بشدة تساءل كيف يتم تجاهل أكثر الأعراض إزعاجًا للمريض، كيف يتم تجاهل الجزء الأكثر أهمية من وجهة نظر المريض، قرر بونيكا ولمدة 8 سنوات أن يكتب ويؤلف كتابًا في الألم، سُمي لاحقًا الكتاب المقدس للألم، اقترح فيه خططًا وعلاجات جديدة باستخدام حُقن خدر العصب، اقترح معهدًا جديدًا وهو عيادة الألم، كان بونيكا يجتمع مع كل من له علاقة بالموضوع، الجراحين، أطباء الأعصاب، الأطباء النفسيين، وآخرين، وكانوا يلتقون على طاولة الغذاء ويعقدون اجتماعاتهم، كافح بونيكا كثيرًا من أجل اعتماد فكرته وأبحاثه ومن أجل إنشاء عيادات الألم، وهو ما نجح فيه بالفعل.
تم إنشاء المئات من عيادات الألم حول العالم، ومن العجيب أن بونيكا بدأ يشتكي من الألم الشديد بعدما تقاعد كانت هذه الآلام عبارة عن خليط من آلام الإصابات السابقة الناتجة عن المصارعة، بالإضافة إلى آلام نتيجة الإجهاد الشديد في العمل حيث كان يعمل بشغف لأكثر من 15 إلى 18 ساعة يوميًا، أجرى بونيكا 22 عملية جراحية متضمنين 4 عمليات في العمود الفقري، واستبدال لعظام الحوض مرة بعد أخرى، كان بالكاد يرفع ذراعه ويدير رقبته واحتاج ركائز من الألومنيوم لكي يمشي، وأصبح أصدقاؤه وطلابه السابقين هم الأطباء المعالجين له.
في أثناء رحلة عمل إلى فلوريدا طلب بونيكا من تلميذه أن يقله إلى الهايد بارك في تامبا، وهناك التقى بعدد من رجال السيرك المتقاعدين أمثاله وتجاذب معهم أطراف الحديث وتذكروا سويًا أيام السيرك الخوالي.
مات بونيكا لاحقًا وأطلقت عليه مجلة التايم الأمريكية اسم “الأب الروحي لتأسيس مسكنات الألم”، في النهاية قد لا يعرف أغلب من يعالجون من الألم اسم جون بونيكا ولكنهم حتمًا يشعرون بتأثيره في كل جرعة مسكن ألم يتناولونها.