يدعو الكثير من ساسة ومسؤولي منظمات المجتمع المدني وحتى المواطنين العاديين في المجتمع الغربي ساسة ومسؤولي منظمات المجتمع المدني في المناطق النامية إلى اتخاذ خطوات جادة تجاه عملية التنمية والنمو في كافة المجالات وفي كافة النواحي، ولكن يرى الكثير من مواطني الدول النامية بأن هذه الدعوات الخاصة بالتنمية والموجهة من قِبل الدول الغربية ما هي إلا دعوات منافقة يحاولون من خلالها إظهار أنفسهم على أنهم رسل التنمية والنماء في العالم.
ويعود السبب وراء غضب هؤلاء المواطنين إلى ادعائهم بأن الغرب يريد من دولهم أن تتطور وتنمو ولكن ليس بقدر أكبر من حجم نموه ولا على نحو يتعارض مع مصالحه المختلفة وليس بمقدار يفوق مقدارها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، لأن هذه الدول تعودت على الأيديولوجية الإمبريالية وتبعية الدول الأخرى لها، ويستشهد العديد من المواطنين في منطقة الشرق الأوسط ومن ضمنهم الباحثة السياسية والاقتصادية التركية خديجة كاراهان، في أحد مقالاتها التي كُتبت بعنوان “الناجح يُعاقب في منطقة الشرق الأوسط” ونُشرت في جريدة يني شفق بتاريخ 20 أكتوبر 2015، بأن تركيا بعدما حققت نجاحًا باهرًا في العديد من المجالات أصبحت واجهة مُستهدفة من الدول الغربية وعلى رأسهم ألمانيا التي لطالما دعا ساستها المسؤولين الأتراك إلى اتباع قوانين ومعايير الاتحاد الأوروبي للانضمام إليه بشكل مباشر، ولكن ما إن نجحت تركيا في قطع شوط كبير وجيد في مجالات التقدم المختلفة، وأصبحت هذه الدول تنازع تركيا في تقدمها بشكل ملحوظ خاصة في ظل الدعم الملموس الذي تقدمه ألمانيا لحزبي العمال الكردستاني والاتحاد الديمقراطي الإرهابيين والمستهدفين لتركيا”.
وتضيف كاراهان في مقالها بأن “النموذج التركي كان نموذجًا رائعًا لإمكانية دولة شرق أوسطية تحقيق مستوى تقدم جيد وإيجابي خلال فترة قصيرة وفي كافة المجالات، ولكن دول الغرب لم تقف للحظة لمعاقبة تركيا الناجحة التي أصبح لها تأثير سياسي واقتصادي وثقافي في المنطقة، هذه الدول التي تدعو للتنافس السياسي والاقتصادي الليبرالي المفتوح وغير الخاضع للمعيقات والعواقب كانت أول من وضع العواقب أمام التقدم التركي بعد تجربة حكومة حزب العدالة والتنمية التنموية”.
وتعطي كاراهان ألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية كأكثر الأمثلة الواضحة الواضعة للعواقب والعراقيل لتركيا في الفترة الحالية، وتعزي كاراهان وضع هذه الدول العراقيل والعواقب إلى “خوف ألمانيا من تحول وجهة الطيران التحويلي منها إلى تركيا بعد إنهاء تركيا المطار الثالث الأضخم في إسطنبول وتركيا وأيضًا انزاعجها من تحول البوصلة الاستهلاكية في العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط من ألمانيا إلى تركيا التي تعد أقرب جغرافيًا ودينيًا لسكان الشرق الأوسط والتي أصبحت تُعد أكثر جذبًا لهم من ألمانيا”.
أما استهداف الولايات المتحدة الأمريكية لتركيا فهذه صفة لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية التخلي عنها، وذلك لأن الولايات المتحدة الأمريكية ترى من جميع الدول منافس لها، وترى الولايات المتحدة الأمريكية من تركيا دولة منافسة لها بدرجة أولى في المنطقة لا سيما بعد توقيع قطر بعض الاتفاقيات العسكرية مع تركيا واتباع الكويت هذا الاتفاق تفاوضات وتباحثات لتوقيع اتفاقية عسكرية مثيلة وأيضًا محاولة تركيا تحويل جميع منطقة الشرق الأوسط مستقلة عن السيطرة الأمريكية وحتى سيطرة الأمم المتحدة من خلال طرحها على لسان رئيس جمهوريتها رجب طيب أردوغان فكرة بأن العالم أكبر من الدول الخمس منتقدًا بذلك آلية عمل مجلس الأمن وسيطرة بعض الدول فقط عليه وعلى مجال عمله، فتعمل تركيا على إيجاد بديل عن هذه الألية من خلال دعوة دول الشرق الأوسط إلى التعاون المشترك في إطار التعاون السياسي الوحدوي والاقتصادي المتكامل والثقافي المتداخل من أجل التخلص من سيطرة أو خطر أي قوة عسكرية.
وفي الخلاصة، يشير العالم الأمريكي إيمانويل والرشتاين والعالم الأمريكي أيضًا أندري غوندر فرانك والعالم المصري سامر أمين، هؤلاء العلماء ذوي توجه يساري ومن منتقدي النظام العالمي، في نظريتهم “التبعية” بأن الدول الغربية “المركزية” لن تعطي الفرصة إطلاقًا للدولة الشرقية “الفرعية” للاستقلال عنها من خلال تطوير نفسها وتنميتها، وذلك لأنه في حال تطور الدول الشرقية سيكون هناك خلل في نظام المصالح السياسية والاقتصادية والثقافية للدول الغربية، وهذا يُعد أمرًا خطيرًا لهم لذا فلن يسمحوا في أي يوم من الأيام بتطور دولة أخرى أكثر منهم”.